العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ

بوش وخريطة «الشرق الأوسط» الجديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قررت الإدارة الأميركية تأجيل إعلان خطة الاستراتيجية الجديدة في العراق و «الشرق الأوسط» إلى مطلع العام المقبل بعد أن ذكرت سابقاً انها في صدد إعلانها في عيد الميلاد. لم تعرف الأسباب التي دفعت الإدارة إلى التأجيل ولكن يبدو أنها فضلت عدم تسريع الخطوات قبل استكمال المشاورات التي يجريها «البيت الأبيض» مع الوزارات ومراكز الأبحاث مضافاً إليها مجموعة نقاط تنتظر التوضيح تتصل بزيارة رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير إلى المنطقة.

العام الميلادي الجديد ليس بعيداً، ولكنه يحمل أيضاً معه مجموعة خطوات انتقالية مثل نهاية فترة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان التي اختتمها بملاحظات قاسية ضد السياسة الأميركية، وبداية عهد الحزب الديمقراطي في إدارة الكونغرس، كذلك انتقال وزارة الدفاع إلى عهدة وزيرها الجديد روبرت غايتس.

كل هذه الخطوات ربما تكون الأسباب الكامنة وراء الإعلان عن تأجيل «الاستراتيجية الجديدة». فالرئيس الأميركي تريث حتى تتوضح أمامه معالم الصورة في مرحلة انتقالية. ولكن خطوة التريث لا تعني أن الإدارة قادرة على التسويف الطويل المدى في اعتبار أن الرأي العام ودافع الضرائب والدول الكبرى ينتظرون بحرارة تلك الأفكار الجديدة التي يرجح أن يعلن عنها الرئيس الأميركي.

هناك سيناريوهات قليلة وواضحة أمام الرئيس الأميركي وكلها تعتبر خيارات صعبة قياساً بتلك المهمات التي أعلن عنها خلال فترة الإعداد لغزو العراق وبعد ارتكابه تلك الحرب المفتعلة في ربيع العام 2003. فالكلام الذي صدر عنه وعن طاقمه الإداري بات من الأرشيف وتصعب العودة إليه أو التذكير به نظراً الى ذاك البون الشاسع بين الأمنيات وما أسفر عنه الواقع من تداعيات سلبية تعاكس كل ما أطلق من شعارات براقة.

الواقع أقوى من الكلام والتاريخ يسجل الحوادث ولا يكترث كثيراً للأمنيات. وهذا الأمر يؤكد على ضرورة إعلان بوش عن شيء جديد يخالف تلك الأفكار عن «النموذج» العراقي وما كان يعنيه حين تحدث عن تغيير خريطة دول المنطقة. فالرئيس الأميركي بات في وضع صعب والدول التي كان يهددها بالسقوط أو الاجتياح أو تغيير خريطتها السياسية بات بحاجة إليها لمساعدته على الخروج من الورطة. فهل بات بوش على استعداد لتناول الطبخة مع فريق صنفه من خانة الأعداء؟ وهل هو في وضع نفسي يسمح له بالتحدث مع دول جوار كان يريد إشعال الاضطراب الأمني في وسطها بغية ابتزازها لتقديم تنازلات تضمن له نجاح خطته؟

حتى الآن لا يعرف مزاج بوش الرسمي قبل الإعلان عنه رسمياً في خطة يرجح أن تكون واضحة ومتكاملة. وإذا لم يحصل هذا الأمر فمعنى ذلك أن الإدارة الأميركية لاتزال تناور في محاولة منها لكسب الوقت والتهرب من تحمل المسئولية المادية والمعنوية.

كل التوصيات التي صدرت عن تقرير بيكر - هاملتون والمؤسسات والمراكز التي استشارها نصحته بالانسحاب من العراق والتفاهم مع دول الجوار على تأمين صيغة بديلة. و «دول الجوار» ليست مبهمة الهوية فهي موجودة في محيط العراق الجغرافي وتشمل إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية والكويت إضافة الى مصر بصفتها مركز الثقل العربي وعاصمة جامعة الدول العربية. ومشكلة بوش ليست مع «دول الجوار» كلها وإنما تحديداً مع سورية وإيران. فهل هو في مزاج سياسي يسمح له بالتعامل مع دولتين اتهمهما سابقاً بدعم «الإرهاب» وإفشال خطة الاستقرار في العراق ومنع واشنطن من تحقيق طموحاتها في تأسيس «نموذج» يحتذى لشعوب «الشرق الأوسط»؟

هذه النقطة تؤرق بوش وتوتر أعصابه وتجعله في موقع لا يحسد عليه. فهل تأجيل الإعلان عن خطته الجديدة له علاقة مباشرة بهذه النقطة أم أنه يبحث مع مجموعته الاستشارية عن المدى الذي يمكن أن يذهب إليه في التفاهم مع الدولتين؟

لاشك في أن بوش غير قادر على التهرب من تقديم جواب عن هذه النقطة التي تؤرق مزاجه. ولأنه مضطر للتعامل معها بإيجابية ومسئولية لابد أنه يقرأ بدقة تلك التفصيلات التي يجب أن يبحثها مع «دول الجوار». والتفصيلات كما تبدو الأمور كثيرة ولكنها في النهاية تتعلق بأمن الخليج والنفط وأمن «إسرائيل» ومستقبلها وتوازن المصالح التي يجب أن يتأسس عليها أي اتفاق جديد.

مسألة شائكة

المسألة شائكة إذاً وهي متعددة في مداخلها ومخارجها ويصعب عليه أن يطالب الطرف الآخر بالمساعدة من دون أن يقدم له التنازلات المطلوبة التي تعادل في وزنها حجم المساعدة. فما هي التنازلات القادر بوش على تقديمها لتغطية الانسحاب أو إعادة التموضع أو التجمع أو الانكفاء؟

مثلاً هل سيقرر الانسحاب الشامل والنهائي والكلي من العراق والمنطقة ويترك لدول الجوار تقرير مصير بلاد الرافدين ومحيطها بشكل شامل ونهائي وكلي؟ هذا الاحتمال غير مرجح في اعتبار أن الولايات المتحدة تملك مصالح ومواقع وعلاقات ومناطق نفوذ لا تستطيع التخلي عنها بسهولة قبل الايقاع بها وهزيمتها هزيمة نهائية وشاملة ومطلقة.

الصفقة الكلية غير واردة في المنظور الراهن، إذاً هناك احتمال الصفقة الجزئية. والجزء يعني النصف (المناصفة مع دول الجوار) أو الربع (المرابعة) أو التنازل عن نسبة العشر. كل هذه الأجزاء واردة لكن المرجح منها حتى الآن هو المقايضة على نسبة العشر. هذا على الأقل يمكن رصده من الكلام الذي يصدر عن الإدارة الأميركية. فهي كما يبدو جاهزة للبحث في الجزء الصغير لضمان حصتها في الاجزاء الكبيرة. والجزء العشري يخضع بدوره إلى نقطتين: الأولى مكان التفاوض ومجال التنازل. والثانية شروط التفاوض والتنازل ومدتها.

بالنسبة الى المكان هناك مناطق مختلفة تبدأ في العراق وتنتهي في الجولان ولبنان وفلسطين. وبالنسبة الى الشروط هناك نسبة العشر ومدته وكيفية التعامل به. وفي هذه الحال تصبح المفاوضات قاسية وستأخذ فترة زمنية يرجح أن تشهد خلالها المنطقة المزيد من التجاذبات الإقليمية والأهلية.

مثلاً هل تفاوض واشنطن طهران على الملف النووي أم تقدم لها تنازلات مقابلة في العراق؟ وهل مثلاً تفاوض دمشق على الجولان أم تتوسع دائرة النقاش لتشمل لبنان؟ مقابل هذه التبادلات في المواقع السياسية هل ستخضع التنازلات إلى شروط محكومة بالتوازنات الدولية والإقليمية ومواقع الكيانات المعترف بها في الأمم المتحدة؟ مثلاً إذا وافق بوش على التنازل عن العشر فما هي شروط التفاوض بشأنه؟ بكلام لبناني هل هذا الجزء هو من صنف العشر «المعطل» أو «الضامن» أو «المشارك»؟ أي هل يكون العشر في إطار سلبي أم إيجابي؟

الشروط والأمكنة والنسبة والمدة كلها عناصر مهمة لمعرفة اتجاه الرياح الدولية في منطقة إقليمية حساسة جداً. فالجزء المعطل يعني الكثير ويختلف كثيراً عن الجزء الضامن، كذلك الضامن يختلف عن المشارك. والاختلاف هنا يتصل بالسلبيات والايجابيات. فإذا كانت المشاركة سلبية فمعنى ذلك أن الاهتزازات ستبقى واردة عند كل منعطف وإذا كانت ايجابية فمعنى ذلك أن المنطقة مقبلة على حل شامل ومعقول وليس مجرد صفقة مقايضة مؤقتة.

المسألة إذاً ليست سهلة، وتحتاج إلى وقت للدراسة والتمحيص. ومن الصعب التحكم بمفاصلها تمهيداً للتفاوض من دون معرفة التوجه العام الذي سيعلن عنه بوش في استراتيجيته الجديدة التي أجل إعلانها إلى مطلع العام المقبل. فالإعلان يدل فعلاً على وجود مشكلة داخلية في إدارة «البيت الأبيض» لأنه لا يتعلق فقط بأزمة احتلال العراق وإنما يتصل أيضاً بمعضلات المنطقة وتلك التداعيات المتوقعة في حال قرر الانسحاب الفوري أو اعتمد خطة بديلة تقوم على سياسة تبادل المنافع والأخذ في الاعتبار حقوق المنطقة ومصالح «دول الجوار» ودورها في صوغ خريطة «الشرق الأوسط» الجديدة والألوان المطلوب استخدامها لترسيم حدودها

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1560 - الأربعاء 13 ديسمبر 2006م الموافق 22 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً