العدد 1561 - الخميس 14 ديسمبر 2006م الموافق 23 ذي القعدة 1427هـ

دور المساجد في أميركا... نحو مواطنة حقيقية

الشيخ حميد المبارك hameed.almubarak [at] alwasatnews.com

في اليوم الرابع من وصولنا الى واشنطن كانت لنا زيارة الى مسجد سيدا رابيدس، وهي منطقة جميلة وشبه ريفية في ولاية آيوا (Iowa) التي تقع في الغرب الأوسط وفيها أقدم مسجد في أميركا وقد بناه بعض المهاجرين الأتراك في مطلع القرن العشرين.

وحضرنا صلاة الجمعة التي أقيمت في المسجد المذكور إذ ركز الإمام في خطبته ضرورة الاهتمام بروح الدين وجوهره والذي هو مراعاة الخلق الكريم مع الخصم كما الصديق، ثم شرح حقوق الجار، وأضاف أننا ندعو الى أن ينظر المسلمون هنا الى سائر الأميركيين على إنهم جيراننا وليتذكروا كم أوصى النبي بالجار. وفي اعتقادي أن هذا الكلام جميل ولكنه قاصر جداً وذلك لأن افتراض أن علاقة المسلمين الموجودين في أميركا مع سائر الأميركيين من قبيل علاقة الجيرة فحسب لا ينسجم مع ضرورة اعتبار المسلمين الأميركيين جزءاً من الوطن الأميركي إذ إن هذا هو الطريق الوحيد للوصول الى حل المشكلات الناتجة عن الازدواجية في الولاء لدى المسلمين المغتربين ولابد من التأكيد ان هذه ليست دعوة الى نبذ الخصوصية الدينية بل هي دعوة الى محاولة فهم الدين بالطريقة التي لا تخلق تعارضاً مع الولاء للمواطنة ومصالح الوطن ولا ترتبط بولاءات خارجية، فإننا لا نتعقل صحة الفهم الديني الذي ينتج تضارباً داخل المجتمعات وتعطيلاً لمصالحها وقد لمسنا بوضوح هذا الهاجس لدى قادة المسلمين الذين التقينا بهم هناك. وبعد صلاة الجمعة دعينا الى طعام الغداء مع مجموعة من النخب الناشطة في المسجد وقد دارت أحاديث متفرقة عن شتى الموضوعات الا ان الذي لفت نظري هو ما نقله أحد الحاضرين إذ قال: في الصباح الباكر لأول جمعة بعد حوادث سبتمبر/ أيلول رأينا أفرادا من الجيران المسيحيين من أهالي المنطقة يتجمعون أمام المسجد فأخافنا ذلك كثيرا إذ إننا سمعنا عن حوادث اعتداءات حصلت ضد المسلمين في مناطق أخرى من أميركا ولكن فوجئنا بهم يقولون لنا: جئنا لنحميكم من أي اعتداء قد تتعرضون له! فهذه الحادثة دليل على أن أمام الشعوب فرصا كبيرة للتلاقي والتفاهم والتراحم لو أن القوى الدينية والسياسية المتسلطة رفعت أيديها عن مقدرات الشعوب وتخلت عن محاولات استغلال الأوضاع لمصالحها، ولا يعني هذا ان جميع فئات الشعوب على نمط إيجابي واحد فحتى الشعب الأميركي تتنازعه تيارات متعددة ولكنه يتعايش مع تعدديته ويعتبرها شيئا بديهيا ولكن البعض من الفوقيين - الذين يصرون دائما على وصم المجتمعات الغربية بالسلبية بكل ما أوتوا من حيلة في كل مناسبة تسنح لهم - لا يستطيعون هضم هذه التعددية، فقد اعتبروها تناقضات وتعارضات داخل المجتمع الأميركي وصيروها علامة سلبية، ومنشأ ذلك في الواقع غلبة الثقافة التماثلية التي تضيق ذرعا بكل اختلاف فتصفه بشق الصفوف والخروج عن المألوف كما كانت تصمه في الماضي بشق عصا الطاعة والخروج عن الجماعة، والأنكى من ذلك ربط تلك الثقافة الاستبدادية بثوابت الدين ودعائمه، فصار كل من يدعو الى غير ذلك كمن يصارع المقدس الهائل وأصبحنا نحسب أية محاولة للحركة والتغيير مظنة للمخاطر العظيمة في الدنيا والآخرة وأن النجاة والسلامة في السكون والثبات، وقد صدقنا أن الاستصحاب (إبقاء ما كان على ما كان) هو الأصل الأصيل في كل شئون الحياة ولكنها غفلة عن إنه لو كانت السلامة في السكون والثبات فحسب لما ذم الله الذين أصروا على نهج آبائهم إذ قال في كتابه الكريم: «وإذا قيل لهم تعالوا الى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون» (المائدة: 104)، وعندما حاول بعض المسلمين بمنطقة «فورهيز» (Voorhees) في ولاية نيوجيرسي بناء مسجد لهم انتشرت الملصقات التي تحذر من خطورة ذلك على أساس إنه إذا ما تم بناء المسجد فقد يجتذب الإرهابيين إليه! ولكن في مقابل هذا السلوك حصلت تحركات إيجابية من طرف فئات أخرى إذ شاركت جماعات مسيحية وحتى يهودية في نقد تلك التصرفات وإدانتها مؤكدةً حرية الأهالي المسلمين في بناء ما يحتاجونه من مساجد، كما اعتبر القائمون على الكنائس والمعابد أن هذه التصرفات لا تعبر عن الغالبية من الأهالي الذين يرون في الإسلام دينا مسالما كغيره من الأديان الأخرى، ومن ذلك مثلا أن القسيسة ميليني سوليفان (Sullivan Melanie) من كنيسة جامعة الدراسات اللاهوتية بمدينة «تشيري هيل» قامت بتنظيم حملة تمثل مختلف الديانات لدعم طلب الأهالي المسلمين ببناء المسجد، وتعكس هذه الحال وغيرها وجهي أميركا فيما يخص التعامل مع الجالية المسلمة، أحدهما سلبي تمثله أقلية نشطة تتخذ من مهاجمة المسلمين ودينهم وأماكن عباداتهم هدفا لها، والثاني إيجابي تمثله الغالبية من المواطنين الأميركيين الذين لا يرون الإسلام والمسلمين مصدرا للخوف والهلع وينظرون الى الإرهابيين من المسلمين على إنهم شرذمة لهم نظائر في الفرق الشاذة في الديانات الأخرى، مع إن القلق الذي يبديه بعض الأميركيين تجاه انتشار المساجد في أميركا ينطلق من عدم انحصار دور المسجد بإقامة الصلوات كما هو الحال عليه في الكنيسة، بل يتعداه الى مركزية تنطلق منها مواقف سياسية واجتماعية، فقد قال مدير الشئون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (Cair) علاء بيومي: تتميز المساجد في أميركا بكونها مصادر طبيعية لتوعية المسلمين بقضاياهم وتتميز بترابط المترددين عليها واستعدادهم للتفاعل معها وهذا الدور فرضته ظروف المسلمين هنا كمجتمع مهاجر أعاد اكتشاف نفسه وهويته في المحيط الأميركي الذي يتميز بقدر كبير من الحرية التي ساعدت المساجد في العودة الى دورها التاريخي بشكل تلقائي وطبيعي وسلس مع العلم بأن عدد المساجد في أميركا يربو على ألف وثلاثمئة مسجد بحسب دراسة قامت بنشرها (Cair) وهي جزء من مشروع عن الأديان في أميركا يسمى «المجتمعات الدينية اليوم» تنسقه جامعة هارتفورد لدراسة الأديان، وقد قدم الاحصاء بعض المعلومات المفيدة منها إن المناطق المحيطة بالمساجد في أميركا تعد مناطق اجتذاب سكاني للمسلمين إذ يفضلون السكن قريباً من المسجد ليكوّنوا معاً تجمعاً سكنياً مسلماً متميزاً عن النسيج الأميركي العام، وهذه إحدى جهات القلق لدى المهتمين الأميركيين. الا إن وجود المساجد في مناطق معينة ساهم كذلك في تعمير تلك المناطق وجعلها أماكن جذب اقتصادي وسياحي، وقد تم بناء معظم هذه المساجد في الولايات المتحدة خلال العشرين عاماً الأخيرة، وقدمت الدراسة بعض الأرقام ذات الدلالة منها:

1) من مجموع 7 ملايين مسلم موجودون في أميركا يحضر المساجد مليونا شخص تقريباً، وهو رقم جيد إذا استثنينا الصغار وأصحاب الأعذار والذين يعيشون في أماكن بعيدة عن المساجد، إذ إن أميركا بلد مترامي الأطراف.

2) أكثر من 70 في المئة من مرتادي المساجد في أميركا يؤيدون دخول المسلمين في المؤسسات الرسمية والمشاركة في العملية السياسية هناك الا إن 3 في المئة منهم فقط شارك عملياً في توطيد علاقات مع مسئولين أميركيين رسميين.

3) 66 في المئة من المساجد في أميركا تصلي فيها النساء خلف ستائر أو في حجرة مستقلة، وخلال خمس سنوات سبقت تاريخ التقرير لوحظ أن 31 في المئة من المساجد لا يسمح للنساء بالمشاركة في إدارتها.

4) 71 في المئة من مرتادي المساجد يؤيدون الأخذ بالمقاصد والظروف المعاصرة عند اتخاذ قرارات دينية، و21 في المئة يؤكدون التفسير الحرفي للكتاب والسنة مع العلم بأن نسبة الوعي الديني للمسلمين في أميركا أعلى منها عند نظرائهم في أوروبا، إذ تقول بعض الدراسات إن أكثر من 40 في المئة من المسلمين الموجودين في بريطانيا يؤيدون تطبيق الشريعة الإسلامية هناك!

5) مساجد الأفارقة الأميركيين هي الوحيدة التي تعاني من تناقص في أعداد مرتاديها مع إن نسبة دخولهم في الإسلام هي الأعلى بين الأميركيين، ويرجع هذا - بحسب الدراسة - إلى المستوى الاقتصادي المتدني لديهم وكذلك اضطراب الهوية لدى السود الأميركيين بالقياس الى البيض.

6) 82 في المئة من المسلمين الموجودين في أميركا يقول عن المجتمع الأميركي إنه مجتمع متقدم تكنولوجياً ويمكن أن نتعلم منه في هذا المجال، بينما 35 في المئة فقط يعتقد أنه نموذج للحرية والديمقراطية، وتفاوت النسبة بينهما فيه غرابة وذلك لأنه من الصعب تعقل التفكيك بين التقدم العلمي التكنولوجي وبين التطور في النظرة إلى الإنسان والحياة.

7) 28 في المئة فقط يعتقدون أنه مجتمع لا أخلاقي وفاسد، و15 في المئة فقط يعتقدون أنه مجتمع يعادي الإسلام

إقرأ أيضا لـ "الشيخ حميد المبارك "

العدد 1561 - الخميس 14 ديسمبر 2006م الموافق 23 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً