ماذا لو افترضنا أن الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية جمعاء هم من دول العالم الثالث، وأننا نحن العرب بدولنا الاثنتين والعشرين، مَنْ نمتلك القوة العسكرية والنفوذ السياسي والتقدم العلمي، كوننا أسيادَ العالم الأول. وأننا نمتلك حلفاً عسكرياً بوزن «حلف شمال الأطلسي». أما هم (أميركا والدول الأوروبية) فإن تكتلهم السياسي والعسكري هو بحجم «جامعة الدول العربية» لا أكثر.
ولو افترضنا أننا نمتلك ثلاثة من قرارات حق النقض «الفيتو» في الأمم المتحدة، ونمتلك حصة الأسد في المنظمة الدولية للطاقة الذرية، وحصة مشابهة في مجلس حقوق الإنسان، واليونسكو واليونيسيف وبقية المنظمات الدولية المهمة، ومُهيمنين على البنك الدولي وجهات المانحين، بينما الأوروبيون والأميركيون لا يمتلكون من كل ذلك سوى فتات وحطام من الخردة.
ولو افترضنا أننا نحن العرب من يَمتلك القنابل النووية، ولنا أقمارنا التجسسية والعلمية الموضوعة في المدار تأتينا بصورة أي جسم يتحرَّك في هذا العالم. ولنا أدرعٌ صاروخية موضوعة في إيطاليا وبولندا لحماية الشمال الإفريقي، وآخر في تركيا لحماية منطقة الهلال الخصيب، من أي هجوم باليستي محتمل.
وماذا لو افترضنا أننا نحن العرب، مَنْ يمتلك أجهزة استخبارات ضخمة بحجم إمكانيات الـ CIA الأميركية والـ MI6 البريطانية والـ CSIS الكندية والـ ASIS الأسترالية والـ BND الألمانية والـ DGSE الفرنسية، بينما الأميركيون والأوروبيون ليست لديهم أجهزة استخبارات إلاَّ لمراقبة مُنظِّمي المظاهرات، أو مَنْ يشتمونهم من أبناء شعوبهم.
ولو افترضنا أننا نحن العرب مَنْ يمتلك حصرياً الشركات المتعددة الجنسيات في البترول والتكنولوجيا والسيارات والمؤسسات المالية، وأربعة وسبعين شركة سلاح في أميركا، ونمتلك شركَتَي البوينغ والإيرباص لصناعة الطائرات، ونتحكم في ثمانين بالمئة من اقتصاد العالم، بينما الأميركيون والأوروبيون غارقين في الاقتصاديات الريعية والهِبات والمال السياسي.
ماذا لو كانت لدينا ديمقراطيات منذ القرن السابع عشر، ولدينا مجلس عموم، وجمعية وطنية وكونغرس وبوندستاغ وسفيرايجس، ولدينا صحف عريقة تسقط رؤساء جمهوريات ورؤساء حكومات كـالجارديان والديلي ميل والواشنطن بوست والنيويورك تايمز، في حين بقِيَ الغربيون يتعبَّدون بالإعلام الأصفر، القائم على عبادة الفرد وتقديسه.
نعم... لو أن لدينا كل تلك الإمكانيات، وأصبحنا نتحكم في مصائر البلدان، فنعتبر أن هذه الدولة مارقة، وتلك قاسِطة، وهذه مستجيبة، وأولئك مجرمو حرب يجب أن يُعاقبوا أمام المحاكم الدولية، أو دعاة سلام يجب أن يُكرَّموا بجوائز نوبل، ونأمر فيُجاب لنا، ثم نقرِّر أن نعاقب مَنْ نختارهم من الدول طبقاً لمصالحنا القومية، دون اكتراث لمبادئ حقوق الإنسان ولا الحيوان ولا النبات ولا حتى بطبقة الأوزون.
وعلى إثر ذلك النفوذ وتلك القوة، قرَّرت دولة عربية ما أن تغزو بلداً أوروبياً، لأنه يمتلك سلاح دمار شامل، يُهدِّد به العالم، فسيَّرت جحافلها صوبه، وأقامت غرف العمليات حوله، وغطَّت سماءه بالطائرات الـ إف
16 والـ بي 52، وغَمَرَت بحاره بالمدمرات وحاملات الطائرات وبالقطع العائمة، وبدأت بِدَكِّه دَكاً حتى هَدَّت سقفه على أرضه.
وبعد أن أجهَزَت عليه، وداست أحذية جنودها سهوبه، واعتقلت سياسييه المارقين، وبدأت في تفكيك دولته وحَلّت جيشه، ثم توحَّشت على شعبه، فاعتقلت وقتلت منهم، حتى دخَلَ البلد في اضطرابات داخلية، فهُجِّر أربعة ملايين من ناسه في الداخل والخارج، وقتِلَ مليون ونصف المليون منهم، وترَمَّلت مليونا امرأة، وتيتَّم أربعة ملايين طفل، ونُهِبَت مقدرات البلد وخيراته، وأرغمته على توقيع اتفاق «إطار استراتيجي» معها.
وقبل هذا الاحتلال، كانت اثنتان وعشرون دولة عربية قد شجَّعت، جماعات من إحدى ديانات العرب، على الاستيطان في بَلَدٍ أوروبي، بحجَّة إرجاعهم لأرضهم التي سكنوها منذ آلاف السنين، بعد أن أخرِجُوا منها ادعاءً.
طُرِدَ الشعب الأصلي، وحَلَّ محله المستوطنون الجدد، الذين أخذوا المزارع والمنازل والمرافق العامة، فضلاً عن السلطة.
وقبل هذا الاحتلال (وبعده) أيضاً، لم نكن ننظر إلاَّ لمصالحنا نحن العرب ذوو القوة العظمى، فآثرنا أن نعقد مع جيوب من الحكم الظالم في أوروبا وأميركا علاقات وطيدة، فنَسَجنا علاقاتنا مع أنظمة أوروبية نازية، فاشية، ديكتاتورية تقمع شعوبها وتدوسها بالنعال، وتستقوي في ذلك بنا كحلفاء استراتيجيين، حيث نزوِّدهم بالسلاح والإسناد وندعمهم في المحافل الدولية ضد أي قرار إدانة.
نحن نتساءل الآن بكل هذه التساؤلات والافتراضات، ونحن نتلمَّظ بألم الذكرى العاشرة لبدء الحرب الأميركية البريطانية على العراق، والتي حلَّت علينا قبل يومين. ليسأل الغربيون أنفسهم وليس نحن: لو أنهم كانوا مكاننا (كضحايا)، ونحن كنا مكانهم (كجلادين)، وجَرَى ما جرى منا عليهم من حَيْفٍ وظلمٍ وانتهاك واعتداء، فهل يا ترى لن يقوموا بمقاومتنا للذود عن أرضهم وكرامتهم؟ هل لن تظهر لديهم «ضدنا نحن الغزاة العرب» كتائب ثورة العشرين أو الجيش الإسلامي أو عصائب الحق أو جيش المهدي أو كتائب اليوم الموعود بالنسخة الأوروبية أو الأميركية؟ هل لن تظهر لديهم (ضدنا نحن الغزاة العرب) حركة حماس أو حزب الله أو حركة الجهاد الإسلامي أو الجبهة الشعبية بالنسخة الأميركية الأوروبية؟ هذه تساؤلات حقيقية.
لا يعتقدنَّ الغربيون أن ما يجري في بلداننا من وجهة نظر تجاههم هو أمرٌ غريب! إنه نتيجة طبيعية، لمقدمات ساهموا هم في تشكيلها بطريقة خاطئة.
لماذا لا يكنّ العرب كراهية ضد الكوريين أو اليابانيين؟ لماذا لا يكنّ العرب كراهية ضد الهنود، وهم الذين يدينون بالهندوسية والبوذية؟ بل ولماذا لا يكنون عداوة ضد شعوب أميركا اللاتينية وهم مُعمَّدون بالمسيحية؟ ما يجب أن يحصل اليوم هو تصحيح حضاري واجب. تصحيح في المفاهيم وتوزيع الحقوق بشكل عادل في هذا العالم. لا يمكن بأي حال من الأحوال، بناء علاقات بين الشرق والغرب دون أن تنتهي ملفات كانت المصدر الأساس لقيح الظلم الواقع على هذا الشرق. وإذا لم يقع هذا التصحيح اللازم، فلا شيء يمكنه أن يُصوِّب هذه العقول وهذه الأمزجة.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3848 - الأربعاء 20 مارس 2013م الموافق 08 جمادى الأولى 1434هـ
nice
A useful article and contains new and broad political imagination
أحسنت قولاً
كلام رائع
أحسنت قولاً
كلام رائع
نموذج
الغرب يفهم ذلك ولكنه يتجاهله . وهو عندما جاء المسلمون إلى الأندلس أطلق الحروب الصليبية ضدهم فأسالوا الدماء
مشابهة
ولظهرت حتى القاعدة في الغرب ونمور التاميل كما حدث في سيرلانكا
أحلام اليقطة
عند تكرار الخطأ و إرثه الى الأجيال يغدو صحيحا. نحن و بسبب وقوعنا تحت السيطرة الغربية منذ حوالى ثلاثمائة عام نعتبر كل ما يفعلونه بنا صحيحا و مقبولا. فقد تعودنا عليه. الخطأ ليس تصرفاتهم. كما جاء فى المقال لو كنا مكانهم نحن لفعلنا نفس الشيء. هناك من يبكى على الخلاقة العثمانية و ينسى بأنهم السبب فى تأخرنا و تفرقناو فعلت فينا أكثر من الغرب. الخطأ هو عقلنا الناقص الذى نعتبره أصح من الصحيح و بمرور الزمن نقبل الخطأ و نغنبره الصحيح الصحيح الغير قابل للنقاش.
بناء على فرضك
لذمرناهم تذميرا وذمرنا شعوبنا تذميرا فماذا سيفعل بالعالم حاكم كصدام حسين او معمر القدافي او كمشايخنا هذا خراب العالم مؤكدا
رائع بل أكثر
رائع هذا المقال استاذي الكريم
جميل
مقال جميل وثاقب