تحتفل الجمهورية التونسية الشقيقة اليوم الأربعاء (20 مارس/ آذار 2013)، بذكرى عيد الاستقلال الـ 57، وبمرور عامين على انتصار الثورة التي أطاحت بالحكم الدكتاتوري السابق، في أولى ثورات الربيع العربي. وفي هذه المناسبة التقت «الوسط» السفير التونسي زين العابدين التراس، للحديث عن أهم قضايا الساعة التونسية والعربية.
تنظر الشعوب العربية إلى تونس باعتبارها المركز الذي انطلقت منه شرارة الربيع العربي، ألا يمثل ذلك تحدياً كبيراً لتونس لتقدّم نموذجاً مخالفاً للسائد في المنطقة؟
- انطلقت هذه الثورة بعد أكثر من عقدين من الاستبداد والقهر والظلم والجبروت، ولما وقعت لم يعتمد فيها الشعب على أي طرف خارجي ولم تكن هناك زعامات داخلية تقود الثورة. وكان من المعقول أن تكون لها انعكاسات في الخارج وأن تحدث بعض ردود الفعل في الداخل، وبلغت بعض الأحداث خطوطاً حمراء، وأكبرها اغتيال الشهيد شكري بلعيد، الذي شكل زلزالاً سياسياً، استفاق على إثره التونسيون بمختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية، وأدركوا أن الوضع العام بالبلاد لن يتحسن أو يتطور إلا بتضافر كل الجهود، وهو ما نحن بصدده الآن في تونس.
أحزاب الأغلبية الآن تشارك في الحكم، والحكومة تم تشكيلها من الكفاءات الوطنية، ونحن نتوقع أن تشهد الأسابيع والأشهر المقبلة انفراجاً، ونحن متفائلون بشأن المستقبل القريب والبعيد إن شاء الله.
لم تصمد الصيغة التونسية السابقة (الائتلاف الثلاثي) لأكثر من عام، فهل ستصمد التشكيلة الحكومية الجديدة؟
- الصيغة الثلاثية اعتمدت على نتيجة الانتخابات وكانت إفرازاً لصناديق الاقتراع. وكانت تلك الصيغة تجربة خاضتها الأطراف السياسية من خلال هذه الحكومة، واكتشفت أن من الضروري أن تتوسع لتشمل كل الأطراف السياسية، وعلى هذا الأساس تم الاتفاق على أن تكون حكومة مكوّنة من كفاءات، لكل منها رصيد كلٌّ في مجال عمله واختصاصه. والحق لست موافقاً على القول إن الحكومة لم تصمد، بل صمدت وواكبت الضروريات التي دعت إليها الحاجة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الفترة الماضية.
كيف ستواجه تونس التحديات الجديدة وفي مقدمتها الانفلات الأمني والاغتيالات والتشدد الديني؟
- كما صرح سيادة رئيس الحكومة علي العريض بعد مباشرة مهماته، بأن القانون سيطبق على الجميع من دون استثناء ومن دون مراعاة للانتماء السياسي أو المذهبي أو العقائدي، كلما كان هناك عنف أو اعتداء على القانون. وسيادة رئيس الحكومة وعد بتنفيذ القانون على من يمارس العنف مهما كان مأتاه، وهو إنسان صدوق معروف بجديته وتنفيذ ما يعد به.
ثم إن الظاهرة السلفية في تونس ليست من الظاهرة السلفية الإجرامية، وإنما هي حركة سياسية، لا تبني عملها على العنف والدم، ويجري تأطيرها وإعدادها لتواكب المسار الوطني العام، فلا تنعزل سياسياً ولا تنفرد بأخذ قراراتها. وطبعاً هناك البعض من السلفيين من يغالي في الدين، ولابد من تأطيرهم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
قبل أيام وجّه تنظيم القاعدة في المغرب العربي نصيحته إلى الجهاديين التونسيين لتغيير وجهة عملهم من سورية إلى الجزائر، ألا يشكل ذلك ضغطاً إضافياً على تونس؟
- في حقيقة الأمر، ليس لي علم بهذا الشأن ومهما يكن، فالواجب الإشارة إلى أنّ هذه شبكات أخذت بتجنيد بعض الشباب التونسيين والتغرير بهم، فمن أراد أن يجاهد فليذهب إلى إسرائيل. ومن محاور عمل الأمن والحكومة الآن تفكيك هذه الشبكات، وهم في أغلب الأحيان شباب صغار سن وليست لهم تجربة.
ألن يؤثر ذلك على العلاقات مع الجزائر؟
- لا، لأن العلاقات مع الجزائر طيبة وممتازة جداً. ونحن نفخر بأن ليس لدينا مشاكل مع أية دولة عربية، حتى من نفذوا الهجوم على مجمع امناس لم يدخلوا الجزائر من تونس، والتعاون الأمني ممتاز مع الجزائر في كل المجالات.
إلى أي مدى يمكن أن تحقق ثورات الربيع العربي الاستقلال الثاني للشعوب العربية؟
- أنا أتحدث عن تونس وقد عشنا تجربة الاستقلال التي لها روادها ومناضلوها، والآن نحن نتكلم عن الربيع العربي ولم نسعَ إلى تصدير الثورة، وهي ثورة تونسية لها أسبابها الداخلية. ونحن لا نعتبر ذلك استقلالاً ثانياً لأننا كنا دولة مستقلة، نتحكم في أراضينا وترابنا وأجوائنا. لكننا نعتبر الثورة التونسية دخولاً من الباب الأكبر للديمقراطية ونبذ الظلم والاستغلال ومحاربة الفساد. تصور أن حجم السرقات والأموال المهرّبة يقدّر بآلاف المليارات.
وماذا عن توصيف هذه الانتقالة بالجمهورية الثانية؟
- يمكن أن تكون الجمهورية الثانية، ولكن يقودها ناس شرفاء. الوزير الأول (العريض) حُكم عليه بالإعدام العام 1987، وقد ألبِس ثياب الإعدام، ورئيس الوزراء السابق الجبالي حكم عليه 16 سنة، قضى سنوات منها في السجن الانفرادي. هؤلاء ذاقوا مرارة الظلم والاستبداد، لذلك عندما يعدون الشعب بالديمقراطية والشفافية والعمل على تحقيق كل أسباب الخير والرفاه فالشعب يصدقهم، لأنهم يبنون على تجربة مريرة من دون محاباة. انظر، ليست لدينا صورٌ نعلقها على جدران السفارة. لقد تغيّرت الأمور، وسقط جدار الخوف، ولا يمكن لأحد أن يدّعي الآن عدم وجود حرية تعبير أو حرية صحافة أو تلفزيون، ففي التلفزة يتم انتقاد رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
للثورة إنجازات ولها نواقص، ونتمنى بفضل جهودنا الوطنية ودعم التعاون مع الأشقاء أن نحقق المزيد.
ماذا عن التهم الموجهة إلى تونس بوجود حزب واحد (إسلامي) يريد الهيمنة على المشهد السياسي والإداري؟
- هذه ادعاءات باطلة. أغلب أفراد الحكومة من كل التيارات، وتكاد النهضة تكون أقليةً فيها. السفراء، المحافظون، ليسوا من النهضة. هناك 500 ألف موظف عمومي هل ممكن تغييرهم هكذا؟ هذه معلومات غير واقعية. والنهضة قدّمت مثالاً حياً، فقد تنازلت عن الوزارات السيادية وكان بالإمكان ألا تتنازل عنها لأنها تمثل أغلبية انتخابية.
لكن النهضة تنازلت تحت ضغط حركة الشارع والأحزاب الأخرى...
- أنا لا أدافع عن أيّ من الأحزاب ولكن النهضة آثرت ما فيه خير البلاد والعباد وكل الذين يسيرون شئون البلاد اليوم هم من الكفاءات سواء كانت لهم انتماءات حزبية أو كانوا من المستقلين.
ماذا عن ملف محاكمة مسئولي النظام السابق، وعلى رأسهم بن علي في ظل تشابك هذا الملف مع أطراف خارجية؟
- أجهزة الدولة المختصة من رجال القانون والقضاء وغيرهم يباشرون كل الملفات التي تهمّ رموز النظام السابق والرئيس المخلوع وليس في نية حكومتنا التنازل عن استرداد حقوقنا وأموالنا المنهوبة ومحاكمة كل من يثبت القضاء تورطه فيها سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة.
لماذا تمتنع الحكومة التونسية حتى الآن عن كشف ملابسات اغتيال الزعيم المعارض شكري بلعيد، ولماذا تتملص النهضة من تبعاتها السياسية؟
- الأجهزة الأمنية تعمل على قدمٍ وساق على كشف من اغتال شكري بلعيد، وهناك ندوات صحافية بشكل دوري يُبلّغ فيها الشعب بالمرحلة التي وصلت إليها التحقيقات. وهناك أشخاص أوقفوا نشر ذلك في الصحافة والتلفزة التونسية، لكن هناك عناصر لا يمكن كشفها لأسباب أمنية.
الدولة جنّدت طاقاتها للكشف عن المتورطين، ويجري تمشيط مناطق عديدة، وتسعى للقبض على من باشر عملية الاغتيال، وليس هناك ما يثبت تورط النهضة، والشيخ راشد الغنوشي قال إن النهضة ستلجأ للقضاء بشأن من يتهمها بذلك. وليس من المعقول أن تعمل الحركة في الخفاء لمدة ثلاثين عاماً من دون أن تقتل شخصاً واحداً، ثم تلجأ إلى الاغتيال عندما وصلت إلى الحكم. هل هذا منطقي؟
النهضة حركة سياسية معتدلة، ويجب ألا يؤخذ، بما يصرح به السلفيون بحقها، فالنهضة تقر بمدنية الدولة وتتعهد بحماية الأقليات، وهي عنوان الاعتدال في تونس.
بعد عامين من الثورة لم يتغير شيء، فمازال هناك شباب تونسيون يلجأون إلى طريقة البوعزيزي حرقاً للنفس، للاحتجاج على تردّي الواقع الاقتصادي.
- أولاً: إن 80 في المئة من علاقتنا مرتبطة بأوروبا، وهي بدورها تعاني من أزمة اقتصادية حادة لها انعكاساتها السيئة على الوضع الاقتصادي في تونس.
ثانياً: الثورة أعقبها انفلاتٌ على عدد من المستويات، فعلى أيام بن علي لم يكن أحد يجرؤ على المطالبة بحقه، الآن الكل يطالب بحقه ويعتبره أولوية، فكثرت الاعتصامات والاحتجاجات والمطالبات. مع ذلك تمكنا خلال العام الماضي من تشغيل 100 ألف تونسي. كما أن نسبة النمو بلغت 3.6 في المئة، ومع تشكيل الحكومة الجديدة واستتباب الأمن سيتحسن الوضع أكثر ونحن ماضون في خوض المعركة التنموية وسنسخّر لها ما لنا من مال وجهد وسوف نكسبها إن شاء الله.
هناك عمليات تهريب تشمل كل شيء، اسلحة، غذاء، مواد بناء، وغيرها من المواد المدعومة لبعض الدول، ويجري تفكيك شبكات التهريب وملاحقتها بشكل يومي. علماً بأن حجم الدعم السنوي هو 4.5 مليارات دينار، من مجموع موازنة قدرها 25 مليار دينار تقريباً.
العام الماضي استقبلنا 6 ملايين سائح، وهو ليس بعيداً عن رقم السياحة سابقاً. نحن لا ننظر إلى السماء السابعة، بل نكتفي بالنظر إلى النجوم. مررنا بصعوبات، ونتعلم ونمارس الديمقراطية. الثورة الفرنسية احتاجت إلى قرن كامل حتى تستقر، فهل يُتوقع منا أن ننجز في عامين ما أنجزه الفرنسيون في قرن؟ حتى في البرتغال وبولندا احتاجت الثورات لسنوات عديدة للاستقرار.
كيف تقيّم العلاقات البحرينية التونسية، فقد كان هناك بعض اللغط بعد وصول الرئيس الجديد المنصف المرزوقي إلى الرئاسة على خلفية مواقفه الحقوقية من الحراك السياسي في البحرين.
- لا أقول إنّ العلاقات طيبة فحسب بل ممتازة. وفي أوج الثورة اتخذت البحرين موقفاً مسانداً للشعب التونسي في مطالبته بالحرية والديمقراطية. كذلك نحن ساندنا مملكة البحرين واستنكرنا كل من يشكك في عروبتها ورفضنا أي تدخل في شئونها الداخلية.
أما بشأن سيادة الرئيس، فتصريحه السابق صدر عن مناضل حقوقي ولم يكن رئيساً يومها. وسيادة رئيس الجمهورية يتراسل مع جلالة الملك، ومنذ أسبوعين وسم السفير البحريني بالوسام الأكبر، وهي رسالة سياسية موجهة للسلطة مباشرة، ولم يكن هناك برود ولا فتور في العلاقات، وكانت هناك عدة زيارات متبادلة بين البلدين.
يعيش في البحرين ما يقارب 1500 تونسي منهم أطباء، مدرسون وأساتذة جامعيون يساهمون كلاً في تخصصه في تكوين الأشقاء، وهو شرف لنا نحن التونسيين. ولدينا اتفاقيات سارية المفعول، وهناك 10 اتفاقيات اقتصادية ومالية وتجارية، الجانبان بصدد دراستها للتوقيع عليها مستقبلاً عند اجتماع الدورة السادسة للجنة التونسية البحرينية. وساهمت البحرين في مشروع مرفأ رواد المالي الذي تبلغ كلفته 3 مليارات دولار، والذي سيوفر 16 ألف فرصة عمل للتونسيين.
هل من مشاريع مستقبلية لزيادة التواصل الثقافي بين الشعبين في مثل هذه المناسبات؟
- هناك معرض تونسي في الطريق، وهناك محاضرون تونسيون وسهرات موسيقية تشارك فيها أول فرقة نسائية للعازفات. وسننظم معرضاً كبيراً في مايو/ أيار المقبل «صنع في تونس».
العدد 3847 - الثلثاء 19 مارس 2013م الموافق 07 جمادى الأولى 1434هـ
حوار فيه من الصراحة ما فيه من الأخوة
شكرا سعادة السفير على هذا الحوار الشيق