رأى إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي الشيخ عدنان القطان، أن العلاقات الأسرية ليست «أوامر صارمة وأحكاماً حازمة وتجاذبات جامدة»، مؤكداً أن التمسك والاقتداء بنهج الرسول (ص) يحمي العلاقات الأسرية من القلق والاضطراب، «فهو القدوة المُثْلَى والمثل الأعلى، ذو الخلق العظيم، مأمورون جميعاً أن نأخذ بكل ما جاء به».
وقال القطان، في خطبته يوم أمس الجمعة (22 مارس/ آذار 2013)، إن النبي المصطفى (ص) «ذا المسئوليات الجسام، والهموم الكبرى، والمشاغل الجمَّة في الدِّين والدَّعوة والدولة - كل هذه المسئوليات والهموم لم تزاحم مسئولية البيت وحق أهل البيت؛ بل كأن ليس له همٌّ إلا همّ البيت، وليس له مسئوليةٌ إلا مسئولية البيت الطاهر، وهو القائل: (إنّ لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقّاً، وإن لأهلك عليك حقّاً، فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه)؛ قسمةٌ غفل عنها الكبار قبل الصغار».
وذكر أن «الحياة الأسرية ليست أن تأمر وتنهى، وترغب وتتمنَّى، وتتوعَّد وتتهدِّد، وكأن الأمر أن المرء لا يفكر إلا في نفسه ولا يغضب إلا لخاصَّته»، مشيراً إلى أن «أعداء الإسلام والمسلمين نشروا ثقافة الصراع (الذُّكوري - الأنثوي)، وأوسعوا الفجوة بين الرجال والنساء في تحوير وتزوير وتصحيف وتحريف وتضخيم وتكميم ومسخٍ للحقائق، وبُعْدٍ عن العدل والرحمة والسَّكَن والمودَّة».
واعتبر أن «المزاح والمداعبة والملاعبة تطيِّب القلوب، وتزرع المودَّة بين الأزواج والزوجات، وترسِّخ الألفة، وها هم الأحباش يرقصون بالحراب؛ فسمع رسول الله (ص) ضوضاء الناس والصبيان، وكان جالساً فقام ثم قال: (يا عائشة، تعالي فانظري)، قالت (رض): (فوضعتُ خدي على منكبه، فجعل يقول: (عائشة، ما شبعتي؟) فأقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده!!. هذه طبيعة الأنثى، في رقَّتها وطَبْعِها، تفصح عنها أمنا عائشة - (رض) - لنتعلم ونتفقَّه ونقدِّر لكل شيءٍ قدره، كما نقدِّر لكل سنٍّ قدره... ثم تقول: (ولقد رأيتُه يراوِح بين قدمَيْه)؛ يعني من طول المدة؛ لأنه تركها حتى تشبع في رؤيتها لهؤلاء الذين يرقصون».
وأضاف «أما العنف والشدة والقسوة والضرب، فما خُيَّر رسول الله (ص) بين أمرين قط إلا كان أحبَّهما إليه أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عن الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله.. وما ضرب رسول الله (ص) بيده خادماً ولا امرأةً قط، وحين جاء نسوة إلى رسول الله يشكون أزواجهن - قام معلناً وموجِّهاً: (لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهم، ليس أولئك بخياركم، ليس أولئك بخياركم)».
وأكد القطان أن «حُسْنُ الخُلُق ليس بكفِّ الأذى وحده؛ بل باحتمال الأذى، والحِلْم عند الغضب، وضبط النفس عند الطيش، وكظم الغيظ عند الانفعال. ولابد في التعامل الأُسَرِيِّ من الصبر والمداراة والتحمُّل من أجل الفوز بحسن المعاشرة، فلا تقف عند صغيرة تبدر، فكل ابن آدم خطَّاء، وكل ابن آدم يغفل وينسى، وكل ابن آدم يضعف ويجبن، فلابد من غضِّ الطرف، ولابد من العفو والصفح، فمن ذا الذي ما ساء قط؟!ومن له الحسنى فقط... المطلوب - أحسن الله إليكم - استمالة النفوس، وتأليف القلوب، وسياسة الرد بالحكمة والرحمة والعدل والإحسان».
وقال: «إن الزوجة من القوارير كما وصفها رسول الله (ص) في الصفاء والرقَّة واللُّطف ودقيق العناية ورفيق الرعاية - وهي موضع السرِّ وموضع المودة، وإليها السَّكَن وفيها السكينة».
وتابع «فالألفاظ الحسنة، والكَلِم الطيِّب، والدعاء، والشكر والثناء، والاعتراف بالجميل، والمبادرة بالفضل، وتبادل الهدايا من غير مبالغة، وإظهار الاهتمام بالبرامج والهوايات الحسنة، والمشاركة في الحديث، والمشاورة في الرأي، والتشاور في معالجة المشكلات، والإنصات الجيِّد، وعدم الاحتقار والتنقيص والتهوين والازدراء، والاعتذار عن الأخطاء والأغلاط ، والتواصل في حال الغياب بالمراسلة والمهاتفة والوسائل المتاحة - كل ذلك طريقٌ للحياة الكريمة والسعادة المنشودة... فليست السعادة ألاَّ توجد في البيت مشكلات، ولا ألاَّ تحصل خلافات واختلافات؛ ولكنَّ الحياة السعيدة: الإيمان بالله، والقيام بما افترض الله، والأخذ بحكم الشرع وأدب الدِّين، ومراقبة الله عز وجل في كل حال وعلى كل حال. ولينفق ذو سعةٍ من سعته؛ فالكرم يستر العيوب، ويداوي كسر القلوب، وما أُسرت القلوب بشيءٍ أعظم من الإحسان».
وتطرق القطان في خطبته إلى الأطفال، وبيّن أن «الأطفال رياحين عطرة، وغصونٌ نضرة، يملئون الحياةَ بهجة وسروراً، ويُضفون على البيوت أنساً ونعيماً وزينة، وكيف لا يكونون كذلك وقد وصفَهم الباري - سبحانه - بأنَّهم (زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا) فالأطفال نعمة إلهيَّة، ومنحة ربَّانية، يهبُها الله مَن يشاءُ من عباده، ويمنعُها عمَّن يشاء، بِحكمتِه وقدرته سبحانه، والنَّاس متفاوتون في تقْدير هذه النِّعْمة تفاوتاً كبيراً، ولا غضاضة في ذلك شأنها شأن كلِّ النعم، يقدِّرها ويعرف حقَّها مَن حُرم منها، ويتجاهلُها ويقصيها مَن رُزقها أو كان منها في كفاف».
واستدرك «لكنَّ المشكلة أن يجعل البعْض هؤلاء الأطْفال الأبرياء حقولاً للتَّعذيب ومُمارسة العنف، بكلِّ ألوانه وأشكاله، والضرب المبرح الذي يسبب العاهات المستديمة (من غير رحمة ولا ورأفة) إنَّها مصيبة وأي مصيبة أن يتحوَّل أقرب النَّاس إلى الطفل إلى وحشٍ كاسر، لا يرحم ولا يشفق، ولا تجِد الرَّحمة في قلبه مكاناً،(ولا تنزع الرحمة إلا من شقي) ولم أستطِعْ أن أتصوَّر إلى هذه اللحظة كيف يتحوَّل قلْبُ الوالد أو الوالدة إلى حجر؛ بلْ أشدَّ من الحجر، تجاه مَن؟ تجاه هؤلاء الأطفال الصِّغار، الذين لا حوْل لهم ولا قوَّة».
ونوّه إلى أن «وسائل الإعلام أظهر حالاتٍ متعدِّدةً لأطفال تعرَّضوا للعُنف والتعذيب، من قِبل والديهم أو أزواج أمهاتهم أو إخوانهم أو أعمامهم أو أخوالهم أو أقاربهم ، وهذا الأمر مؤشر خطيرٌ يُوحي بِجفاف تلك القلوب القاسية من ماء الرَّحمة، ونذيرٌ يوحي بما تُخبئه الأيَّام من أحداثٍ ومعدلاتٍ مهولة لا تقِف عند حدٍّ، ولابد من وضع التشريعات والقوانين والعقوبات الصارمة الرادعة لأمثال هؤلاء قساة القلوب، المتجردين من الرحمة والرأفة».
وأكد على ضرورة بيان كيف كان الرسول (ص) يتعامل مع الأطفال، والمواقف المختلفة المذكورة في السيرة النبوية الشريفة، والتي كان فيها علاجٌ لمرضى القسْوة والغلظة وفيه تهذيب للأخلاق والدَّعوة إلى السموِّ العاطفي والإنساني المتمثِّل في تعامله مع الأطفال، داعياً من يتصدَّون لظاهرة العنْف مع الأطفال، سواء على صعيد الجمعيَّات المتخصِّصة لمكافحة العنْف مع الأطفال، ومراكز رعاية شئون الأسرة وحقوق الأطفال، أو على صعيد الوعْظ والخطابة والتَّعليم، وما دار في فلَكِها من ندوات ومحاضرات، «وأن تُدرس هذه المواقف لأبنائنا وبناتِنا في مختلف مراحلهم الدراسيَّة».
العدد 3850 - الجمعة 22 مارس 2013م الموافق 10 جمادى الأولى 1434هـ
أبو ابراهيم
خير الكلام ما قل وذل ...