الحلقة التي قدمها تلفزيون البحرين من برنامج "كلمة أخيرة" والتي استضاف خلالها رئيس جمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، لتطرح عليه مقدمة البرنامج أسئلة وتناقش معه بعض المحاور، وإن شكك البعض في نواياها، إلا أنها، وبحق، شكلت، محاوراً وحلقة، خطوة جريئة وغير متوقعة من الفضائية البحرينية.
وهي خطوة يبدو أنها لم تأت اعتباطاً أو بشكل عشوائي وإنما جاءت ضمن ما يبدو وكأنه خطة مدروسة للمصالحة، الحقيقية هذه المرة، مع المشاهد، وهي تختلف كثيراً عن خطط المصالحة السابقة التي عادت بشكل سلبي، لم يكن يتوقع مسئولو الإعلام حدته وسلبيته. وليس أدل على وجود هذه الخطة المدروسة من تلك الخطوات السابقة، والتي لم تقل جرأة و... شفافية في الطرح عن خطوة اللقاء مع علي سلمان. لعل أهمها حلقة من برنامج "قضايا الناس" بثها التلفزيون نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ناقشت واقع الفقر في البحرين، عارضة أرقاماً حقيقية، ومشاهد حية حين تنقل مقدم الحلقة علي حسين ومخرجها محمد جناحي بين بعض أفقر أحياء القرى البحرينية، جنوسان أو جدالحاج، كما بدا في بعض اللقطات. طبعاً لا ننسى الحلقة، التي بثها التلفزيون مباشرة، من دون رقابة ومن دون تقطيع، استضاف فيها سامي هجرس كل من رئيس تحرير صحيفة "الوسط" ورئيس تحرير الصحيفة الزميلة "أخبار الخليج" وبعض من الصحافيين البحرينيين. في تلك الحلقة التي شاهدها، ربما، معظم البحرينيين، تم التطرق لبعض القضايا الحساسة التي لم يخطر على بال أي ممن شاهدوها أو أولئك الذين لم يسعفهم الحظ للتفرج عليها، لكن وصلتهم أنباؤها، أن يتم مناقشتها في برنامج يعرض على الفضائية البحرينية، ثم يسمح للمشاركين بالتحدث من دون ان يتدخل الرقيب في حذف او تقطيع عباراتهم وإعادة مونتاجها. طبعاً تخللت تلك النقلات النوعية الثلاث مجموعة من النقلات الأصغر التي بدت ملبية لرغبات المواطنين، ملامسة لقضاياهم، متناغمة مع نفسهم، لكنها، ربما، لم تلق نسبة مشاهدة كافية، إما لعدم الإعلان "الشعبي" عنها بشكل كاف، أو لعدم الثقة في الوجوه التي تقدمها وهي وجوه قد يكون المشاهد البحريني تعود منها الاستجابة لأوامر المسئولين، أو مغازلة الحكومة أياً كانت سلبيات ذلك، ولذلك لم يعد تغريدها يطرب أحداً أو يبعث في النفس أية نشوة. على أية حال، وسواء كان انعدام الثقة، أو الخلفية الموجودة لدى المشاهدين هما ما يتسبب في نفورهم من الفضائية البحرينية، بل واستخفافهم بها، فلا أظن أن المسئولين في وزارة الإعلام يملكون سوى استماحة العذر للمشككين في نوايا حملة المصالحة الجريئة و"الحقيقية" تلك. بعض هؤلاء المشككين يتهمون وزارة الإعلام بمحاولة التشويش على مجلس النواب المقبل، الذي يضم بعض الوجوه القوية، وهي التي يثق كثيرون بقدرتها على فتح ملفات كبرى وتناولها بكل جرأة وحساسية. وفي نظر المشككين فإن الوزارة أو جهازها الناطق، يحاولون حرق تلك الملفات وإفساد الأمر على المعارضة، و"التغذي بها قبل أن تتعشى بأي طرف". جميعنا يعلم أن الفضائية تابعة لجهاز إعلامي ما تعود منه البحرينيون صراحة في الاعتراف بقضايا الوطن، أو الايمان بهموم الشعب الحقيقية أو على الأقل التحدث بلسان أو لغة تشبه تلك التي يتحدث بها أبناء البحرين!
كذلك ليستميح المسئولون العذر حتى لمن لا يثقون بقدرة الفضائية على الاستمرار في هذه الحملة بل ويكادون يجزمون بنهايتها القريبة، اعتماداً على الخلفية المختزنة في ذاكرتهم عن تاريخ المصالحات البحرينية.
فضائية البحرين والجهاز الذي تتبعه، لم يكن ابداً كذلك، ولذلك خسر كثيراً من مشاهديه، إن لم يكن غالبيتهم، وهم الذين نفروا من طرحه الرسمي الحكومي، واتجهوا لمحطات أخرى باتت أكثر قدرة على تناول الحدث المحلي بصراحة وصدقية عاليين. الآن ومع خطواته الجديدة التي نأمل لها الاستمرار، يبدو وكأن صورة جديدة ترتسم في أذهان الجميع وكأن شيئاً من الثقة يعود إلى نفوس وأذهان مشاهديه من البحرينيين، الذين لم ولن يرفضوا أية مبادرات صلح حقيقية وملموسة
إقرأ أيضا لـ "منصورة عبد الأمير"العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ