مثلما أن طرح موضوع التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المستمر هو الجواب على أسئلة التخلف العربي، فإن طرح موضوع حماية وتنمية اللغة العربية الأم هو الجواب على أسئلة الوجود العربي في التاريخ والحضارة. إنه موضوع وجودي بامتياز، وليس فذلكةً تخصُّ علماء اللغة ومثقَّفي الأمة لكي ينشغلوا أو يتسلُّوا بها.
من هنا التزايد المتنامي للجهات المتعدّدة المهتمة بموضوع الحماية والتنمية ذاك. من بين تلك الجهات مؤسسة الفكر العربي التي تقوم بمشاريع متعددة، حتى ولو كانت محدودة، للارتقاء بمكانة اللغة العربية، تعليماً واستعمالاً وتبسيطاً، على الأخصّ في حقول التربية والتعليم والثقافة والإعلام.
من بين تلك المشاريع مشروع كتاب الطفل العربي. فإذا أريد للإنسان العربي البقاء على صلة مستمرة بثقافة أمته، فكراً وأدباً وشعراً وفنوناً وعلوماً مختلفة، فإن المدخل إلى ذلك يبدأ في فترة الطفولة المبكرة. فإذا تعلم لغته في مدرسته بصورة مبسَّطة وغير معقدة ولا مملّة، فصحى ميسّرة، فأجاد استعمالها بسهولة وانسياب عفوي، وإذا وجد الكتاب الذي يتناسب مع إمكانياته اللغوية والذهنية ومع مستوى نضجه العاطفي والنفسي والاجتماعي، وإذا وجد الإجابات على تساؤلاته في الشبكة العنكبوتية بلغة فصيحة غير متكلفة وبمستوى علمي رصين، وإذا فتح التلفزيون فوجد برامج أطفال ثقافية فنية مسلّية بلغته الأم وبمستوى لا يقلُّ عن البرامج الأجنبية المقدّمة بلغات أجنبية كما كان الحال مثلاً مع برنامج «افتح ياسمسم» الشهير... إذا وجد الطفل العربي كل ذلك فإن صلته العميقة بالثقافة الدينية المستنيرة وبقصص كليلة ودمنة أو كامل الكيلاني وبالمتنبّي وبابن رشد وبالكواكبي وبطه حسين وبنجيب محفوظ وبمحمد عابد الجابري وبكثير من مبدعي هذه الأمة، صلته تلك لن تنقطع، ولن يضعفها انفتاحه على ثقافات الآخرين وحتى انغماسه فيها.
إذن فوجود كتب الأطفال وعلى الأخص كتب القصص والتسلية المحرّكة للخيال والانبهار والفرح، المكتوبة بلغة فصيحة مبسّطة بعيدة عن التكلف وإظهار مقدرة المؤلف اللغوية، الآخذة بعين الاعتبار عمر الطفل الذي تتوجّه إليه بحيث لا يجدها سخيفةً بليدةً ولا معقّدةً مملّة، هو مدخل مهم في ملحمة حماية اللغة العربية. من هنا تركّزت جهود مؤسسة الفكر العربي على وضع معايير مبسّطة لتصنيف كتب أدب الأطفال العربي لغة وأفكاراً وإخراجاً، لكي تكون صالحة لمرحلة عمرية محدّدة تمتدُّ من بداية الخمس سنوات وتنتهي بالثامنة عشر. وبمعنى آخر فإن الآباء والأمهات والأطفال العرب سيجدون عند ذاك الكتاب الأدبي الذي يذكر على غلافه أنه صالح لهذه السنّ أو تلك ، تماماً كما يجده الإنسان مكتوباً على أغلفة عدد كبير من كتب الأطفال الأجنبية.
إنها خطوة تنفّذ بالتعاون مع مجموعة من أكبر دور النشر العربية التي وعدت بأن تأخذ بعين الاعتبار تلك المعايير قبل نشر كتب الأطفال الأدبية من قبلها. إنه نجاح صغير في معركة كبيرة تحققه مؤسسة مجتمع مدني. لكن مثل هذا النجاح وغيره من النجاحات التي تحققها مؤسسات مدنية ملتزمة أخرى، وهي كثيرة، يحتاج إلى أن يتراكم فيكبر، وأن يتناغم مع بعضه البعض. وذلك سيحتاج إلى تفاهم وتعاضد وتكامل فيما بين مؤسسات المجتمع المدني العربية المهتمة بهذا الموضوع. وسيكون مؤسفاَ أن تبدأ كل مؤسسة من المربَّع الأول أو تتسم الجهود بالازدواجية المضعفة للكفاءة والإنجاز.
إن حقل حماية وتشجيع استعمال اللغة الأم وإغناء مفرداتها حسب حاجات العصر الذي تعيشه الأمة، واسعٌ وبالغ التركيب، وبالتالي فان تركيز كل مؤسسة مجتمع مدني على جزء من ذلك الحقل، مع تناسق جهودها مع الآخرين، سيؤدّي إلى وجود مشروع شامل، كبير الحجم، ثقيل الوزن، تتعامل معه الجهات المعنية في سلطات الحكم العربية بجديّة وتطبّقه في الواقع من خلال قوانين وأنظمة تحكم نوع ومستوى وامتداد الاستعمال من جهة، وإصلاحات جذرية في أنظمة التعليم والتدريب والمناهج وتعريب التعليم في المستوى الجامعي من جهة أخرى.
لكننا هنا نقف أمام إشكالية الإرادة السياسية لأنظمة الحكم العربية، فإذا كانت الغالبية السّاحقة من أنظمة الحكم العربية قد فشلت إلى حدٍّ مفجع في إحداث تنمية حقيقية مستدامة في حقول السياسة، بما فيها الاستقلال الوطني والالتزام القومي، والاقتصاد والاجتماع والثقافة والعلوم والمعرفة، فهل يعوّل عليها في تبنّي برنامج متكامل لحماية وتنمية اللغة العربية؟ خصوصاً أن أعداداً متزايدة من المسؤولين العرب المعولمين حتى النخاع أصبحوا يؤمنون بأن لغات التخاطب والاستعمال المهيمنة في العصر العولمي هي لغات الآخرين، وبالتالي يجب أن تعطى الأولوية في حياتنا الاقتصادية والثقافية والإعلامية حتى ولو كان ذلك على حساب اللغة الأم، وبالتالي على حساب الهوية. من هنا أهمية جهود المجتمع المدني العربي.
في هذا الوقت الذي تتكالب فيه قوى الامبريالية – الصهيونية وبعض قوى الداخل على تفتيت هذه الأمة، جغرافياً وبشراً واجتماعاً، تصبح قضية اللغة الموحّدة سلاحاً مهماً في ساحة المجزرة التي تعيشها الأمة العربية حالياً. ومع ذلك فيجب أن لا ينبري أحدهم ليشكّك في هذه الجهود ويعتبرها انغلاقاً لغوياً أو حضارياً، إذ أننا أيضاً نؤمن بما قاله الشاعر الألماني غوته بأن «أولئك الذين لا يعرفون شيئاً عن اللغات الأجنبية لا يعرفون شيئاً عن لغتهم»، فتلك اللغات هي روح ثانية للفرد وللأمة.
إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"العدد 3849 - الخميس 21 مارس 2013م الموافق 09 جمادى الأولى 1434هـ
شكرا لك
نشكرك يا دكتور فالتعليم في عصرك كان هو العصر الذهبي وانا من هذا العصر و لا اعتقد ان هناك من يهتم فعلا ويستحق هذا المنصب غيرك افتقدنا و خسرتك هذي الاجيال و الاجيال القادمة
لم تبقى تربية و لا تعليم
إذا كان النعيمي وزيرا للتربية و التعليم فأين المعرفة باللغة و العملية التعليمية. كانت عملية تعليمية في عهدك يا دكتور أم الان فلا تربية و لا تعليم.إ
قريبا .. ستظهر لغة رسمية جديدة بالبحرين لتسهل على الطفل الآسيوي المجنس
أيضا الأطفال الآسيويين المجنسين هنا في البحرين محنتهم كبيرة مع لغتهم الجديدة ,, # ضياع الهوية العربية في البحرين