على عكس كثير من المتشائمين، والراغبين في التشاؤم والتشاتم، فإنني أرى أن مجلس النواب الجديد سيكون فرصة تاريخية لنبذ الفرقة وتعزيز وحدة الصف وتحمل المسئولية المشتركة لبناء وطن الجميع.
كثير من المراقبين والمحللين يحلو لهم وصف المجلس الجديد بالمجلس الطائفي، متناسين حقيقة أن البحرين تتكون من طائفتين كبيرتين (الشيعة والسنة)، وأن هاتين الطائفتين الكريمتين قد تعايشتا طويلاً ردحاً من الزمن، وصار من الصعب تأليب إحداهما على الأخرى، وحتى لو حدث ذلك على يد فئة مغرضة فإن الله سبحانه وتعالى قد حبا هذه البلاد بعدد كبير من العقلاء الذين يستطيعون تطويق أية أزمة مفتعلة في الوقت المناسب.
ومن دون خوض في صدقية التمثيل لكلا الطائفتين داخل المجلس النيابي، فإن الجميع مطالب بالتعايش مع النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات مع حق الجميع في اتخاذ الإجراءات القانونية وتقديم الطعون والاحتجاجات بحسب القانون، بالإضافة إلى تسجيل تحفظاته التاريخية على هذه الانتخابات ونتائجها. لكننا في جميع الأحوال مطالبون بالعمل على إنجاح التجربة، وإغلاق الباب في وجه المتصيدين والعابثين الذين يريدون إشعال الحرائق وإذكاء روح الفتنة كلما كان ذلك ممكناً، بمناسبة أحياناً ومن دون مناسبة في كثير من الأحيان.
بالنسبة إلي، أعتقد أن توزيع الدوائر الانتخابية لم يكن عادلاً بالمرة، لكنني مع كل ذلك أقول؛ إننا مطالبون بالتعامل مع مجلس النواب الحالي بإيجابية عالية، حتى يكون باباً لتعزيز الثقة وزيادة جرعاتها، فلقد خرجت البلاد حديثاً من أتون معركةٍ حاميةٍ الوطيس، كشر فيها الجميع عن أنياب حادة، وزادها البعض تجريحاً وتلويحاً وأمنيات باشتعال الفتنة.
لكننا تجاوزنا ذلك كله وخرجت البلاد من ثنائية المقاطعة والمشاركة، بل وأصبحت المعارضة جزءاً رئيسياً من النظام الحاكم في البلاد، ذلك أن دخول أكبر الجمعيات السياسية إلى قبة البرلمان بهذا العدد الكبير ( 18 مقعداً نيابياً) يعتبر سابقة كبيرة في حياة البلد، وبكل تأكيد فإن هناك الكثير من الوجوه المتحفزة للانقضاض على التجربة، والسعي إلى تشويه صورة المعارضة ووصفها بأنها معارضة شيعية وطائفية، ومرتبطة بالخارج، وكل الأسطوانات والسيمفونيات المشروخة التي طالما تغنت بها بعض الأقلام والأصوات الموتورة.
لقد دخلت المعارضة السياسية من خلال جمعية الوفاق الوطني الإسلامية إلى البرلمان، وأصبحت شريكاً حقيقياً في النظام، وهي قد لا تستطيع تحريك كل الملفات التي وعدت بها أو ناضلت من أجلها، ذلك أن العمل من خلال المؤسسات يختلف عن العمل من خارجها، لكن القدر المتيقن أنها تستطيع الدفع بعدد من الملفات الساخنة والمؤرقة إلى الحل، ولعل من أبرزها ملف البطالة وملف التمييز في الوظائف والترقيات، وملف التوظيف في الوزارات السيادية، وملف الشهداء وضحايا التعذيب، بالإضافة إلى مراجعة بعض القوانين كقانون مباشرة الحقوق السياسية، وقانون الجمعيات السياسية، وقانون جمعيات المجتمع المدني، وقانون البلديات، وقانون 56.
ومع ذلك نعتقد أن المعارضة ستكون حاضرة ومجتهدة في مناقشة الكثير من القضايا السياسية الأخرى، مثال ذلك التعديلات الدستورية والدوائر الانتخابية، إلاّ أننا نعتقد أن المعارضة ستتناول هذه الملفات بروح هادئة بعيدة عن التشنج والانفعال، لأنها تعرف تمام المعرفة أن هذه الملفات تحتاج إلى التوافق مع السلطة التنفيذية وجلالة الملك أكثر من أية ملفات أخرى.
نعم، المعارضة داخل المجلس النيابي ستفوت الفرصة على كثير من المتربصين الذين ينتظرون لحظة التصادم بين المعارضة والسلطة، حتى يقرعوا طبول الحرب ويبشروا بالانقسام الطائفي الحاد، ويستجلبوا كل الإرث التاريخي والنفخ في الصور وكأن القيامة قد قامت وصار يوم النفير العام.
لكل هؤلاء نقول، إن أمنياتكم ستخيب ولن تتحول البحرين ساحة شبيهة بالساحة العراقية، أو اللبنانية، ولن تنجر المعارضة للتفاهات التي تتهمها هنا وهناك تارة بالعمل وفق الأجندة الإيرانية، وأخرى بالعمل ضمن الأجندة المذهبية والطائفية. لقد عرف شعب البحرين معنى التعايش المشترك، وصار واعياً لهذه الألاعيب التي تحاك في الظلام، وبكل تأكيد فإن جمعية الوفاق بما لديها من رصيد سياسي كبير وتضحيات كبيرة في سبيل إقرار دولة المؤسسات والقانون ستكون صمام أمان يساهم في إنجاح التجربة وإنضاجها.
المجلس الجديد سيكون سياجاً من حديد لهذا الشعب خصوصاً من خلال وجود المعارضة السياسية العاقلة والمحنكة، ومن هنا نريد أن نطمئن الكثير من المشككين الذين يسيئون إلى جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ويتهمونها بعدم امتلاك التجربة والخبرة، أن «الوفاق» ستكتسب هذه الخبرة كما اكتسبها غيرها من قبل، وأنها صاحبة الرصيد السياسي الكبير المرتكز على تيار الانتفاضة المباركة أبان فترة التسعينات، قادرة على أن تمثل شعب البحرين خير تمثيل.
هذه «الوفاق» هي ذاتها التي وقفت طوال السنوات الأربع الماضية ترصد الخروقات السياسية على أكثر من صعيد، وتدير الحراك السياسي والنضال اليومي في كثير من المنعطفات السياسية الصعبة بالتنسيق والتعاون والتكاتف مع غيرها من الجمعيات السياسية في البحرين، وخصوصاً جمعيات التحالف الرباعي، قادرة على التعاطي مع القضايا التي ستطرح تحت قبة البرلمان بروح عالية من المسئولية والتحدي والتحلي بالصبر والحكمة.
إن من المهم أن يتفهم الجميع حاجة البلاد إلى فترة مناسبة لالتقاط الأنفاس، ولتخفيف الضغط عن الناس، حتى يتمكنوا من إعادة ترتيب أولوياتهم ويشعروا بأنهم يعيشون مستقرين في بلد يؤمن أهم احتياجاتهم المعيشية والحياتية. كما أن من المهم أن تتوقف بعض الأقلام المشككة في كل شيء، الباعثة على اليأس والريبة والشك في برامج المعارضة وقدرتها على التعاطي مع الاستحقاق الانتخابي بعقل منفتح، ودون شك فإن المعارضة داخل البرلمان ستكون قادرة على التشاور والتواصل مع المعارضة خارج البرلمان بكل الأطياف السياسية، لتشكل بذلك توازناً فريداً قادراً على تقاسم الأدوار بشكل يحقق مصلحة الوطن والمواطن.
امنحوا الأعضاء الجدد في مجلس النواب الفرصة الكافية للتأقلم مع الأوضاع الجديدة، وامنحوا المعارضة السياسية الفرصة المناسبة لتقدم رؤاها من على منبر البرلمان، راقبوا أداءها، تواصلوا معها، اقتربوا من أفكارها، ثم بعد ذلك اسمحوا لنفسكم بتقييم كل ذلك، فليس من العدل والإنصاف أن تحكموا على المعارضة بالفشل في مهماتها البرلمانية وهي لم تبدأ بعد
إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ