لا تبدو الولايات المتحدة على حال حسن، يعصف بها العراق، وتراجع شعبي كبير عن خيارات الأمس القريب «المحافظين الجدد»، الأميركيون أتاحوا الفرصة لبوش بما يكفي، وبوش نفسه أعطى الشيعة في العراق الفرصة الكافية لتسوية الأمور، إلا أن شيئاً لم يتغير. دفع المحافظون الجدد في واشنطن فاتورة هذه الثقة المفرطة، فلا أقيم «العراق الجديد»، ولا تحقق للولايات المتحدة نصر جديد. الانتخابات الأخيرة أتت لتضع حداً لهذا الاستنزاف في الإمبراطورية، لم يعد الأميركيون يصدقون دعايات التلفزة، أصبحت «BBC» البريطانية أكثر صدقية ودقة. الأميركيون اختاروا العودة لخيار «الحمار» بعد أن أظهر «الفيل» أن وزنه الثقيل، يساوي ذلك ثقل عقله الممل في فهم ما يجري. لم يكن الملف العراقي الوحيد من بين الملفات التي أوقعت بالإمبراطورية في المأزق، الملف الفلسطيني الإسرائيلي، الملف اللبناني، وملفات أخرى في الداخل الأميركي، تتعلق بالحريات التي أصبحت تنتهك داخل الولايات المتحدة باسم «الأمن القومي» تارة، وباسم محاربة الإرهاب تارة أخرى. الدور الأميركي في المنطقة لن ينتهي، والولايات المتحدة التي خسرت أوراقها الدبلوماسية أيضاً (منتدى المستقبل/ الشرق الأوسط الكبير والجديد والأكبر) هي اليوم أمام خيارات مفترق طرق جديدة. تحاول من خلالها إعادة قراءة ملفات الشرق الأوسط جيداً، بما يشمل تفعيل العمل الدبلوماسي بدءاً من إعادة تحريك ملف السلام الفلسطيني الإسرائيلي. يدرك الأميركيون أن سيطرتهم على منطقة الخليج العربي تامة، وأن إيران - مع برنامجها النووي - لا تمثل خطراً فعلياً أو مباشراً على أمن دول الخليج العربية من جهة، ولا على ضرورتها الدينية/ حليفتها «إسرائيل» من جهة أخرى.
يدرك الأميركيون ضرورة تسوية الملف النووي الإيراني، ويطمح الأميركيون إلى ما هو أبعد من ذلك، وهم يدركون الطريق الأقصر إليه، ولا حاجة لهم في دخول حرب مع طهران لجني الأرباح المتوقعة من أحلامهم بسوق استهلاكية واستثمارية كبيرة ستعدل بلا شك مجمل ما يجنونه من دول الخليج كافة. الذي يحتاجه الأميركيون اليوم هي الأفكار، وليست لجنة «بيكر» سوى أولى المحاولات التصحيحية للسياسة الخارجية في واشنطن، بعد أن عانت الخارجية الأميركية من واحدية «مطلقة» من قبل المحافظين الجدد، سببت هذه الرؤية المغلقة والتحليلات الجامدة مآزق دولية للعالم بأسره. لا يحتوي المشهد السياسي اليوم في واشنطن على أي دلالة تذهب إلى انتهاء الفاعلية السياسية للمحافظين الجدد، فمازالت مواقع عدة في البنتاغون مأهولة بهم، وكذلك الحال في حجرات البيت الأبيض. سيبقى «المحافظون الجدد» حاضرين في السياسة الخارجية الأميركية، وتبقى القرارات الأميركية مرتبطة بأفكارهم، ستقل بالتأكيد حدة هذه الأفكار ومركزيتها، لكنها لن تنتهي. التوقيت الحالي بعد فشل الخيارين العسكري والدبلوماسي يفرض على البيت الأبيض معادلة إعادة الاعتبار للدبلوماسية الأميركية، والتي تعاني اليوم من وهن وضعف واضحين.
عادل مرزوق
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ