العدد 1558 - الإثنين 11 ديسمبر 2006م الموافق 20 ذي القعدة 1427هـ

لبنان ومعادلات الأرقام الإقليمية والدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لم تتضح معالم مبادرة جامعة الدول العربية بشأن الأزمة اللبنانية المفتوحة على ساحات أهلية. وتحتاج المبادرة إلى أيام لمعرفة تفصيلاتها وأولوياتها. و»الشيطان يكمن في التفاصيل» كما يقال. و»التفاصيل» أحياناً تخرب التفاهمات المبدئية إذا لم تنتصر لغة العقل على عصبيات الشارع. ومهما كانت الاختلافات فإن التوافق على مخارج معقولة يبقى أفضل بكثير من ترك الساحات تستنفر الطوائف والمذاهب وتستفز العصبيات وتدفعها نحو الاقتتال الأهلي السياسي والحربي.

هناك الكثير من النقاط الغامضة في المبادرة العربية وهي تحتاج إلى بلورة ترفع الغطاء عن ذاك «الشيطان» الذي يكمن في «التفاصيل». والتفاصيل فعلاً تشتت الذهن وترغم على إعادة التفكير بصيغة الأرقام وتلك اللغة المبهمة التي تحيط بالمعادلات الرقمية. فمن ينتصر على الآخر ليس هو السؤال وإنما كيف يمكن تخريج معادلة الأرقام وصوغها في قاعدة رياضية ترضي الجميع. فهناك الآن مجموعة أرقام مثل 19 + 9 + 2 (هذه ترفضها قوى 8 مارس/ آذار) أو 19+10+1 ( هذه مقبولة من الطرفين بشروط) أو 19 + 11 (هذه ترفضها قوى 14 آذار).

ماذا تعني المعادلة الرقمية؟ إنها ببساطة تعطي الثلث «المعطل» أو «الضامن» أو «المشارك» زائد واحد. وفي المقابل الطرف الآخر يرفض «التعطيل» ويقبل بالمشاركة ناقص واحد. الأرقام إذاً تعني في السياسة لغة قد تطيح بالدولة أو الكيان وبالعلاقات الأهلية. ولكنها أيضاً لغة جديدة في عالم السياسة تعطي فرصة للهدنة وتقدم للناس فسحة من الأمل في حال توصلت القوى المتخاصمة إلى نوع من التسوية الجديدة في عالم الرياضيات وحسابات الجبر. فالزائد (واحد) يعني نقل النقاش من الشارع إلى الحكومة. والناقص (واحد) يعني إبقاء التوتر في الشارع وتعطيل مؤسسات الدولة وتجميد الدستور حتى تتوضح معالم توازن القوى الميداني محلياً وإقليمياً والمجرى الذي تتجه إليه الرياح الدولية.

لغة الأرقام في لبنان تختصر أزمة محلية، ولكنها مفتوحة على الفضاء الإقليمي. وهذا الانفتاح متبادل وليس من جهة واحدة. فلبنان بات الآن ذاك المعبر السياسي لتلك الخطوط المتداخلة والممتدة على الطرفين. وهذا البلد الصغير يتأثر بسرعة بالمزاج الدولي والإقليمي العام ولكنه أحياناً يملك قدرات متواضعة على التأثير بالمزاج الذي يحيط بالمنطقة. فالفوضى الأمنية إذا انتشرت في البلد فإن المتغيرات الدولية والإقليمية ربما تساعد على نقلها إلى الجوار. وهذه المتغيرات تعتبر جديدة في المعادلة المحلية والإقليمية وهي تختلف نسبياً عن تلك المعطيات التي أسست الأزمة في العام 1975 وأدت آنذاك إلى انفجارها وفتحت المجال الحيوي لتدخلات إقليمية اقتسمت البلاد إلى مناطق نفوذ.

الظروف الآن اختلفت نسبياً عن تلك المعطيات في مطلع سبعينات القرن الماضي. وليس بالضرورة أن يتكرر السيناريو نفسه الذي تم صوغه لمعالجة الأزمة اللبنانية المفتوحة. فالعام 2006 (أو 2007) ليس العام 1975 وبالتالي فإن المعادلة الرقمية التي أخذت جامعة الدول العربية تتعاطى بها بمعزل عن المحيط الإقليمي والمزاج الدولي تحتاج إلى دقة وتوضيح وإعادة قراءة حتى لا تصل المحاولة إلى حائط مسدود وأبواب مقفلة.

المحاولة العربية تحتاج إلى مبادرتين الأولى محلية «روحية» تجمع الطوائف اللبنانية الرئيسية الست (الموارنة، الأرثوذكس، والكاثوليك، إضافة إلى السنة والشيعة والدروز). وهذه المبادرة المحلية في حال نجحت تؤسس خطوة كافية للانتقال إلى الثانية وهي قمة سياسية خماسية تضم سورية وإيران إلى جانب السعودية ومصر ولبنان للبحث في مخارج تضمن أيضاً للقوى الإقليمية «الثلث» المعطل أو المشارك. وهذا يعني تسوية لبنانية - إقليمية تسمح بإعادة تأسيس «دولة» قابلة للحياة والاستمرار. وفي حال لم يحصل هذا التطور في إعادة قراءة الأرقام ولغتها السياسية فإن البلد سيبقى عرضة للاهتزازات الأهلية وتعود الأزمة إلى الشوارع إلى أن ينجح أحد الأطراف في فرض شروطه على الآخر بالقوة ومن طريق السلاح.

المبادرة العربية يجب أن تكون دقيقة وواضحة ومبرمجة وفق أولويات ترضي الجميع، لأن الأزمة في لبنان ليست لبنانية بالكامل وبالتالي فإن مخاطر اندلاعها وانفتاحها ستمتد هذه المرة إلى المحيط والجوار ولن تقتصر على مساحة البلد الصغير والجميل كما كان شأنه في العام 1975.

هناك أكثر من 31 سنة تفصل معطيات 1975 عن 2006. وهذه المستجدات يجب أخذها في الاعتبار انطلاقاً من تلك المتغيرات الدولية والإقليمية التي طرأت على المنطقة وأسهمت في إنتاج معادلات رقمية تشبه تلك المتداولة في لبنان.

بين الفشل والنجاح

السؤال كيف ستقرأ جامعة الدول العربية لغة الأرقام وتحولها إلى برنامج سياسي متوازن يأخذ في الاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية؟

المشكلة ليست في السؤال وإنما في تنوع الأجوبة. فهناك قراءات متخالفة للبيئة الدولية/ الإقليمية وليست متوافقة على نهايات واضحة في انتظار الاستراتيجية «الجديدة» التي يقال إن الولايات المتحدة تبحثها ويرجح أن تط رحها الإدارة الأميركية قبل نهاية السنة الميلادية الجارية. فهل تنتظر جامعة الدول العربية نهاية السنة لتتوضح الصورة وتأخذ بإعادة قراءة المبادرة لتتناسب مع المعطيات الدولية (الأميركية) الجديدة أم تبادر الجامعة إلى طرح صيغة مرنة قابلة للنقاش والتعديل بما يتناسب مع الهيكل اللبناني من دون أخذ المتغيرات في الاعتبار؟

مع ذلك تبقى الأجوبة مرتبكة بسبب تنوع مصادرها واختلاف وجهات النظر بها. فهناك فريق لبناني يرى أن هناك فرصة مناسبة لتعديل التوازن المحلي استناداً إلى قراءة تجزم أن الولايات المتحدة هزمت في حربها على أفغانستان والعراق وبالتالي لابد من إعادة رسم خريطة المنطقة وفق توازنات إقليمية جديدة. هذه القراءة قد تكون صحيحة أو مبسطة لكنها تواجه في المقابل قراءة أخرى يقول بها فريق لبناني آخر. والقراءة المخالفة ترى أن الولايات المتحدة فشلت في جانب ولكنها نجحت في زعزعة استقرار المنطقة وخلخلت توازن العلاقات الأهلية ودفعت الطوائف والمذاهب والمناطق إلى حالات من التوتر والاستقطاب والاستنفار. وهذا النوع من الانقسامات الأهلية لا يقتصر على بلد وينعزل عن بلد مجاور وإنما يتشابك ويتداخل ويمتد في الظاهر والباطن من مكان إلى آخر.

المسألة إذاً ليست سطحية ومختلفة في معطياتها عن تلك الأزمة المفتوحة التي اندلعت في الساحة اللبنانية في العام 1975. ومن يراقب الاستقطابات الأهلية الحاصلة الآن في لبنان يكتشف بسهولة اختلافها عن تلك التي ارتسمت معالم صورتها في سبعينات القرن الماضي. في السابق طغى الاستقطاب الطائفي على الانقسامات أما هذه المرة فإن الاستقطاب المذهبي هو الأقوى والمرجح في حال اندفع اللبنانيون إلى نهايات الأزمة.

الاستقطاب المذهبي حساس جداً ويختلف في شروطه وموازينه وتوازناته عن الاستقطاب الطائفي. وهذا ما يفسر تماسك حكومة فؤاد السنيورة وعدم انهيارها على رغم تلك المظاهرات المليونية. فالتشنج الأهلي/ المذهبي أعطى الحكومة قوة شارعية متوازنة منع تفككها بسبب هياج التعادلات المذهبية الممتدة إقليمياً وجوارياً. وهذا أيضاً يعطي صورة سلبية عن تلك القراءات المختلفة بشأن فشل المشروع الأميركي في العراق أو نجاحه. فالفشل كما يبدو يعادل النجاح. والانسحاب يعادل الفراغات الأمنية التي ستشعل المنطقة أهلياً (حريق إقليمي كما قال وزير الدفاع الأميركي الجديد). وهذا يعني أن مسألة الفشل والنجاح تخضع إلى معادلة إقليمية رقمية تشبه تلك السلسلة من الأرقام اللبنانية (19 + 9 + 2 أو 19 + 10 + 1) التي تنتهي دائماً إلى تبسيط للازمة.

ما يحصل في لبنان دقيق للغاية وأخطر من تلك الأرقام الترجيحية (واحد زائد أو واحد ناقص). فالضربات الترجيحية إقليمية ومحلية وليست بعيدة عن متغيرات دولية بدأت تظهر معالمها في المنطقة ولكنها أيضاً تحتاج إلى قراءة دقيقة لمعرفة حدود الفشل الأميركي أو نجاحه في إشعال الأقاليم بحروب أهلية.

حتى الآن لم تتضح معالم مبادرة جامعة الدول العربية وتحتاج إلى وقت لبلورة صورتها. ولكن ما حصل هو الأفضل وهو أحسن من أن تترك الأمور على تقلباتها في شارع محلي متأزم سياسياً وأهلياً ويحتاج إلى مساعدة إقليمية لمنع انهياره وتدهوره

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1558 - الإثنين 11 ديسمبر 2006م الموافق 20 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً