العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ

«لجنة مراقبة ما تبقى من مزارع البحرين» في مواجهة الإبادة

خولة المهندي comments [at] alwasatnews.com

رئيسة جمعية اصدقاء البيئة

كتبت سابقاً عن تراث المزارع في البحرين وفرص الاستثمار في السياحة البيئية، وكان مقالاً متفائلاً بعد بصيص من أمل إثر ترحيب لقيته إحدى أطروحاتي في هذا المجال في لقاء جمعنا برئيسة المجلس الأعلى للمرأة.وكتبت بعده بأشهر مقالاً عن الحزام الأخضر، كان ملؤه الألم والفزع لما يجري لمزارع البحرين ونخيلها وتراثها الزراعي. وأكتب ثانيةً أو رابعةً؛ لأن المشكلة قائمة؛ ولأن الحل أيضاً مازال ممكناً.

في الاجتماع التشاوري الأخير للجمعيات المعنية بالبيئة، والذي عقد في جمعية أصدقاء البيئة عشية اليوم العالمي للتطوع، تم تشكيل لجنة تجمع عدة جمعيات بحرينية ولجان قائمة تحت مسمى «لجنة مراقبة ما تبقى من مزارع البحرين»، وكان هدف إنشائها تدارك ما يمكن تداركه وقيام مؤسسات المجتمع المدني بدور الراصد لما يجري باتجاه إنقاذ المزارع التي لم تصل إليها يد التدمير بعد، والتنسيق لتحقيق ذلك مع الجهات التنفيذية وغيرها من جهات لتحقيق هذا الهدف الوطني أولاً قبل أن يكون بيئيّاً أو تراثيّاً، وإن كان من الصعب بمكان فصل هذه المفردات الثلاث.

اللجنة مكونة من جمعيات معظمها كان لها دور سابق في الدفاع عن المزارع والحزام الأخضر مثل: جمعية أصدقاء البيئة، اللجنة الشعبية للدفاع عن حزام عراد الأخضر، الجمعية الأهلية للهوايات البحرية ضمن التكتل البيئي، ومنها جمعيات تدخل المزارع ضمن تخصصها مثل جمعية المهندسين الزراعيين، وأخرى تؤمن بأهمية وجود المزارع مثل جمعية الصحة والسلامة، جمعية حماية المستهلك البحرينية، ولجنة المعامير الأهلية.

قبل أن نقترح تكوين تلك اللجنة قدم رئيس اللجان بجمعية أصدقاء البيئة محمد كاظم محسن، عرضاً مرئياً بالصور تحدث فيه عن قصة الحزام الأخضر، واستعرض ما التقطته الجمعية من صور لمزرعة في سند كانت قبل أشهر نخيلاً معمرةً وأشجاراً وخضرةً على مساحة كبيرة من الأرض تغذيها عينان. انتقلت ملكية الأرض إلى مستثمرين غير بحرينيين أرادوا تحويلها إلى مشروع استثماري مربح، لكن كان عليهم أولاً إزالة الأشجار جميعها، وقتل كل حياة فيها، وهذا ما وقع. بهذه السهولة يتم اتخاذ قرار وينفذ بتدمير مزارع البحرين! اقتلاع النخيل وقتل «الكنار» وتجريف التربة الزراعية وتحويلها إلى صحراء تعمر بالمباني الإسمنتية! هل دمك مستحلٌ إلى هذه الدرجة يا مزارعَ بلدي؟

التقينا بعض المزارعين ممن يعرفون تلك الأرض وتحدثنا حديثاً ملؤه الألم والحسرة كما هو متوقع، ولكن ما لم نتوقع سماعه منهم وسمعناه، كان حديثهم عن اليوم الأول لإعمال الآليات في قتل الأشجار وتدمير المزرعة، إذ كانت الآليات تدمر وتخرّب بينما المزارعون يسقون الزرع! منظر علق في ذهني وأنا أسمع روايته من بعض المزارعين. وأشعر بأن لوحات فنية حزينة فائزة بجوائز عالمية من الممكن أن ترسم من وحي هذا المنظر الرهيب.

قالوا لنا ما قاله مزارعون آخرون من بني جمرة وبوري وعذاري، من إن كل نخلة لها اسم، وكل نخلة هي من عمر وذكريات وتاريخ المزارع البحريني الذي زرعها ومن عمر أبنائه الذين أخذهم معه إلى المزرعة صغاراً، وكبروا مع النخلة يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، حتى تزوجوا وأنجبوا أبناء أكملوا مسيرة آبائهم في مرافقة المزارع البحريني إلى المزرعة ومراقبته وهو يسقي وينظف ويصلح ويعالج النخيل والأشجار الأخرى. قالوا لنا إن كل نخلة اقتلعت بكى عليها ذلك المزارع وانتحب كما ينتحب الأب على ابنته الأثيرة التي سرقت منه وهي في ريعان الصبا. انتحبوا انتحاب من لا يملك حولاً ولا قوة... وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل!

سمعت مرةً من يقول: «ليس لدينا مزارعون بحرينيون. ليست لدينا مزارع...»، وأعتقد أننا فعلاً نسير باتجاه النبوءة التي تحقق نفسها يوماً بعد يوم (النبوءة التي لم تكن صحيحةً عندما قيلت أولاً) عبر تدمير مزارعنا و«قهر» مزارعينا. ثم نفاجأ بهجوم مبطن وآخر معلن من مدافعين عن تدمير الحزام الأخضر بحجج واهية واتهامات لجمعية أصدقاء البيئة وحلفائها بأنهم يتحركون ضد مصالحهم! اتهامات أقل ما يقال فيها إنها تنم عن جهل. ما يجعلنا نتساءل: من هم هؤلاء المدافعون عن تدمير الحزام الأخضر؟ ومتى تحركوا أو تكلموا كي نتحرك بعد تحركهم؟ وأين كان هؤلاء وغيرهم عندما كانت الأرض الزراعية «جنةً خضراءَ» على حد قولهم، ثم تحوّلت إلى «صحارٍ قاحلة»؟ لماذا لم يعملوا شيئاً وقد شهدوا ذلك؟ أليس الوطن وطنهم هم أيضاً؟

أما عن محاولتهم إحباط مساعي جمعية أصدقاء البيئة وحلفائها لحماية المتبقي من الحزام الأخضر الذي لم يحركوا هم أو غيرهم ساكناً لحمايته أو الدفاع عنه من قبل، فذلك موقف مخزٍ حاله حال مواقف مخزية أخرى لممثلين منتخبين هاجموا الجمعيات البيئية أسوأ مما هاجمها المستثمرون المستفيدون من تدمير الحزام الأخضر، في الوقت الذي يحسب فيه الممثلون على الشعب وعلى مصالحه التي استأمنه من انتخبه عليها. مواقف أشخاص يفتقرون إلى الوعي البيئي، وثقافة المواطنة البيئية تجبرنا دائماً على تكرار ما قلناه منذ سنوات، لعل أقوالنا تجد سامعاً يفقه ما يقال هذه المرة.

لذلك أجد من الضرورة بمكان أن أذكّر بما قلناه في الحملة الوطنية الأولى للدفاع عن الحزام الأخضر العام 2003، ومسيرة جمعتها الخضراء الخالدة، بعد أول اعتصام بيئي عرفته البحرين نفذناه في العام 2002، ودعونا معه إلى اعتصام وطني في مزرعة من أجمل مزارع البحرين ببني جمرة، ولا أظن أن هؤلاء أو غيرهم ممن حملوا على أنفسهم مهمة الهجوم علينا وحملونا على الرد عليهم، شاركوا في المسيرة أو الاعتصام، فما أبعد الفهم البيئي فضلاً عن هموم البيئة - والجنة الخضراء التي ألمحوا إليها - عنهم وعن اهتماماتهم. ما قلناه حينها ونقوله اليوم: متى يطبق قانون حماية النخيل (مرسوم بقانون (21) لسنة 1983)؟ ومتى يتم الدفاع عن النخلة البحرينية في بلد المليون نخلة؟

إقرأ أيضا لـ "خولة المهندي"

العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً