سورية لم تعد هي سورية. لا كجغرافيا ولا كشعب ولا كنظام. وحسب منطق الاستراتيجيين (بل ووفقاً لمنطق البداهة) فإن هذه هي مرتكزات أي دولة في العالم. وعندما ينفرط عقد أحدها فإن الدول تضطرب، فكيف إذا اهتزت كلها دفعة واحدة.
قبل أيام، قال هيثم المالح (وهو معارض سوري مقيم في القاهرة) بأن 26 بالمئة من الأراضي السورية باتت مُدمَّرة. والحقيقة، أن مثل هذه الأرقام لا نقرأها لكي تخرج أعيننا من مَحْجَرِها عَجَباً، بل لكي نتفكر فيما وصل إليه الحال في سورية.
عندما بدأت الثورة ضد نظام استبدادي ظالم مخابراتي فاسد، كان المبدأ الأخلاقي يقتضي من الجميع أن يساند هذه الثورة. وعندما استَعَرَ الخيار الأمني في سفكه للدم، كان المبدأ يقتضي إدانته. وعندما بدأ الحراك يجنح باتجاه العسكرة، كان ذلك الموقف يقتضي من الجميع الإدانة كذلك.
لقد كان خيار تسليح الثورة، أكبر خطأ لجأت إليه المعارضة السورية وحلفاؤها من الدول العربية والغربية، وقد تحدثنا عن هذا منذ البداية. لقد كرَّس هذا الخيار الصيغة الأكثر قتامةً في سورية، إلى الحد الذي لم تعد فيه الأمور منوطة بالعقل ورجاحة الرأي مطلقاً.
اليوم، يضيع صوت العقل أمام هذا الهَيَجَان والجرائم بحق الإنسان. مئتا قتيل، مئة وأربعون، أو مئتان وستون، هذه أرقام بتنا نسمعها كل يوم لضحايا سقطوا في سورية. في السابق، كان العراق هو مَنْ يُنتج مثل هذه الأخبار، طيلة خمسة أعوام، واليوم، جاء الدور على سورية والشام.
لم يعد أحدٌ قادراً على الإمساك بشيء في هذا البلد المنكوب. كل الأمور باتت رخوة. ما إن تُمسِك بشيء فيه إلاَّ وتراه رماداً، يسقط كالحطام من بين أصابعك. حتى الذين خرجوا في درعا بداية الثورة كمعارضين للحكم، لم يعد لهم صوتٌ اليوم، أمام أزيز الرصاص، وكذلك الحال بالنسبة لمؤيدي الأسد، الذين نزلوا في ساحة السبع بحرات.
كنظام سياسي سوري استبدادي، بات وزير الدفاع فهد جاسم الفريج الحديدي، ونائبه طلال طلاس، ورئيس هيئة الأركان علي أيوب، وقائد جهاز الأمن القومي علي مملوك، ورئيس الأمن السياسي رستم غزالة، ورئيس المخابرات الجوية جميل حسن هم مَنْ يديرون الحكم الفعلي في سورية، بعيداً حتى عن علم وإمرة مجلس الوزراء في دمشق.
لم يعد هناك صوتٌ مدني مسموع لا لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع، ولا حتى لقيادات حزب البعث الكبار، الذين كانوا يُعتبرون المدماك الأساس للحكم في سورية. وقد تبيَّن بعد اللقاء الذي أجرته قناة «الجزيرة»
القطرية مع رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب، كيف أنه لا يعلم من سورية سوى ما يعلمه العوام والهواة.
أما أحوال المعارضة السورية، التي بدأت نواتها بالانعقاد منذ العام 2005 بإعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، ثم انفرط عقدها ما بين داخلٍ وخارج معارض، فقد تشظى أمرها لاحقاً لتصبح هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي المشطورة ما بين داخل وخارج سوري.
ثم وضعت هذه الهيئة مولودها «المنبر الديمقراطي السوري» بمصاهرة خجولة مع «المجلس الوطني السوري» الذي هيمن عليه الإخوان المسلمين الحلبيين بغالبية كبيرة، وخرجوا بما سُمِّي حينها بـ «الوثيقة المشتركة» كبرنامج عمل سياسي رفضتها القوى السورية المسلحة في الداخل وسمَّوها بـ «وثيقة العار»، فماتت عمليًا.
ثم انشق عن هيئة التنسيق «مؤتمر الإنقاذ الوطني». ثم تشرذم الجمع ما بين الأخير، وبين تجمع «وزراء المستقبل - حجاب» و»الائتلاف - الخطيب». لم يرضَ عن ذلك بقايا «جبهة الخلاص الوطني في سورية» و»المؤتمر السوري للتغيير» ومؤتمرا «سان جرمان» و»أنطاكية».
ثم استشاط البعض من المعارضين السوريين فألفوا «مجلس الأمناء الثوري السوري». وعندما فشل الأخير تدثر في عباءة المليونير المعارض رياض سيف.
ثم تضارب عمل هذا وما قبله وما بعده مع «المجالس المدنية الثورية» في الداخل والمدعومة من فرنسا. هذه هي أحوال المعارضة السورية اليوم، حتى مع انتخاب هيتو للحكومة المؤقتة.
أما الشعب السوري، فقد نَخَرَته الأمراض الاجتماعية، حتى صار «قَاعاً صَفْصَفاً» لا يلوي على شيء. الشرائط الساحلية، والتخوم البرية، والأرياف الداخلية، والمدن الصناعية والسياسية لم تعد كما كانت. لقد أصبح الفرز الطائفي والإثني على أشدِّه. المسيحيون خائفون، وكذلك الحال بالنسبة للعلويين والسُّنة والأرمن والإسماعيليون ومعهم أربعة عشر طائفة وعرقاً يعيشون في سورية منذ سنين.
أصبح الخطف سِمَةً لا تفارق الأحياء. نخطف من أبنائكم كما خطفتم أبناءنا.
نسبي نساءكم كما سبيتم نساءنا. نقتل رجالكم كما قتلتم رجالنا. أصبح هذا المنطق هو السائد. وحين أصبحت الدولة عاجزة عن فعل شيء، تداعى الخيِّرون من السوريين لحفظ ما تبقى من اجتماع الناس، أمثال الشيخ صالح النعيمي والأب ميشال نعمان وغيرهم كُثُر، ممن لم يَرَ أسرته وأبناءه منذ أكثر من عام، وبقِيَ مرابطاً في فندق حمص الكبير، أو على تخوم القرى اللبنانية، يُبادل ويضمن ويؤوي ويدفع المال.
أما الجغرافيا فحدِّث ولا حرج، فهي مقطّعة الأوصال كالأمعاء التي مزقتها النُّيُوب. مَنْ منا كان يسمع من قبل عن معبر باب الهوى، أو خان العسل أو صلاح الدين أو بابا عمرو أو النيرب أو مساكن هنانو أو أطمة أو داريا أو الميادين أو براري الحسكة والقامشلي. اليوم، باتت هذه المناطق مترهلة، متشققة تدخلها الريح كيفما أتت.
لم تعد هناك حدود، ولا مناطق آمنة، ولا دولة صارمة، ولا خدمات «أدغالية»
في كثير منها. لقد أصبح الناس يلوذون بهوياتهم الفرعية طلباً للأمان. فقد تقطعت الدولة. وعندما تتقطع الدول، يتقطع معها شعبها وأمنها ومواردها.
وعندما يحدث كل هذا، لا تصبح دولة كاملة القوام، بل كسيحة مهووسة باسترجاع ما كان لديها.
هذا ما تبقى من اللحم السوري، فرحماك يارب.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3850 - الجمعة 22 مارس 2013م الموافق 10 جمادى الأولى 1434هـ
سوريا الوطن
النظام الأمني في سوريا أمر بديهي لأن من يتربص له أجندته تحطيم وتشطير سوريا. وهذا اصبح الآن أكثر وضوحا بالعنف الصادر من جبهة نصرة الإسلام،التي هي الوجه الحقيقي للقاعدة التي تمولها أمريكا وبعض الدول الاقليميه انتم تعرفونها جيدا. هذه عمقت علاقاتها مع إسرائيل لتدمير سوريا. الجيش العربي الحر هو اسم على غير مسمى لأنه ليس بحر......عاشت سوريا الوطن وخسأ كل من يحاول تدميرها.
الى الكاتب مع التحية
هل انت مع قطع الروؤس والتمثيل بالجثث.
هل انت مع هدم المقامات والقبور
هل انت مع تفجير المساجد بمن فيها..
بالأمس
اغتيل الشيخ البوطي في احد مساجد دمشق ، و لم أرى منذ بداية الثورة سوريا بهذا التردي مثل اليوم . سواء من قتله ، أكان النظام أم اطراف في المعارضة او غير ذلك . فهي جريمة نكراء تدل إلى أن سوريا ذاهبة إلى الهاوية و ليس من مخرج في نهاية النفق.
علي نور
هذا ما تبقى من اللحم السوري، فرحماك يارب.
سوريا بقي منها ما لا تفهمه انت وامثالك.
سوريا بقي لها ارادة شعبها التي لا تنكسر ولسوف ترى ان كل ما قلته كسابقاته من مقالات مجدر هباءا منثورا .. العراق تشظى وتكسر لكنه جمع ارادته وطرد المحتل وهو الى بناء .. سوريا احتفظ شعبها بها . ستبقى سوريا وستظل انت ناصحا امينا (كما كنت ) لقوى الثورة التي دمرت هاذا البلد
مجرد تعديل إملائي للسيد علي نور
هذا وليس هاذا . ومجرد وليس مجدر كما كتبت يا سيد نور
الله ينصر الجيش العربي السوري
الجيش الحر نصفه من القاعده{جعفرالخابوري]