ها هي «وزارة البلديات» تتجه إلى وجه جديد في التشكيلة الحكومية المرتقبة، وهذا الوجه هو منصور حسن بن رجب الذي ارتأت القيادة السياسية نقله من العمل التشريعي إلى وزارة مهمة، ترتبط بواقع الناس ارتباطاً وثيقاً ومباشراً، وبن رجب هو الوزير الرابع الذي يعين على رأس «البلديات» منذ بداية العهد الإصلاحي، وهذا الرقم الكبير نسبياً في عدد الوزراء خلال فترة قياسية يحمل مؤشرات عدة يجب علينا - حكومة وبرلماناً ومجتمعاً - تحليلها على نحو من الدقة والصراحة.
الوزير الأول في هذه الرباعية كان جواد العريض الذي مثّل في وقتها بوابة مناسبة للحكومة أن تدفعه - وهو الوزير المحنك والمختبر لعقود - ليدير الدفة البلدية بشيء من دكتاتورية العهد السابق وشيء من تطلعات العهد الجديد، ولكن الكرسي سرعان ما انتقل إلى الوزير محمد علي الستري وعلى رغم قوة شخصيته ورغبته في إحداث قدر من الإصلاح فإنه برز للرأي العام بأنه السيف المسلط على رقاب الأعضاء البلديين الخمسين في أكثر من محطة، ومارس - بشهادة بلديين ليسوا قلة - نوعاً من الاستئثار وعدم الوئام مع الزوج الآخر في الأسرة البلدية، غير أن القارب انتقل إلى الوزير علي الصالح الذي شهدت الوزارة في عهده استقراراً محسوداً، وسر ذلك أن الصالح كان ميالاً إلى التوافقية أكثر منه إلى التصادمية.
الوزير بن رجب أمامه مهمة إصلاحية كبيرة، وهو برأيي سيدير وزارة سيادية (حتى لو وضع البعض هذا التوصيف بين هلالين)، وسيادية الوزارة نابعة من أن الناس هم مصدر السلطات التي يمارسونها عبر إيصال ممثليهم الأربعين (...) وبصرف النظر عن اختلاف الآراء بشأن شخصية الوزير الجديد، إلا أنني ولتعاملي المباشر معه أجده من الممكن أن يعطي الشيء الكثير للتجربة البلدية في دورتها الجديدة، لا لأن بن رجب من حملة الدكتوراه أو الشهادات العليا، وإنما لأنه مختلط بالناس اختلاطاً حقيقياً.
ما يبعثني على التفاؤل هو عندما أرى تجمع الأمطار أمام منزل الوزير بن رجب في شارع حيوي يسلكه آلاف المواطنين يومياً، لأقف أمام حقيقة وهي أن بن رجب يلامس عن قرب كم هي رديئة حال البنى التحتية والشوارع والخدمات العامة، وكم يعاني المواطن من واقع خدماتي بائس لم يعد يحتمل البهرجة والتجميل القصري أو القيصري، والوزير إذا أراد إصلاح العمل البلدي من المهم أن يبدأ أولاً بمعالجة القصور في صلاحيات قانون البلديات مع الإشكال القانوني في تفسير بعض مواده في ظل تداخل الصلاحيات مع المجلس النيابي والمحافظات، وكذلك رفع الموازنات الشحيحة للمجالس البلدية، والأهم هو إيقاف العزوف والتجاهل المقصود الذي تمارسه وسائل الإعلام الرسمية وخصوصاً التلفزيون بشكل فاضح عن دعم تجربة المجالس.
الوزير بن رجب من المهم كذلك أن يسعى بتدرج إلى فك هيمنة «وزارة البلديات» على مفاصل العمل البلدي... وعلى مسار موازٍ يجب أن يعمد الوزير الجديد إلى استكمال هيكلة الوضع الإداري في الوزارة من خلال استحداث نظام إداري أكثر فاعلية يتواءم مع تفاعل مكونات البيت البلدي ويكون أكثر قدرة على جودة الانجاز بإيقاع أسرع. التجربة البلدية الأولى في عهد الإصلاح انتهت ولم يشعر المواطن العادي أن ثمة تغييراً حقيقياً لامس مرافقه العامة وبناه التحتية، وهذا يعني أن المواطن لا يصدق أن التجربة كانت ذات مردود مجزٍ، وليوفق الله الوزير بن رجب في تغيير الصورة النمطية التي رسمها الناس عن الوزارة والعمل البلدي، لكن ذلك سيتطلب جهداً استثنائياً
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ