وعلى رغم اختفاء القيود الجمركية على التبادل التجاري البيني بين دول المجلس، فإن المعوقات غير الجمركية ولاسيما تلك التي تحصل في المنافذ الجمركية لاتزال تأخذ حيزاً كبيراً من اجتماعات وزراء المالية والاقتصاد والأجهزة المعنية. وقد ارتفعت المبادلات التجارية البينية من 17,7 مليار دولار العام 2003 إلى 23,7 مليار دولار العام 2004، الا ان نسبتها من مجموع التجارة الخارجية لدول المجلس لاتزال لم تتجاوز 9 في المئة. وهو المعدل نفسه الذي ظل سائداً طوال العقدين الماضيين تقريباً. علاوة طبعاً على قضايا عدة لاتزال خلافية بشأن تطبيق الاتحاد الجمركي الموحد من بينها آليات احتساب القيمة الجمركية وصندوق الإيرادات الجمركية وتوزيعه والتعويضات كذلك عند الحديث عن التعاون في المجال الصناعي، فإن تقريراً للأمانة العامة للمجس لايزال يشير إلى وثيقة الاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية التي أقرت في قمة مسقط العام 1985 ثم عدلت في قمة أبوظبي العام 1998، الا أن الجميع متفق أن دول المجلس لاتزال تفتقد الوجود الفعلي لمثل هذه الاستراتيجية على رغم مضي عشرين عاماً على وضعها، بل يبرز أمامنا واقع من التنافس الصناعي يكاد يخرج عن إطار السيطرة لكون جميع هذه الدول لديها المواد الخام نفسها، وجميعها يعتمد على قاعدة التنويع الاقتصادي ذاتها.
وعلى صعيد التنمية البشرية، لاشك في أن التعليم والتدريب يحظيان بأولوية في الوقت الحاضر، خصوصاً مع بروز معدلات بطالة ملفتة للنظر في دول تستضيف نحو 10 ملايين عامل أجنبي. إلا أن دول المجلس تعاني لحد الآن من غياب معالجات خليجية موحدة لمشكلة البطالة، حيث يذكر تقرير للأمانة العامة للمجلس أن الأمانة أنجزت المرحلتين الأولى والثانية من دراسة “البطالة في دول المجلس وكيفية معالجتها” إلا أنها تسعى إلى تشكيل لجنة للسياسات السكانية على مستوى دول المجلس في الوقت التي تهدد المجتمعات الخليجية مخاطر اقتصادية واجتماعية حقيقية من جراء بلوغ مستويات العمالة أرقاماً فلكية، تتزايد مخاطرها في ظل الاتفاقات الدولية التي تطالب بمساواة حقوق العمالة الوطنية والأجنبية، ثم التدرج لإعطائها الحقوق الاجتماعية والسياسية أيضاً.
إن الوحدة الاقتصادية بين دول المجلس تواجه اليوم معضلات اقتصادية يزداد وقعها سنة بعد أخرى ويتسع نطاق انعكاساتها على جوانب الحياة المختلفة بوتيرة متسارعة حتى أوشكت تلك المعضلات أن تخلف وراءها سلسلة من التبعات الاجتماعية والسياسية لم يحسن الاقتصاد الخليجي في الجملة التعامل معها حتى الآن.
كما أن القطاع الخاص لايزال يطالب بشراكة حقيقية في التنمية على مستوى التخطيط والتنظيم والتنفيذ. وهذا يجب أن يترجم بدوره في قيام عمل مؤسسي يبدأ من اجتماعات القمم الخليجية ويمر عبر كل الأجهزة التخطيطية والتنفيذية في الأمانة العامة.
المواطنون الخليجيون يتطلعون أيضاً لوحدة اقتصادية يتلمسونها لمس اليد، ويجنون ثمارها في مواقع حياتهم الاجتماعية والاقتصادية، ووظائفهم ومساكنهم وأحيائهم. ولا يخفي المراقبون ارتباط ذلك بإصلاح أشمل قادمة عليه دول المجلس في المجالات الدستورية والتشريعية والسياسية يجسد مشاركة المواطنين في التشريع والرقابة والإصلاح من خلال المؤسسات التشريعية المنتخبة، وتستند مهماتها على الشفافية والمسئولية الاجتماعية المشتركة والحريات العامة ومحاربة الفساد، وبناء مؤسسات المجتمع الحديثة والنظام القضائي المتطور وتسهم في صناعة الحياة بحرية وفاعلية وصدق تخرج دول المجلس من حال الانكشاف الخارجي إلى حال اندماجية تكاملية قادرة على الاستمرار والنمو
العدد 1559 - الثلثاء 12 ديسمبر 2006م الموافق 21 ذي القعدة 1427هـ