تطوير المسابقة الأولى في البحرين (الدوري العام) في الدرجتين هم وهاجس كل المسئولين والمتابعين والمراقبين والصحافة المحلية والجماهير الكروية بل الرياضية، والكل يطمح أن يكون هذا التطوير نوعياً وبعيداً عن الرتابة والخمول وسوء التخطيط لأن ذلك يبعدنا عن دروب النجاح.
الأسابيع الخمسة الماضية من مباريات دوري كأس خليفة بن سلمان كانت عقيمة في الأداء الفني، وليس فيها ما يذكر، بل أجزم بأنها ميتة ولا حياة فيها إلى درجة نتأسف على حضورنا بعض المباريات التي ابتعدت تماماً عن أبجديات كرة القدم، من خلال «العك» الكروي والأداء، وإن وجدنا ففيها النزر القليل من الأداء غير المقنع قياساً بالمباريات الأخرى.
عدم تطور المستوى الفني لمباريات الدوري له أسبابه الخاصة، وهي واضحة وجلية للعيان، ولا يحتاج إلى فيلسوف لكي يقدم براهينه وليقول بأن الدوري بعيد عن التطوير لأسباب خارجة عن الإرادة، وهذا لا نتفق معه لأنه يصب في نقطة الخيال الوهمي.
هناك أسباب متداخلة بدءا من سوء حال البنية التحتية إلى عدم اهتمام المسئولين في الجهتين الرسميتين بالمؤسسة العامة للشباب والرياضة واتحاد الكرة، مروراً بضعف دور الجمعية العمومية للأندية في اتحاد الكرة، وكأن الأمر لا يعنيها من إبداء الآراء العقلانية والأفكار المبتكرة الجديدة، إلى درجة أن اتحاد الكرة في إحدى جلساته مع أعضاء الأندية طلب منهم مخاطبته بالأفكار والمقترحات التي تقود الاتحاد إلى تطوير المسابقات بحجمها، بما فيها الدوري العام للدرجتين، ولكن للأسف الشديد وخلال الفترة الزمنية الممنوحة للإجابة على طلب الاتحاد، لم يكن هناك سوى نادٍ أو ناديين لا غير، وهذا الدور السلبي له دلالاته بعدم الاهتمام من جهة مباشرة ولها اليد الطولى في ضعف الدوري.
الأمر المهم والسبب الرئيسي وراء ضعف الدوري هي سوء حال البنية التحتية وعدم وجود المنشآت الصالحة للعب عليها من ملاعب مزروعة بشكل جيد والتي هي الأساس الكبير لهذا التطوير ومن غيرها لن تكون هناك أية علامات مستقبلية أو إشارات واضحة لهذا التطوير.
لأنه من غير المنطق أن نطلب من لاعبين حتى لو كانوا موهوبين ومتميزين في مهاراتهم وفكرهم الكروي، أن يقدموا العروض القوية وإبداء التألق المتميز وهم يؤدون تدريباتهم على ملاعب غير صالحة بل مأسوية ومتهالكة، ولا يصح أن توجد في مثل هذا القرن التكنولوجي التقني، خصوصاً مع هطول الأمطار والتي تهرب فيها الأندية التي ليس لها إمكانات إلى ملاعب السلة والطائرة واليد في أرضيتها من «الإسفلت»، وهذا لا يتوافق مع العقل عندما يتدرب على هذه الأرضية ويلعب مبارياته في الدوري على الملعب المزروع الطبيعي.
هذا الأمر يجعل اللاعب خارج السرب ومعدوم التفكير بتشتته الذهني، فيؤثر بشكل كبير على الأداء الفني داخل الملعب. وليس فقط الأرضية لها الدور الكبير في عدم التطوير إنما التوقيت في التدريب المخالف لوقت المباراة، فما بالك بأرضية الملعب المتهالكة.
هذا الأمر السلبي المستمر لن يعطي الإشارات المستقبلية للتطوير مهما يكن من وجود العناصر الموهوبة والمتميزة ذات المهارات العالية، لأن الإحباط هي الأداة القاتلة للمواهب ولنا من الدليل الواضح في ملاعب أندية سترة والشباب والمالكية وغيرها من أندية الدرجة الثانية.
أن أردنا تطوير الدوري فعلياً من خلال التعاقد مع شركة راعية له، فعلينا أن نلزمها عبر المبالغ الكبيرة مقابل الرعاية خلال سنوات العقد، بإنشاء ملاعب صالحة للعب عليها للأندية التي لا تمتلك الملاعب المزروعة بالنجيل الطبيعي، بحيث يكون كل عام ينشأ فيه ملعب لنادٍ من الأندية المحلية المطلوبة. في قبال ذلك، يتم الاتفاق مع جميع الأندية المحلية المنضوية تحت مظلة اتحاد الكرة بأن تتنازل عن حقها من الدخل السنوي لصالح هذه الأندية المحتاجة بصورة فعلية للملاعب المزروعة. هنا فقط نستطيع أن نقول إن الشركة الراعية جاءت من أجل المساهمة لتطوير الدوري وجلب الجماهير للملاعب في تصورنا ان الجوائز الثمينة المرصودة لن تجدي ولن تجلب الجماهير ونحن نعيش مثل هذا الوضع المتردي، هناك أمور وأسباب أخرى ساهمت بشكل مباشر في عدم تطوير الدوري بالإضافة إلى سوء البنية التحتية، ومنها عدم ظهور الفرق بالأداء المقنع خلال المباريات الماضية يقودنا إلى السؤال المهم «أين الخلل؟» هل في الطاقم الفني أم الإداري أم في اللاعبين.
نحن نقول كل هذه الأمور المذكورة آنفاً مسببات لتدهور الأداء الفني، فالجهاز الإداري لابد أن يتسلمه شخص لديه الكفاءة الإدارية بعيداً عن المجاملات في العلاقات الشخصية، وأن تكون لديه الدراية الكافية بالأمور الإدارية وحسن المعاملة مع اللاعبين، ويمتلك القدر الكافي من التعامل في الظروف الصعبة في سبيل إخراج اللاعبين من هذا الوقع، وخصوصاً عندما يكون الفوز كبيراً على إحدى الفرق الكبيرة.
من خلال التهيئة النفسية المناسبة، ونحن نشدد على أن يكون صاحب هذا المنصب أكاديميا ولديه القدرة على فهم ما يحيطه بعيداً عن العصبية، وملما كثيراً بالثقافة لأنها الميزان الكبير في تطوير الفريق.
الأمر الآخر هو أن يكون اختبار الجهاز الفني متلازماً مع الجهاز الإداري واللاعبين، ويتعامل بكل أريحية على أساس الأخوة ومن دون تجريح ولا مفاضلة لاعب على آخر إلا بالتميز.
هذا المدرب يجب أن يمتلك القدرة على القراءة الفنية للمباراة ولفريقه والمنافس، وأن يضع الطريقة السهلة ويكون فيها التنفيذ غير معقد وسلسا.
والعنصر الأهم في التطوير هم اللاعبون أنفسهم فيجب عليهم، وإن كانت الطريقة غير مناسبة، عليهم إبراز قدراتهم الفنية والمهارية من خلال الجماعية داخل الملعب تعويضاً على طريقة اللعب غير المناسبة، ولكن للأسف الشديد لم نر مثل هذا التوجه موجوداً، مع أن معظم الفرق تمتلك أكثر من 6 لاعبين موهوبين ومتميزين بمهاراتهم وقدراتهم الفنية، لكنهم كسولون في إبراز المهارات؛ إذ لا يوجد هناك لاعب سوبر يجلب الجماهير إلى الملاعب، وهذه السلبية لها التأثير الكبير في التدهور لا التطوير.
ضعف الدوري في الأعوام الأخيرة لا يجوز الصد عنه من قبل المسئولين، سواء كان ذلك في المؤسسة العامة أو اتحاد الكرة، ومن واجبهما دراسة الوضع بصورة علمية والوصول إلى الأسباب الحقيقية وهي معروفة وغير خافية على الجميع.
نأمل من الجميع التعاون لوضع التصورات الجذرية لإنقاد الدوري من انهياره
إقرأ أيضا لـ "هادي الموسوي"العدد 1557 - الأحد 10 ديسمبر 2006م الموافق 19 ذي القعدة 1427هـ