العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ

الجمالية تحت طائلة التهمة

علي الجلاوي comments [at] alwasatnews.com

لماذا يخلق الكاتب طوطمه المقدس، ويخلق الآخرون المعنى المطلق لأنفسهم، في حين يغادر مطلقيته هذا المعنى لينزل للشارع، وسنعتبره المضطهد الذي سنبحث عن ثأره، أو سنحاول أن نرتفع لقامته ونثأر بدلا عنه، وسيكون البطل والمؤسس لقافلة النبلاء الذين سيأتون من سلالته، وبلاشك سيكون الأسطورة التي مشت على رجلين في يوم ما، كما سنعتبر أن أي نبيل يتبع هذه الأفكار الملعونة سيلاحق بتهمة أفكاره، فهو من حاول تدريب الناس على التساؤلات، لكن هذه الأسئلة تتجاوز المصدر لتنتقل إلى الأشياء المحيطة، ويبقى المصدر رفيعاً لا تمسه الشبهة، بل سيكون محط ثرثرة المدارس الأخلاقية فيما بعد.

وحين يسقط «نبيل» في رواية ما، فهو يصنع أسطورته التي تليق بقامته، فحين حكم على سقراط بشرب الشوكران، حكم عليه بالخلود، وامتداد أسطرة شخصيته أيضاً، وكما يقول فرانسيس ولف إن «هؤلاء الخارجين على القانون الذين حولتهم المقصلة إلى شهداء، ونذرتهم لأناشيد» الثورة، جعلت ذكراهم لحظة صلاة، صلاة تتلى فيها حوادث لم يرتكبوها، وبطولات لم يعرفوها، على أنها صنعت على أيديهم.

لكن هذا الطوطم الذي ينصبه المؤلفون في أشعارهم ورواياتهم صنماً مقدساً، ليس بطلاً أسطورياً ولا عبقرياً فذاً، هو العادي لدرجة أن الصفات السابقة فضفاضة على جسده النحيل، الذي لا يتجاوز المتر ونصف المتر، لكنه سيبدو رفيعاً لأننا سنحاول النظر إليه من الأسفل، وبذلك فنحن نحاول صناعة مثل أعلى، يكون المعيار والنموذج للفعل والسلوك، وسنرغم المخيلة والجمالية بعض الأحيان به.

هنا سنتبادل الأدوار بشكل جيد، فحين كنّا نلاحق بتهمة فكرنا، ونصادر لاختلافنا، ونقمع لمخالفتنا السلطة، نعود بلباس المظلوم، لكن بآلة الظالم، سنلاحق كل الأفكار التي لا تنبع من فكرنا، وسنقمع كل مخالف لسلطة مثلنا الأعلى، وبذلك سنجر نزار قباني إلى محكمة الآداب، ونحرق المتنبي بتهمة مدح السلطان الجائر، وسنحكم على سقراط بالرجم لأنه مثلي منحرف، نحن نعلن أحكام الطوارئ على المؤلفين، ونخرج محاكم التفتيش من القرون الوسطى، لنحافظ على أفكارنا التي وجدنا عليها آباءنا الأولين.

حينها فقط سنمدح الجهل؛ لأننا اعتبرنا أن للجمالية معياراً، وهو مسك الجمالي ووضعه في قالب، وبهذه الفرضية أيضاً سيتهرأ الجمالي، وبعد ذلك سيدخل مزبلة التاريخ، أو في أحسن الأحوال سيتحول إلى فصيلة العادي والمتداول، فهل يجب أن أقف أمام نص ما بكثافة الدهشة نفسها في كل مرة؟ وهل يعني ذلك أني أقل بقرن عن استيعاب هذا النص ليبقى مدهشا في أي طقس لقراءته، تحت ضغط هذه الأسئلة ستهتز صلابة هذا النص، وسنعيد بذلك ترتيب أسئلتنا تجاهه، أي ندع الأسئلة تنفذ إلى المحيط والمصدر، فحين تدعي الدهشة أمام نص ما، تعيد النظر في تعريفك للدهشة، وبذلك فأنت تعيد النظر في النص بالضرورة.

وحين نمسك الجمالي ونضعه أمام مثلنا الأعلى، فنحن بذلك ندعو إلى التكرار وقتل الدهشة، بل الأكثر من ذلك سندعو إلى وأد الجمالي فينا، وسنرتكب أكثر حماقاتنا مأسوية، وذلك بخلق عداء مبكر مع الجديد والمختلف. وهذا ما وقع فيه أكثر الذين بشروا بدين جديد، فلم تكن لهم القدرة على الإذعان. وفي المقابل، لم تكن الهزيمة ما يتضمنه قاموس الجمالي، لأن هذا الجمالي لا يخضع لفرضية محددة، أو شكل جاهز، فهو المتحرك بحسب «زمكانيته»، يأخذ عنه روحه، ويتشكل في بيئته، إلا أنه يتجاوز المنجز والعادي والمكرور، وبذلك يمكن معرفته ووصمه بالجمالية

إقرأ أيضا لـ "علي الجلاوي"

العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً