يجب تحديد ثلاثة شروط لكي تُفلح إتفاقيات وقف إطلاق النار. عليها أن تكون متبادلة، وتحت رقابة طرف محايد ومدعّمة بمفاوضات سياسية مستمرّة. يبدو أنّ الشرط الأوّل هو الوحيد الذي تم الإلتزام به حتى الآن، ولكي يتم وقف إطلاق النار علينا العمل على الشرطين المتبقّيين.
بالرغم من عدم توقيع شيء من قبل الأطراف المتنازعة، يبدو أنّ شرط التبادل قد تحقّق من خلال رغبة إسرائيلية بالدخول في ما يوازي التفاهم بدلاً من الإتفاق. إنّ وقف إطلاق النار هذا بحدّ ذاته هو أقرب للتفاهمات التي تمّت في لبنان أو مع السوريين الذين عملوا بالرغم من عدم إدراجهم على لائحة النزاع من قبل الأطراف. يشكّل ذلك نذير خير إذ يبدو أننا تخطّينا العائق الأساسي الذي كان يؤخّر التحرّك في هذا الصدد.
ولكنّ عدم وجود إتفاق موقّع قد ترك للأسف القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية خارج التفاهم. من دون إدخال الضفة الغربية، ستحصل إسرائيل على ما تريده، مثلاً، وضع حدّ لقصف صواريخ القسّام، من دون أن يحصل الفلسطينيون على مبتغاهم، مثلاً وضع حدّ للغارات والإغتيالات في الضفة الغربية. في حال إستمرّت تلك، قد يكون هناك دعوة واضحة لفلسطينيي الضفة الغربية لإعتماد التكتيك نفسه الذي أجبر الإسرائيليين على الموافقة على تطبيق هدنة مع إخوانهم في غزة. قد يكون ذلك مؤسفًا. ولكنّ هذا ليس كافيًا. على الطرفين أن يوافقا على آلية من شأنها إنهاء الإعتداءات من خلال مخطّط رقابي واضح يُديره طرف محايد فعليًا. لكي يُظهروا فعالية، يجب أن يُخوّل هؤلاء المراقبون المحايدون تسمية الأطراف التي إنتهكت المساعي السابقة لوقف إطلاق النار.
من الواضح أنّ أكثر وسيلة فعّالة لإطالة الهدنة هي التوصّل إلى إتفاق سياسي. يُطلق الأفراد النار على بعضهم البعض بسبب الشعور بالظلم وغياب الإتفاقات السياسية التي تطرح مطالبهم. يتمثّل السبيل الأوضح للشروع بعملية سياسية من خلال إدراك الأسس الأولية: أن يتقبّل كلّ طرف الطرف الآخر وحقّه في تقرير المصير. يرتبط ذلك بتقبّل إسرائيل لحماس بقدر ما يرتبط بتقبّل حماس لإسرائيل.
لم تعد مسألة إنشاء دولة فلسطينية قابلة للبحث، ولكن بالإضافة إلى جغرافيا هذه الدولة (خاصة في ما يتعلّق بالقدس الشرقية)، لا يمكن التقليص من مشاكل إمكانية العيش والتقارب. تشكّل مسألة التقارب حاليًا مشكلة رئيسية لأنّ الإسرائيليين يقومون ببناء الأنفاق والطرق البديلة من تلقاء نفسهم من دون التنسيق مع الفلسطينيين ومن دون إدخال القدس الشرقية أو الأحياء العربية في القدس الشرقية كجزء من نظام الطرقات المعقّد هذا. إنّ السلام الذي تطالب به الجهتين يحتاج ليتم بناءه على الثقة والإحترام. إنّ المساعي الآيلة لفرض الحلول المرتكزة على إحتياجات الطرف الأقوى ستفشل. قد تتمكّن من التوصّل إلى إتفاقات مؤقتة لوقف إطلاق النار، ولكن لا يمكن تحقيق السلام والأمن الفعلي إلاّ في حال رغب الطرفان بطرح بعض أكثر المطالب أهمية للطرف الآخر. أي الأمن لإسرائيل والسيادة للفلسطينيين. إنّ هكذا إتفاقيات تبدأ بالإحترام ويتم الجزم بها على طاولة الحوار. إنّ وقف إطلاق النار أمر مهم. ولكن في حال لم يتوسّع ذلك ليشمل جميع الأراضي الفلسطينية، ولم يخضع للرقابة من قبل طرف محايد وتتبعه على الفور محادثات فعلية، لا يُتوقّع أن يدوم مطوّلاً.
*كاتب فلسطيني والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ