شهد المغرب، مثله مثل دول أخرى من الشرق الأوسط، حراكاً شعبياً لم يصل إلى حد الثورة، لكنه طالب بالإصلاح الحكومي، ما أدى إلى تغييرات عديدة منها الاستفتاء على دستور جديد يحدّ من صلاحيات العاهل المغربي وانتخابات أدت في نهاية الأمر إلى فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي.
بينما تخوّف العديد من الناس من أن حزباً سياسياً إسلامياً لن يحترم معتقدات المواطنين غير المسلمين، يبيّن المغرب التزامه بتشجيع العيش المشترك بين الشعب المغربي من جميع الخلفيات الدينية تحت راية حزب العدالة والتنمية.
يُعدّ المغرب من بين أكثر دول المنطقة استقراراً وتعايشاً بين مختلف الديانات والثقافات المكوّنة للنسيج الاجتماعي المغربي. فقد عاشت مدينة فاس العريقة والمصنفة من طرف منظمة «اليونسكو» ضمن التراث العالمي الإنساني، حدثاً مهماً في 13 فبراير/ شباط، وهو افتتاح الكنيس اليهودي «صلاة الفاسيين» بعد ترميمه. وقد ترأس الحفل رئيس الوزراء وقائد حزب العدالة والتنمية عبدالإله ابن كيران، والذي قال «ان الحدث يكرس هوية المغرب كأرض للسلام والتسامح والتعايش السلمي بين مختلف معتنقي الديانات السماوية ودرساً للقرن الـ21 يوجهه المغرب لبقية العالم».
كنيس «صلاة الفاسيين» يصنّف من بين أقدم المعابد اليهودية بفاس، إذ يعود تاريخ بنائه إلى القرن الـ17 والمتواجد بالمدينة العتيقة بحي الملاح، ويُعتبر من المعالم التاريخية للثقافة اليهودية المغربية. وكان الكنيس قد لعب دوراً مهماً في الحياة الدينية والروحية للطائفة اليهودية التي كان يقدّر عددها بـ30 ألف نسمة، وهم الآن ما بين ثلاثة آلاف وسبعة آلاف نسمة.
وفيما غادر أكثرية اليهود المغرب عندما تأسست دولة إسرائيل، فقد وجه العاهل المغربي رسالة في حفل افتتاح الكنيس لمن تبقى من الحاخامات وممثلي الطائفة اليهودية المغربية، دعا فيها إلى ترميم جميع المعابد اليهودية في مختلف المدن المغربية، لتصبح ليس فقط مكاناً للعبادة، وإنّما أيضاً فضاءً للحوار الثقافي.
وفي هذا الإطار، يشهد المغرب نشاطات أخرى يشجّعها الملك وحزب العدالة والتنمية، وأحدث الأمثلة على هذا كان حدث تحت عنوان «تعايش وحوار الأديان بالمغرب» تم فيه اجتماع ثلاثة رجال دين يمثلون الديانات السماوية الثلاث، وهم رئيس الكنيسة الكاثوليكية بالمغرب، ورئيس الطائفة اليهودية بالمغرب، ورئيس المجلس العلمي المحلي لأنفا، وهي قضاء من الدار البيضاء، وذلك في 31 يناير/ كانون الثاني بفضاء «صقالة» التاريخي بمدينة الدار البيضاء.
اجتمع هؤلاء القادة على طاولة واحدة وتحدّثوا عن واقع تعايش الأديان، وأجابوا عن الأسئلة بشأن هذا الموضوع. وقد شاركتهم في هذا الحوار مجموعة شباب مغربي من مختلف المعتقدات الدينية، وقد طرحوا العديد من الأسئلة عن الديانات الإبراهيمية الثلاث، والتي تمت الإجابة عليها في جو حضاري دون تعصب ولا مشاحنات.
سأل العديد من الناس عن حرية الدين في المغرب، فبينما يعتبر مخالفاً للقانون أن يرتدّ المسلمون عن الإسلام، فإن القادة الثلاثة أكدوا أهمية تقبل جميع الأديان والسماح لأتباعها بممارسة تقاليدهم الخاصة. وشرح القائد المسلم أن «لا إكراه في الدين» (القرآن الكريم 256:2) وأنه يتوجب ممارسة هذا في الحياة اليومية عن طريق تقبّل التنوّع واعتناقه.
يعتبر الشباب أهم عنصر بالمجتمع، ويشكّل تعويدهم على الحوار والتعايش وتقبّل الآخر بكل اختلافاته الدينية والأيديولوجية والثقافية خطوة مهمة لأي مجتمع يسعى إلى التغيير الإيجابي. فمن خلال نشاطات كهذه، يقوم المغرب بتهيئة جيل جديد يتمتع بمقدرة أكثر على العيش المشترك مع الآخر.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ