مرت المرأة البحرينية في حياتها الاجتماعية والسياسية والتعليمية والثقافية عبر قرن من الزمان بحالات متباينة وظروف صعبة. فقد انحصر دورها في العقود الأولى من القرن العشرين، أي قبل التحولات الاقتصادية والتعليمية والسياسية التي شهدتها البحرين على تدبير شئون المنزل وتربية الأطفال، فبقيت حبيسة المنزل لا تغادره نظراً لانشغالها بتدبير أموره.
كما أن العادات والتقاليد وثقافة المجتمع آنذاك تحتم على المرأة البقاء في منزلها وعدم الخروج منه إلا في حالة الضرورة.
وعلى الرغم من تلك الظروف الصعبة التي عاشتها المرأة البحرينية في أوائل القرن الماضي، إلا أنها زاولت بعض الحرف اليدوية التقليدية من داخل المنزل مستفيدة من وقتها الطويل. وعملت بعض النسوة على مساعدة أزواجهن في المزارع لجني الثمار وجمع الحطب ونقله واستخدامه كوقود للطهي. كما أدى عدم توافر المياه في المنازل إلى خروج المرأة إلى العيون الطبيعية والجداول والغدران لغسل الملابس والأواني، وجلب الماء إلى المنزل، وكان ذلك المتنفس الشرعي الوحيد لخروج المرأة من دارها.
صمدت المرأة البحرينية أمام تحديات كثيرة إبان العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين، وكان أكثر قساوةً على المرأة فترة الغوص التي تستمر من ثلاثة إلى أربعة أشهر من كل عام، حيث يغيب معظم الرجال عن المنزل في تلك الفترة بحثاً عن اللؤلؤ، وتبقى المرأة البحرينية تدير لوحدها شئون المنزل، وتتكفل بتربية الأطفال والمحافظة عليهم طيلة فترة غياب ولي الأمر، وهي مهمة شاقة وبالغة الأهمية.
بقيت المرأة مغيبة عن أنشطة المجتمع، وكان البيت يمثل لها عالم الحياة المتكامل، إلى أن بزغ فجر التعليم بتأسيس أول مدرسة في البلاد العام 1899، وهي المدرسة الإرسالية. ومن المدهش حقاً أن تكون هذه المدرسة مخصصةً للبنات فقط في عامها الأول.
وعندما بدأ التعليم النظامي الحكومي بافتتاح أول مدرسة للبنات العام 1928، أقبلت المرأة البحرينية على الالتحاق بالمدارس الحكومية بشكل غير متوقع، خصوصاً أن المجتمع حينذاك مجتمع أمي، إلا أن المرأة البحرينية أصرت على أن تحصل على نصيبها من التعليم، ما أدى إلى تغيير نمطية حياتها وتفكيرها، وأخذت تحقق مكاسب كثيرة أهمها مزاولة بعض المهن المتوفرة آنذاك، وفي مقدمتها مهنتا التدريس والتمريض. وقد تطور وضع المرأة في عقد الخمسينيات من القرن العشرين، الذي شهد بداية تأسيس الأندية والجمعيات النسائية.
وخلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين نالت المرأة البحرينية المزيد من المكتسبات بفضل انتشار المدارس والمعاهد والجامعات، والجمعيات والهيئات النسائية، وأصبحت المرأة البحرينية تعمل في جميع المجالات التي يعمل فيها الرجل. فقد عملت في وزارات الدولة ومؤسساتها، وفي البنوك والمؤسسات المالية المختلفة. كما عملت في المصانع والفنادق والشرطة.
وأصبحت المرأة البحرينية بفضل طموحها ودراستها العالية وزيرة، وعضوةً بمجلسي الشورى والنواب، وطبيبة ومهندسة وأستاذة جامعية ومحامية وصحافية وسيدة أعمال، ما يعني أن المرأة البحرينية خرجت من منزلها إلى عالم الحياة، ومارست جميع حقوقها كاملةً أسوةً بالرجل.
أما من ناحية العطاء في مجال النتاج الفكري والثقافي، فقد ساهمت المرأة البحرينية بقلمها فأصدرت حتى نهاية العام 2012 زهاء 500 عنوان كتاب، غطّت حقولاً معرفية مختلفة كالأدب، والتاريخ والتراجم، والفنون والفلسفة، والاقتصاد والإدارة وعلم الاجتماع، والتراث والمعارف العامة.
وكان للمرأة البحرينية دورها الفاعل في كتابة البحوث الأكاديمية التي من خلالها نالت درجات الماجستير والدكتوراه من جامعات محلية وعربية وأجنبية، حيث بلغ عدد الرسائل الجامعية التي أعدتها أكثر من 700 رسالة جامعية، غطت هي الأخرى مواضيع مختلفة مثل: التاريخ والأدب، والتربية والعلوم، والدين والفلسفة وغير ذلك من مواضيع معرفية مختلفة.
وساهمت المرأة في الكتابة في الصحافة المحلية والعربية، وبدأت مسيرتها في أربعينيات القرن العشرين، وتطورت تلك المسيرة قليلاً في خمسينيات القرن الماضي. ومنذ بداية الستينيات ازدهر قلمها في الصحافة ولاقى انتشاراً في عقد السبعينيات، حيث كتبت مقالات ونشرت بعض أعمالها الأدبية وخصوصاً الشعر والقصة في الكثير من الصحف المحلية والعربية.
لقد ساهمت المرأة البحرينية بعطاء حافل في مجالات الحياة المختلفة، وتميز بعضهن بدور ريادي استحق أن يسجله التاريخ بين صفحاته. ويوثق تاريخ البحرين الحديث أن حرم الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين آنذاك صاحبة الفضل في تأسيس أول مدرسة للبنات في البحرين العام 1928. فقد انطلقت فكرة تأسيس مدارس للبنات من السيدة مارجوري زوجة مستشار حكومة البحرين حينذاك السيد بلجريف وحرم صاحب العظمة الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة حيث تمكنت من مفاتحة زوجها حاكم البلاد وإقناعه، فأعرب لها في الحال عن استحسانه للفكرة وموافقته عليها.
وفي بادرةٍ هي الأولى في تطوير تعليم المرأة، فقد تم إبتعاث ثلاث بنات لأول مرة خارج البحرين لإتمام تعليمهن العالي في كلية بيروت للبنات العام 1956 وهن: صفية دويغر، ومنيرة فخرو، ومي إبراهيم العريض.
ومن بين الرائدات البحرينيات اللواتي حفرن أسماءهن في ذاكرة التاريخ كل من الشيخة نيلة بنت خالد آل خليفة صاحبة فكرة تأسيس أول ناد لفتيات البحرين عام 1953، والسيدة عايشة يتيم أول رئيسة جمعية تم إشهارها في البحرين باسم جمعية نهضة فتاة البحرين العام 1955، والدكتورة غالية دويغر أول طبيبة بحرينية تخرجت العام 1970، والدكتورة ثريا إبراهيم العريض أول من حصلت على درجة الدكتوراه العام 1975، والدكتورة أمل إبراهيم الزياني أول مؤلفة بحرينية صدر لها كتاب مطبوع العام 1973، والشيخة طفلة الخليفة أول صحافية كاتبة عمود والتي بدأت كتاب عمودها في صحيفة «أخبار الخليج» العام 1976.
إقرأ أيضا لـ "منصور محمد سرحان"العدد 3847 - الثلثاء 19 مارس 2013م الموافق 07 جمادى الأولى 1434هـ