العدد 1558 - الإثنين 11 ديسمبر 2006م الموافق 20 ذي القعدة 1427هـ

تلفزيون البحرين... وسحابة الشتاء والصيف

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عرض تلفزيون البحرين مساء الجمعة الماضي حلقةً من برنامج «كلمة أخيرة»، باستضافة رئيس جمعية «الوفاق» الشيخ علي سلمان، اعتبرها البعض اختراقاً مهماً، قياساً بالطرح المعتاد الذي دأب عليه التلفزيون الحكومي الذي لا يرى في البلد إلاّ التغطية والخبر والرأي الرسمي، كعادة التلفزيونات العربية التي لا ترى ولا تسمع غير صوت الحكومات.

استضافة رئيس «الوفاق»، قد يُنظر إليه من جانبٍ آخر على أنه تحصيل حاصل، كونه دخل قاعة المؤسسة الرسمية، ممثلاً لأكبر كتلةٍ برلمانية، ولا مناص والحال هذه أن يُجرَى معه مثل هذا اللقاء... اليوم أو غداً أو بعد غد.

قبل نحو عشر دقائق من اللقاء، تلقيت رسالةً هاتفيةً تنبّهني إليه، وقبل انتهائه بعشرين دقيقة وصلتني رسالةٌ أخرى أنقلها كما هي لأنها تعكس جانباً مهماً من ردود الفعل المتوقعة: «لو كنت مكانه لتركت الاستوديو، إنها طائفية وتتصيّد، والسؤال: هل ستقبل (الأصالة) أو (المنبر) أن يحاكَموا هكذا؟».

هذا الرأي نفسه سمعته من بعض من قابلتهم في اليوم التالي، وكنت أسأل: ماذا تنتظرون أن يُوجّه للشيخ علي سلمان من أسئلة؟ هل تتوقّعون أن تمسح المذيعة على رأسه بأسئلتها؟ أليست تتكلّم عن هواجس موجودة فعلاً في الشارع الآخر؟

وبعيداً عن توجيه الاتهام بالطائفية، التي لا يكاد ينجو أحدٌ من البحرينيين منها في ظل هذا التجاذب الطائفي الشديد، وبغضّ النظر عن المواقف الشخصية للعاملين في الأجهزة الرسمية، سواءً عن قناعةٍ أو إحراج، فإنه من غير المتوقع أن يفوّت الصحافي أو الصحافية، أو مقدّم البرنامج، فرصةً مثل هذه ولا يخرج منها بردودٍ وإجابات أو مواقف، ينتزعها من الطرف الذي يجلس أمامه على كرسي المواجهة أو الاعتراف.

طبعاً ليس هناك ما هو أسهل من الانسحاب، ولكن الأصعب هو الجلوس وتلقي الأسئلة بصدرٍ رحب، والرد عليها بعقلانيةٍ وبحجةٍ وإقناع. فأنت ممنوعٌ من الظهور على هذا الجهاز الوطني الذي يحتكره الطرف الرسمي حصرياً، طوال 365 يوماً في السنة، فهل تضيّع فرصةً لا تزيد على ساعتين، لمخاطبة الجمهور الذي لا يصله صوتك، وكأنك من كوكب المريخ وليس على بعد كيلومترات منه؟

هذا الجمهور الذي كان يتلقى رسالةً واحدةً، عبر مختلف وسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية، ومرّت عليه أزمنةٌ كان ينظر إليك على أنك ديناصورٌ متوحشٌ نزل من الجحيم ليحرق البلد، ولست مواطناً سوياً يطالب بحقوق المواطن الأساسية، وبالمشاركة في صنع القرار الوطني الذي يؤثر على مستقبل الأجيال ويحفظ الثروة العامة وإشاعة العدل والمساواة بين المواطنين.

هذا الجمهور الطيّب الذي مازال يتعرّض لحملة تشويشٍ على رؤيته، وتشويهٍ لوعيه، وتوجيهٍ لمواقفه، من أجل استمرار هذا الوضع السياسي المنقسم على أساسٍ غير الأساس الوطني. وهي حملةٌ تسهم فيها شخصيات دينية وسياسية مختلفة، لو كان هناك قانونٌ حازمٌ يطبق على جميع المتجاوزين، لقُدِّمت إلى المحاكمة بتهمة إثارة الفتنة الطائفية عن عمدٍ وسابقٍ إصرار، بما يهدّد الأمن الأهلي في هذا البلد الآمن، وسط صمتٍ مطبقٍ من الجهات المعنية يشي أحياناً بالتواطؤ.

لقاء الجمعة الماضي تفوّق فيه تلفزيون البحرين على نفسه، وهو خطوةٌ نوعيةٌ يطالب بها الجمهور، على أمل أن يُبنى عليها، لا أن تكون بيضة ديك يتيمة، فهناك الكثير من الشخصيات الوطنية التي يترقب الجمهور ظهورها على شاشته الوطنية، بدل انتظار ظهورها على القنوات البعيدة، لكي يثبت التلفزيون أنه «تلفزيون كل الوطن»، قبل أن يتغنّى برفع شعار «تلفزيون العائلة العربية».

هذه الشخصيات الوطنية لديها ما تقوله للمواطنين، وهي بالمناسبة ليست أسراراً أو خططاً سرية، بل أحاديث يتداولها الناس في المجالس، وقيلت في الخيام الانتخابية لأسابيع، وتُطرح في الصحافة والمنتديات الإلكترونية. على أمل ألاّ يكون مقياس الظهور على شاشة التلفزيون المزايدة على نغمة «الولاء»، التي بات حتى «الموالون» يسعون إلى التخفّف منها والبراءة من تبعاتها لفرط ثقلها على قلوب الناس.

وأخيراً... نتمنى أن تكون بادرة انفتاح على الجميع، حتى من لم ينجحوا في الوصول إلى البرلمان... لا أن تكون سحابةً عابرةً في صيفٍ طويل

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1558 - الإثنين 11 ديسمبر 2006م الموافق 20 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً