هناك من ينظرون إلى الأزمات باعتبارها محض مشكلة، ولا يرون منها إلا الجزء المليء بالتعب والأسى، وهم فئة المتشائمين الذين لم يعتادوا النظر إلى الجزء المليء من الكأس أبداً. هؤلاء هم الذين لا ينظرون إلا الى ما دون أقدامهم كما في قصة الأصدقاء الثلاثة الذين كانوا يلعبون على حافة السكة الحديد لعبة من يصل أولاً دون أن يقع، كانوا ثلاثة أولاد اثنان منهم نحيفان بينما كان ثالثهم بديناً، ودائماً ما كان ذلك البدين هو الفائز الذي لا يقع! وعندما سألاه عن سبب فوزه الدائم أجاب: «لأنكما نحيفان، كان بإمكانكما النظر إلى أسفل قدميكما، وبالتالي فإنكما لن تريا إلا الصدأ والأعشاب الضارة، فيما كنت أنا لا أستطيع رؤية قدمي بسبب سمنة بطني فكنت أضع لي هدفاً أمام السكة الحديد لأصل إليه، وهي النقطة الأبعد التي يستطيع نظري الوصول إليها، من غير أن أضطر إلى النظر للنقطة القريبة مني، وهو ما جعلني أفكر دائماً في الوصول إلى أبعد نقطة من السكة».
في كلامه لنا خلال زيارتنا له مع الوفد الإعلامي بعد الإفراج عنه، قال الطبيب غسان ضيف بكثير من الأمل والصمود: «للأزمة التي مررنا بها فوائد كثيرة، أهمها أننا تخطينا حاجز الخوف والجهل، وبتنا أكثر إصراراً على أن نخلق لأبنائنا بيئةً أفضل بكثير من البيئة التي عشنا بها، وكلما زادت مدة النضال من أجل تحقيق هذا الهدف جاءت النتيجة أكثر نضجاً واكتمالاً».
حديث الطبيب ضيف كان ذاته ما أردت كتابته تحت هذا العنوان قبل زيارته، وحين سمعته منه وجدت العنوان أكثر إقناعاً، فأن تسمع من طبيبٍ ظُلِم كثيراً وللتو يعانق الحرية التي لم تبرحه وهو الحر الذي لم يبع ضميره لمصلحة شخصية، أن تسمع من طبيب قضى مدة الحكم عليه كاملةً في السجن وهو يثق ببراءته، هذا الكلام الذي يشع أملاً، تشعر بأنك حين تيأس مجرد ضعيفٍ يجب ألا يواصل التفكير بهذه الطريقة وألا يبوح بمشاعره هذه لأحد.
الأزمة التي مررنا بها ومازلنا، خلقت الكثير من الإيجابيات على رغم صعوبتها وقسوتها وتبعاتها التي مازلنا نعاني منها من فصل وتهميش وإقصاء، وسجن وقتل وغربة اختيارية وقسرية، وأول هذه الإيجابيات التلاحم والترابط الذي ازداد بشكل ملحوظ بين أبناء الشعب ممن آمنوا بهذه القضية الانسانية وبشرعية الحركة الشعبية، وهو ما أنتج زوال الخلافات التي استمرت لسنوات طوال بين بعض القرى المتجاورة وتلك التي استمرت بين بعض الجمعيات السياسية أو الاتجاهات الأيديولوجية والدينية، والخلافات بين المواطنين أنفسهم على المستوى الشخصي أيضاً.
الأزمة الحالية خلقت لدى الشعب روحاً تطوعية، وأنتجت طاقات خلاقة في شتى المجالات، وصقلت حقوقيين ونشطاء سياسيين على قدرٍ جيدٍ من الثقافة والتميز، وخلقت جيلاً لا يخشى الدفاع عن حقوقه أبداً. كما أنها كشفت الكثير من النقص والسلبيات التي تعاني منها الدوائر الحكومية وأزاحت الأقنعة عن الكثيرين، ما أدى إلى سهولة فرز الصديق من العدو، والصادق من الكاذب.
لا نتمنى أن تبقى الحال على ما هي عليه لفترة طويلة، ونتمنى أن يتعجل الحل وتنتهي هذه الأزمة لنحيا بسلم وأمان وكرامة، ولكن مازلنا نرى في الكأس جزءها المليء حتى وإن كان قطرة منسية في القاع.
إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"العدد 3845 - الأحد 17 مارس 2013م الموافق 05 جمادى الأولى 1434هـ
شكرا
الأزمة بمحنة الفقد والتعذيب والسجن والشماتة والايقاف عن العمل وقتل أقارب وأصدقاء ووجوة مألوفة كأن أرادها أسرتك جعلت نفسي في مصهر قاس نجخت في أن أتخر منه إنسانا عابراللقواقع المذهبية والمصلحية والعائلة ليصبح الإنسان نفسه قريتنا وعائلتنا.. شكرا لك
لا تكرهوا الفتن
كلمات للإمام علي عليه السلام "لا تكرهوا الفتن فأن فيها هلاك الظالمين " و الظالمين هنا ليس الحكم فقط بل كل داعم للدكتاتورية و في الفتن تقع الأقنعة المزيفة التي طالما أغتررنا بها و أنكشف المتمصلحون و الطفيليون الذين يعشون على دماء البشر و مأساتهم
وهناك شعر للإمام علي عليه السلام يبعث على الأمل
ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها*** فرجت وكنت أضنها لا تفرج
و النصر قريب بأذن الله
ويسلم القلم الحر الذي ينصر المظلومين
تحياتي للاخت سوسن
طبعا مقال جميل وللتاكيد على كلامك ان نيلسون مانديلا قضى اربعين سنه من عمره يقارع نظام الفصل العنصري وكان الفصل العنصري شهارا ظاهرا ولكن الفصل العنصري لدينا نوعا ما مستتر بس الكل يعرف ان نظام الفصل العنصري موجود ومن اعلى المستويات حتى لو تحدثنا معهم فيه يقول لك وبكل وقاحه نحن نرفض المحاصصه مثل العراق ولبنان يعني لا حيا ولا خجل
شكرًا .. سوسن
بصراحة ارتفعت معنوياتي ... مقال يحطم اليأس ويبعث شمس الأمل لكي نواصل بلا كلل ..وللرمق الأخير
سوسنة امل
نحن في حاجة لهذه المقالات التي تبعث الامل في صفوفنا مقالاتك دائما تشعرنا بالنجاح والامل والتفائل
رائع
مقال جميل اخت سوسن
شكرا لكم جميعا
اشكرك على هالموضوع الذي هو فعلا واقعنا الذي نعيشه ، وتحية طيبة للدكتور وماجووور و مثاب على ما قدمه من خدمات للجميع وعلى صبره (( النبي يوسف أدخل السجن )) ــ الله كم من الامور الخفية قد ظهرت للجميع ،، وكم من مساوىء ومشاكل وخلافات ذابت كذوبان الملح في الماء .