يعرف معجم اللسانيات أن التشويش في نظرية التواصل هو "ضياع للخبر ناتج عن اضطراب في مدار التواصل". وذلك بحسب الباحث عبدالجليل الأزدي، ويتوكأ هذا التحديد من منظور التواصل لدى هابرماس على "تصور نظري لا يرى من معنى للرسالة إلا معناها كمتتالية من الأدلة والعلامات والرموز المتنقلة بين مرسل ومستقبل عبر صلة تشكل الدعامة المادية للتواصل".
ويشترط في نقل "الخبر" من المنظور الاتصالي الدقيق أن يكون انتقاله من منطقة "البث" إلى "الاستقبال" في صورة كاملة، وغير مشوشة. ذلك أن أي تغيير/ تصحيح/ تعديل/ تصيير قد يتعرض له الخبر يعتبر انزياحاً عن قيمة العملية التواصلية في العملية الإعلامية.
الدلالة المتداولة اليوم لمصطلح "الخبر" تومئ إلى ما تم نقله متباعدة عن المعنى التقني والدقيق لمفهوم الخبر. وهو ما يصير ما هو ليس خبراً بوصفه "خبر".
إن ما بين الحدث والقارئ أو المشاهد للخبر معيار رئيسي نستطيع من خلاله الحديث عن حدوث اتصال خبري، مقتضى هذا المعيار "تساوي كمية الخبر بينهما"، المرسل والمستقبل. وحدوث أي تشويش أو عطب أو تعديل أو تحوير معناه أن عملية الاتصال ذاتها لم تتم.
وعلى ذلك، القارئ لا يقرأ أخباراً عن حوادث وقعت بقدر ما يقرأ أخباراً عن حوادث أُريد لها أن تحدث بالطريقة التي كتبت له تفصيلها، هي أشياء تم صوغها ليَفهمها كما يُرَادُ لهُ أن يفهَمها.
"الخبر" فضاء من صناعة الأفكار، فضاء من فضاءات التعبئة، تبث الأخبار بتشويش مقصود فتزداد وتيرة التفاعل والاتصال المضاد، وحتى إن كانت حقيقة الحدث بسيطة وهادئة.
رومان ياكبسن، الذي وضع الخطاطة اللسانية، وضع مفهومين اثنين يتحكمان بعملية صناعة هذا الخبر البديل/ المشوش عن الخبر الحقيقي: الأول هو مفهوم "السياق" أو "المرجع" الذي قد يكون "لفظياً أو قابلاً لأن يكون لفظياً"؛ أما المفهوم الثاني، مفهوم الصلة، "أي القناة المادية والرابط النفسي بين المرسل والمرسل إليه".
يحاول الإعلامي أن يدرك ماهية القارئ، يحاول أن يفهمه، وأن يجعل من طموحاته/ اعتقاداته/ مخاوفه/ احتياجاته/ أوهامه/ أوجاعه الطريق الرئيسي في التأثير فيه. هذه المخادعة هي في عملية الاتصال تشويش متعمد، ولن يجد القارئ مؤسسة إعلامية على البسيطة لا تلجأ إلى هذه الأدوات.
لا يمكننا اعتبار هذه الإجراءات "سلبية" في مجملها، فالقارئ نفسه يحتاج من الإعلام أن يدفع به في هذا الاتجاه، يحتاج من الإعلام أن يرضي احتياجاته الخاصة. يقف المتلقي هنا في موقف المحتاج إلى ما يشبع حاجاته لا موقف المحتاج إلى الخبر، أو الحقيقة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ