لم أكن أنوي الكتابة عن قمة ملوك ورؤساء دول الخليج، التي سميت «قمة جابر» تكريماً للشيخ جابر - رحمة الله - وسبب ذلك أنني مصاب بكثير من التشاؤم من تلك القمم التي لم تحقق شيئاً يذكر لمواطني دول المجلس على رغم السنوات الطويلة من الاجتماعات واللقاءات والتوصيات.
المواطن لا يحتاج إلى سماع توصيات لا يراها محققة في واقع حياته، ولذلك بدأنا نرى قلة اهتمام مواطني مجلس التعاون بهذه القمم وعدم متابعته لها مثل ما كان الأمر عليه في بداية تلك القمم. لكن قمة جابر السابعة والعشرين كانت مختلفة بعض الشيء وهذا ما شجعني على تناولها ومناقشة أهم حوادثها أملاً في أن نرى لها واقعاً مرئياً في حياة كل مواطن في الخليج. تحدث ملك السعودية في افتتاح القمة عن قضايا كثيرة ومهمة لكل مواطن في الخليج، بل لكل مواطن عربي، فالمنطقة - على حد وصفه - محاصرة بعدد من المخاطر، وهي تشبه خزاناً من البارود ينتظر شرارة لكي ينفجر.
وتناول الملك عدداً من القضايا والمخاطر التي قد تهدد هذه المنطقة منها قضية العراق وفلسطين. وطالب دول الخليج بأن تكون متوحدة ذات كلمة متوحدة ذات كلمة واحدة؛ لأنها بهذه الوحدة تحقق قوتها، كما شدد على أهمية الوحدة الاقتصادية بين دول المنطقة لأنها أساس الوحدة بين الدول.
القضايا التي تحدث عنها الملك تبناها رؤساء دول المجلس، وكانت جزءاً من توصياتهم مع بعض التوصيات الأخرى ذات الدلالات الخاصة في هذا الوقت بالذات. وقفت طويلاً عند توصية المجلس بالحديث عن مشروعية امتلاك التقنية النووية للأغراض السلمية، فما المبرر لهذه التوصية الآن؟ شخصياً، أعتقد أن من حق دول المجلس امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية وللأغراض غير السلمية، وأعتقد أن دول المجلس فرّطت كثيراً في هذه المسألة وكان المفترض أن تتعامل معها بجدية ومنذ عشرات السنين دفاعاً عن مواطنيها وعن أراضيها. «إسرائيل» تمتلك السلاح النووي غير السلمي وأمام سمع العالم وبصره، وهذا السلاح مصدر تهديد قوي لكل العرب بمن فيهم دول الخليج وليس صحيحاً ما يقال إن «إسرائيل» دولة متحضرة لا تستخدم هذا السلاح وإنها ليست كالدول العربية التي لو امتلكت هذا السلاح لاستخدمته بصورة سيئة، ومثل العرب إيران كما تقول «إسرائيل».
أثبت الواقع كذب هذا الادعاء وزيفه، فكل الأسلحة المحرمة استخدمت في لبنان وفلسطين ولو رأت «إسرائيل» أن مصلحتها في استخدام القنابل النووية لما ترددت في ذلك.
أميركا هي الأخرى استخدمت الأسلحة المحرمة في العراق وأفغانستان، وسبق أن استخدمتها ضد اليابان. فالقول إن «إسرائيل» دولة حضارية لا تستخدم السلاح النووي ضد أعدائها قول لا صحة له ومن هنا كان من المفترض أن يستشعر العرب عموماً ودول التعاون خصوصاً أهمية امتلاك السلاح النووي بكل أنواعه لتحقيق الأمن والرفاهية للمواطنين.
الحديث الآن عن هذا النوع من السلاح يوحي بأنه موجه ضد إيران ولاسيما أنها ذكرت تحديداً مع مطالبتها بالتخلي عن السلاح النووي وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي. وشملت هذه المطالبة «إسرائيل»، إذ طلب منها أن تخضع إلى التفتيش الدولي أسوة بغيرها وخصوصاً إيران.
دول المجلس تعلم أن «إسرائيل» لن تقبل وأنها رفضت مراراً الخضوع إلى التفتيش وتعلم أيضاً أن «إسرائيل» لديها عشرات القنابل النووية ولا حاجة الى تفتيشها لمعرفة هذه الحقيقة لأنها معلنة ومعروفة. وإيران - كما أتصور - لن تقف عند حد امتلاك السلاح النووي للأغراض السلمية مهما قالت، ولهذا كله يجب أن تحدد دول المجلس موقعها من امتلاك هذه التقنية وأن تعمل بجد على امتلاكها مهما وجدت من عقبات فمصالحها يجب أن تكون من أولوياتها بعيداً عن المزايدة بشأن هذه الدولة أو تلك.
توصيات المجلس تناولت الحوادث في العراق ورفض المجتمعون تقسيمه، كما رفضوا أن يتدخل أحد فيه، وأدانوا التهجير الذي يطول أهل السنة تحديداً... لكنهم لم يقدموا كيف يمكنهم عملياً التأثير في هذه الحوادث التي تطول دولهم وتؤثر على شعوبهم بشكل كبير.
العراق مقسم واقعياً، فالشمال دولة مستقلة، والشيعة في الجنوب يطالبون بفيدرالية هي الأصل في التقسيم على أن يبقى بعض الوسط دولةً للسنة وإذا لم يحدث تغيير جذري في العراق إما من الداخل وإما من الخارج فقد يتم هذا التقسيم مع كل تبعاته السيئة على العراق ودول الجوار... كنت أتمنى أن نستمع إلى الآلية التي سيقوم بها المجلس لمنع هذا التقسيم ومنع الحرب الأهلية التي أنهكت العراق وكذلك منع التهجير الذي طال مئات الآلاف من العراقيين.
المجلس طالب بحل الميليشيات في العراق ولكن كيف سيتم ذلك إذا كانت هذه الميليشيات تتبع بعض الجهات ذات النفوذ القوي في العراق وهذه الجهات حريصة على بقائها واستخدامها لتصفية خصومها؟ مرة أخرى لم يتحدث المجلس عن الآليات التي سيتم فيها حل هذه الميليشيات القاتلة.
الحكومة العراقية والقوى النافذة في العراق رفضت توصيات بيكر؛ لأنها لا تصب في مصلحتها مع معرفتها أن هذه التوصيات جاءت من دولة هي السبب في وجودها فكيف سيقبل هؤلاء بتوصية زعماء دول مجلس التعاون؟ أعتقد أن العراق بحاجة إلى آليات أخرى تحقق التوازن فيه وتحميه من الانقسام وتحمي في الوقت نفسه وصول التهديدات إلى دول المجلس وشعوبه.
ملك السعودية تحدث عن قضية فلسطين وكان تشخيصه موقفاً، فهي - كما قال - مازالت بين احتلال عدواني بغيض ومجتمع دولي ينظر إليها نظرة المتفرج بالإضافة إلى خلاف الأشقاء، الذي هو الخطر في هذه القضية. نعرف جميعاً بشاعة ما يجري في فلسطين سواءً من القتل والتدمير أو المحاصرة القاتلة التي تهدد شعباً بكامله بكل أنواع الأذى والفساد... والمؤسف هنا أن دولاً عربيةً شاركت في هذا الحصار استجابة إلى المطالب الظالمة من أميركا و»إسرائيل»، وكلنا سمعنا اعتراض الأميركان على المساعدات التي قررت قطر تقديمها إلى الحكومة الفلسطينية... أعرف أن الزعماء العرب اتخذوا قراراً بوقف هذا الحصار ولكن التطبيق العملي هو المهم وليس اتخاذ القرارات وحدها. إشارة الملك إلى ما يجري في فلسطين ينبغي أن تكون دافعاً قوياً لكل دول المجلس لتقف مع الشرعية هناك وقوفها مع الشرعية في لبنان سواءً بسواء.
دول المجلس اتخذت قراراً بمؤازرة لبنان وإعماره وتعزيز أمنه، والواجب أن تفعل الشيء نفسه في فلسطين فهي كذلك في أمس الحاجة إلى الإعمار والأمن، بل إن معظم شعبها يتعرض للتجويع والقتل. فهل نرى حراكاً قوياً في اتجاه فلسطين أسوة بلبنان؟
يبقى الحديث الذي يتكرر عن أهمية إيجاد وحدة اقتصادية بين دول المجلس وكذلك عمل قوانين تجعل كل مواطن في أية دولة يشعر بأنه يعامل مثل أي مواطن آخر في أية دولة من دول المجلس. هذا الكلام قيل كثيراً في دورات سابقة لكنه لم يتحقق حتى الآن على رغم كثرة ما قيل، فهل ستتغير الحال هذا العام؟
الوحدة الاقتصادية مهمة وهي من أقوى العوامل الموحدة للشعوب فكيف ستتحقق هذه الوحدة؟
العملة الواحدة قيل إنها على وشك الصدور ثم سمعنا كلاماً آخرَ! الجواز الخليجي الموحد أو السفر والتنقل بالبطاقة نسمعه من سنوات طويلة لكننا لم نرَ شيئاً على الواقع ولم نسمعْ شيئاً إيجابياً عن هذه المسألة... أن يعمل أي مواطن في أية دولة يختارها وأن يعامل كأحد أبنائها مطلب في غاية الأهمية وكثر الحديث عنه لكنه أيضاً كلام وليس أكثر من ذلك. فهل يستحيل تطبيق هذا الكلام عملياً؟
أشياء كثيرة كان يجب أن تتحقق منذ سنوات طويلة لكنها لم تتحقق ما جعل معظم المواطنين لا يرون أهمية لكل التوصيات التي تقال، فهل تتغير الحال هذا العام؟
أجدني أحمل شيئاً من التفاؤل، فالمخاطر تحدق بدول المنطقة من كل اتجاه، والعمل الجاري على تلافيها مصلحة كل واحد فينا مهما كانت مكانته ودوافعه، ولهذا فالأمل هذا العام يزداد بعض الشيء.
أخيراً الكلام وحده لا يكفي، والذين حولنا يعملون، فهل نبدأ بداية جادة لتحقيق أمننا ورفاهيتنا وتقدمنا؟ أرجو ذلك
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ