العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ

الرئيس المختار يحصد نتائج أفعاله

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمام الرئيس الأميركي مهلة سياسية لاتزيد عن الاسبوعين للاعلان عن استراتيجيته المقبلة في العراق ومنطقة «الشرق الأوسط» .فهذا الرئيس يعاني من ضغوط الوقت والمتغيرات التي ظهرت ميدانياً في بلاد الرافدين وانتخابياً في الولايات المتحدة. والضغوط فرضت عليه للمرة الأولى الادلاء باعترافات قاسية عن عدم النجاح في مهماته التي ادعى سابقاً انه يكلف بها من «الأعلى». الرئيس الأميركي الآن بات أمام متغيرات أرضية عدلت كثيراً من لغة السماء التي ادعى سابقاً انه على صلة بها وعلى معرفة برموزها وخفاياها. فبعد مناورات إعلامية اتبعها طوال السنوات الخمس الماضية اخذ الرئيس المختار بالتعامل مع الوقائع التي تفرض عليه سلسلة تغييرات لإعادة ترميم وضعه ومنع إدارته من الانهيار.

ماذا يستطيع جورج بوش فعله خلال فترة تقل عن أسبوعين؟ هناك بعض الافكار أعلن عنها كلامياً وترك افكاره الأخرى «سرية» في انتظار ما ستسفر اتصالاته من معلومات واقتراحات ونصائح. الا أن الواضح من التسريبات الصحافية هو اتجاه إدارة بوش الى تبني بعض الافكار التي وردت في تقرير بيكر - هاملتون. بعض الافكار تعني ان بوش غير مقتنع بتوصيات التقرير كلها ولكنه لايريد اهمالها في اعتبار ان اللجنة تعكس ذاك المزاج الثنائي والمتوازن بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. فبوش تعامل مع التقرير منذ صدوره رسمياً بصفته «سلة افكار» أو حاوية لكل مشكلات المنطقة وبالتالي فإنه يملك صلاحية الاختيار والاهمال والمقارنة ويتمتع بمسئولية تنفيذية تعطيه حق التهرب في حال قرر أن تلك التوصيات تتعارض مع مصالح أميركا الاستراتيجية.

بناء على هذه السياسة المترفعة أعلن بوش عن رغبته في الاستماع الى وجهات نظر أخرى وقرر زيارة مقرات الدفاع والخارجية والاتصال بلجان دراسات تعالج أو تبحث الازمات نفسها. ولهذا طلب بوش مهلة من الوقت تسمح له بقراءة تقرير بيكر - هاملتون ودمجه بملاحظات متأتية من قرارات مغايرة للوجهة التي ذهب التقرير الى دعمها.

نهاية المهلة لاتتعدى عيد الميلاد أي انها ستعلن الخطة الاستراتيجية رسمياً وبخطوطها العريضة قبل اسبوع من بدء انتقال سلطة الكونغرس من الجمهوري الى الديمقراطي. ويرجح ان تكون افكاره قد اكتملت في صيغتها النهائية في مطلع السنة الميلادية المقبلة وسيطرحها رسمياً كتصورات عامة في خطابه التقليدي في جلسة افتتاح الكونغرس.

فما هي «هدايا» الميلاد التي سيعلن عنها بوش لشعوب «الشرق الأوسط»؟ وماذا سيفعل في العراق أو المنطقة في المدة المتبقية لديه في الرئاسة؟.

هناك أكثر من سيناريو يمكن تخيله بشأن العراق والمنطقة.

أولاً: سيناريو الهرولة. يعتمد هذا السيناريو على فكرة وحيدة لا تتقبل النقاش وهي ان الولايات المتحدة انهزمت في العراق وضاعت بوصلتها وفقدت اعصابها وامكاناتها وقدراتها وغرقت في «مستنقع» أسن وبالتالي لم يعد أمامها من خيار سوى الانسحاب السريع من الرمال المتحركة وترك المنطقة تتخبط حتى تتوصل القوى المحلية والاقليمية الى صيغة توافقية بشأن مستقبل بلاد الرافدين ومحيطها. فكرة هذا السيناريو مستوحاة من ذاك المشهد الفيتنامي حين انهارت القوات الأميركية أمام ضربات الفيتكونغ والضغوط الدولية فقررت الاستغناء عن اصحابها في سايفون وتركهم يلاقون المصير الذي يستحقونه.ويرجح أن يكون هذا الخيار غير وارد في القريب العاجل الا اذا قررت واشنطن هدم المنطقة وحرقها استنادا الى اهلها.

ثانياً: سيناريو تنظيم الانسحاب. يعتمد هذا على خطة نصف هرولة أي الانسحاب المبرمج والمنظم ضمن جدولة زمنية تنتهي في مطلع العام 2008 أو تبدأ خطوتها الأولى في ذاك العام تمهيداً للاعلان عن الانسحاب الشامل قبل بدء موعد الانتخابات الرئاسية في خريف 2008. وفكرة هذا السيناريو ليست مستبعدة وخصوصاً ان تقرير بيكر - هاملتون اشار اليها بذريعة الخوف على الشعب العراقي من الفراغات الأمنية والاقتتال الأهلي الطائفي والمذهبي.

ثالثاً: سيناريو إعادة انتشار القوات. ويعتمد هذا على خطة رفض الانسحاب الشامل وانما تخفيف عدد القوات وتجميع ما تبقى منها في قواعد عسكرية ومهابط طيران تشكل مراكز عبور للتدخل عند الحاجة وللحماية من الهجمات اليومية. وهذه الفكرة ايضاً ليست مستبعدة ولكنها مشروطة بمدى قدرة القوات العراقية على التطور وتحمل المسئوليات الأمنية والقيام بمهمات الاغارة ومنع البلاد من التوجه الى حرب داخلية تؤدي الى تشطير العراق الى دويلات طوائف.

رابعاً: سيناريو الانكفاء الى المنطقة. وهذا الأمر يعتمد كثيراً على تطورات الأمن في الدائرة السياسية التي ترى واشنطن انها تشكل حساسية مفرطة لأمنها القومي الذي يرتكز اقتصادياً على النفط ومنابعه ومصادره وخطوطه اضافة الى حرصها على أمن «إسرائيل» ودورها وموقعها ووظيفتها في المنطقة. ايضاً هذه الفكرة ليست مستبعدة ولكنها تحتاج الى تفاهمات اقليمية في اعتبار ان التوازنات التي اخذت تتشكل في محيط العراق ودول الجوار تحتاج الى دراسة مغايرة لذاك المسار التقليدي الذي تأسست عليه فكرة الخوف والخطر الذي كانت تمثله «إسرائيل» على المشرق العربي.

طرقات صعبة

كل السيناريوهات صعبة. وأمام بوش مهلة وجيزة لأخذ الموقف النهائي والواضح. فبعد الآن بات صعباً على الرئيس الاميركي التهرب من المسئولية وتحميل غيره نتائج تداعياتها. لذلك يتوقع من بوش أن يعلن عن شيء جديد بعد ان استنفدت الذرائع السابقة عناصر قوتها. وبناء على هذا التوقع اي سيناريو سيختاره بوش لتبرير وجوده في الرئاسة لمدة تزيد على السنتين قليلاً؟.

سيناريو الهرولة مستبعد الا في حالات تعتبر غير متوقعة في حساباته المرحلية والاستراتيجية. فالهرولة تعني الاعتراف بالهزيمة النهائية والشاملة وخروجه من منطقة تعتبر حساسة للاقتصاد والأمن. وهذا الأمر في حال اضطر اليه يفرض عليه التفكير بخطوات انسحابية ولكنه لايستطيع تفسيرها امام الرأي العام و دافع الضرائب بانها ليست هزيمة.

الهرولة استبعدها ايضاً تقرير بيكر - هاملتون خوفاً على سمعة اميركا وموقعها ودورها ومكانتها الدولية واستعدادها لمنافسة قوى آسيوية أو أوروبية صاعدة. والهرولة سياسة خطيرة قد تسمح بقصد او من دون قصد بفتح باب الصراع الاقليمي على مصراعيه وعدم استبعاد اندلاع مجموعة حروب أهلية تمزق ما تبقى من وحدات سياسية في المنطقة. والتمزيق يعني في وجه من وجوهه فتح المجال لقيام دويلات طائفية متطرفة تضرب شمالاً ويميناً معتمدة في ذلك على شبكات وتنظيمات غير ناضجة سياسياً وتنقاد الى شعارات لن تكون منابع النفط و»إسرائيل» بعيدة عن نيرانها. الهرولة يمكن توقع حصولها في حال واحدة وهي :ان اميركا قررت تدمير المنطقة من الداخل بعد ان قوضتها من الخارج.

تبقى السيناريوهات الثلاثة الأخرى، وهي تشكل لبوش مخارج تنقذه من الانهيار الكبير. تنظيم الانسحاب على مراحل فكرة مطروحة على جدول اعماله. إعادة الانتشار والتجميع في قواعد محلية بانتظار فترة تدريب القوات العراقية خلال السنة المقبلة ليست مستبعدة من جدول الأعمال. كذلك الانكفاء الى دول الجوار أو المحيط الذي يلف العراق من الأمور التي اخذت واشنطن تبحثها جدياً مستفيدة من أجواء التخويف واثارة النعرات التي بدأت تدق ابواب المنطقة.

كل الطرقات صعبة أمام بوش. ولكن هذا الرئيس الذي ادعى سابقاً انه مكلف من «الأعلى» القيام بمهمات سماوية بات الآن في وضع محرج للغاية حين اكتشف ان معادلات الأرض لا تتوافق دائماً مع حسابات السماء. ومن الآن وحتى تنتهي فترة الاسبوعين لابد من انتظار الكثير من التوقعات بعضها يمكن رؤيته وبعضه الآخر لايزال من بقايا تلك الاوراق «السرية» التي يحتفظ بها هذا «الرجل المختار»

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً