تبدأ اليوم (السبت) التاسع من ديسمبر /كانون الأول القمة السابعة والعشرين لقادة دول مجلس التعاون بالعاصمة السعودية (الرياض) وتستمر حتى يوم غد... فهذه القمة السنوية تنعقد في ظروف حرجة لا سيما وأن هذه المنظومة التي تأسست في مايو/ أيار 1981، وضعت نصب أعينها «مستقبل» هذه المنطقة وشعوبها، لذلك، لاتزال شعوب الخليج تنتظر على مرفأ انطلاق سفينة مجلس التعاون من 27 عاماً في انتظار ثمار أكبر من تلك التي جاد بها المجلس على شعوبه.
المتغيرات كثيرة، ورياح التغيير قادمة، والمستجدات اقليمياً وعالمياً تثير الكثير من الملفات الحساسة، لذلك، عكف وزراء خارجية الدول الست الاعضاء في المجلس باجتماعهم الأخير بمقر الامانة العامة بالرياض على اعداد الملفات السياسية والامنية والاقتصادية التي سيبحثها القادة في قمة الرياض الى جانب استعراض ماتوصلت اليه اللجان الوزارية خلال اجتماعاتها السابقة من توصيات لتضمينها في جدول اعمال القمة وعلى رأسها مكافحة الارهاب وتعزيز التعاون الامني والاوضاع في العراق وفلسطين ولبنان والتسلح النووي الايراني، اذ ستأتي تلك الملفات في مقدمة ملفات القمة الى جانب القضايا الاقتصادية كإنشاء شبكة خطوط سكة حديد تربط دول المجلس، وتطبيق العملة النقدية الخليجية الموحدة المقرر العام 2010.
أين موقع المجلس؟
إذاً، التكتلات تزداد قوة، فأين موقع دول مجلس التعاون مما يحدث على خارطة العالم ومعظم المشروعات المشتركة المزعم عقدها بدت معتثرة ومرتبكة؟ ولعل المتخصصين والمتابعين يستطيعون منحنا إجابات معمقة، فالباحث الإقتصادي البحريني أحمد هاشم اليوشع، يعتقد أن منظومة دول مجلس التعاون قدمت بعض الإنجازات الجيدة دون شك، ويضيف موضحاً «اعتقد ان هناك قرارات مهمة اتخذت ونفذت فعلا، وأريد أن أقول لك شيئاً وهو أن تجربة دول مجلس التعاون هي في الحقيقة من أفضل التجارب على مستوى الوطن العربي والعالم الإسلامي، أي أن مجلس التعاون كمؤسسة اقليمية هي أفضل تجربة، ولا خلاف عليها»، إلا أنه أشار الى أن الإشكال الموجود حالياً هو تفعيل القرارات التي تم اتخاذها. والإشكال في هذا الجانب، يعني نوعاً من التباطؤ تارة والتأجيل تارة أخرى، ولأن هناك اشكالا ضعف الأمانة العامة لمجلس التعاون التي ليس لديها صلاحيات كما هي الأمانة العامة للأتحاد الأوروبي، فهنا المعضلة تصبح أكبر، فأمانة الاتحاد الأوروبي مثلاً لديها سلطة فرض القرار على دول معينة ولهم سلطة على دول، اما نحن في دول الخليج، فالأمانة العامة ضعيفة وكأنما هي وسيط بين الدول فقط لاغير.
وانتقالاً الى موضوع الوحدة النقدية، يرى اليوشع ان الخطوات تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن، هل وتيرة التنفيذ تتم وفقاً لما هو مطلوب ام لا؟ اعتقد اننا في حاجة الى تسريع العملية، وللأسف الشديد، نحن في حاجة ماسة لقرار سياسي على مستوى القمة... لتفعيل القرار، هناك متطلبات مثل الاتحاد الجمركي ثم السوق المشتركة وهاتان النقطتان في حاجة الى قرار سياسي حاسم والا سنأتي العام 2010 ولم ننه المراحل الأساسية للوحدة النقدية.
المجلس حقق «التكامل»!
واذا كانت الأمانة العامة تدرك بأن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة لها، إلا أنها تضع استراتيجية عمل لها صبغة مشتركة بناءً على ما يصدر من القمة من قرارات، حتى وإن تراكمت، ولذلك، يرى أحد الباحثين في الأمانة العامة فضل عدم ذكر اسمه، أن المجلس يعد أحد أبرز التجمعات الاقليمية العربية،وتمثلت الأهداف الرئيسية لمجلس التعاون، في تحقيق التنسيق والترابط والتكامل بين الدول الأعضاء الست.
و تطورت آليات التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجى منذ انشائه فى مايو/ايار 1981 إذ تم التوقيع على الاتفاق الاقتصادي لدول المجلس فى نوفمبر/تشرين الثاني 1981، والذي أرسى قواعد العلاقات الاقتصادية بين الدول الأعضاء، وأنشئت بموجبه منطقة التجارة الحرة بين الدول الأعضاء فى مارس/آذار 1983.
وفي ديسمبر 2001 تم استبدال الاتفاق المذكور، باتفاق اقتصادي جديد، أكثر قدرة على التفاعل مع المستجدات الاقتصادية عالمياً واقليمياً ، إذ لم تقتصر تلك الاتفاقية على الحث على التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء ، بل تعدت ذلك الى تبنى برامج محددة وآليات قابلة للتنفيذ .وقد تجسدت أولى الثمار العملية لتلك الاتفاقية فى الاعلان عن قيام الاتحاد الجمركي.
منطقة جمركية واحدة
ومع بدء العمل عن الاتحاد الجمركي فى يناير/كانون الثاني 2003 ، أصبحت الدول الأعضاء منطقة جمركية واحدة ، تستبعد فيها الرسوم الجمركية واللوائح والاجراءات المقيدة للتبادل التجاري بين الدول الأعضاء مع تطبيق تعريفة جمركية موحدة بواقع 5 في المئة تجاه العالم الخارجي، كما تمنح المنشآت الصناعية بدول مجلس التعاون إعفاء من الرسوم الجمركية على وارداتها من الآلات والمعدات وقطع الغيار والمواد الخام الأولية ونصف المصنعة ومواد التعبئة والتغليف اللازمة للعمليات الانتاجية. ويقوم الاتحاد الجمركي على مبدأ نقطة الدخول الواحدة، ومن ثم يعتبر أي منفذ جمركي لدول المجلس نقطة دخول للبضائع الأجنبية لكل الدول الأعضاء.
وقد تم الاتفاق على الأخذ بمبدأ الاعتراف المتبادل بالمواصفات والمقاييس الوطنية فى دول المجلس وذلك الى أن يتم استكمال لائحة المواصفات الخليجية الموحدة لجميع السلع الوطنية والمستوردة، بما يضمن تسهيل حركة انسياب السلع داخل الاتحاد الجمركي.
لكن، هناك معوقات أساسية!
لكن محدثنا يشير الى أنه من المعوقات التي ظهرت خلال مسيرة مجلس التعاون الخليجى، استحواذ القطاع المالى على الجانب الأكبر من رؤوس أموال المشروعات المشتركة، وهو الأمر الذي لايتفق مع جهود تنويع هيكل الانتاج، فضلاً عن وجود فجوة زمنية كبيرة بين التصديق على عدد من القرارات الاستراتيجية، وبين دخولها حيز التنفيذ، كما عكس التطبيق العملى للاتحاد الجمركى، اصرار بعض الدول على استمرار المطالبة بشهادة المنشأ عند انتقال السلع الوطنية بين الدول الأعضاء، الى جانب عدم اكتفاء بعض الدول بالرسوم الجمركية المستوفاة على السلع الأجنبية عند نقطة الدخول الواحدة ، والمطالبة برسوم أخرى عند دخول تلك السلع لأراضيها، وفى النهاية، فإنه لم يعد أمام دول مجلس التعاون الخليجي فى ظل عصر التكتلات خيار سوى العمل على تعظيم الانجازات المتحققة، ومحاولة تجاوز الاخفاقات، وتلافي المعوقات، من أجل استكمال خطوات التكامل الاقتصادي الخليجى.
الملفات خطرة... والقادم أشد
ويعتقد الكثير من المراقبين الخليجيين أن هناك ملفات خطرة والقادم من الأيام ربما حمل الكثير من تلك المآسي، ولذلك، وفي تصريحات صحافية يرى عضو مجلس الأمة الكويتي يوسف الزلزلة ان المطلوب لنجاح القمة الخليجية القادمة العمل على تحديد الاولويات الخليجية وكيفية تعزيز العمل الخليجي المشترك وإيجاد أجندة عمل مستقبلية، كما أن المطلوب من وزراء خارجية دول المجلس ايجاد استراتيجية مستقبلية لمواجهة التحديات في المنطقة، فالعالم اليوم يعيش تطورات كبيرة وعلى مجلس التعاون الخليجي مواكبة التطورات وتفعيل آليات العمل الخليجي.
ويتفق عدد من الناشطين الخليجيين ومنهم عضو مجلس الأمة الكويتي مشاري العنجري ان القمة تكتسب أهمية قصوى كونها تعقد في ظروف صعبة وتتطلب وقفة حاسمة إزاء إيجاد حلول للقضايا العربية وتعزيز العمل الخليجي المشترك والتركيز على كيفية مواجهة التحديات الاقليمية التي تواجه دول المجلس مشيرا الى أن العراق على شفير حرب طائفية خطيرة قد تمتد إلى خارج حدود العراق وهناك مخاوف من الملف النووي الإيراني والوضع في فلسطين يراوح مكانه باعتبار أن إيجاد إستراتيجية واضحة المعالم سيكون مهما لمواجهة التداعيات الخطيرة التي قد تنجم من توسيع دائرة العنف في العراق وتتجاوز الحدود العراقية.
المطلوب من الدول الخليجية التركيز أكثر على تعزيز التعاون في المجالات الاقتصادية وخصوصا في ما يتعلق بالسوق الخليجية المشتركة خاصةً وأن الشعب الخليجي لديه تطلعات كبيرة في ضوء الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة سواء فيما يتعلق بالوضع في العراق أو فلسطين.
حين تقرأ وجهات نظر المواطن البحريني والخليجي في شأن أدوار مجلس التعاون الخليجي، ستلحظ أن هناك تدرجاً في الصراحة... اذ عادة ما يبدأ الحديث بفصل قصير من المفردات الرنانة من قبيل المصير المشترك ووحدة الدين واللغة والمصالح المشتركة، ليصبح الإيقاع أكثر سخونة مع الحديث عن المنافع التي شعر بها المواطن الخليجي... وليس المقصود بها هنا اليسير الذي تحقق كالتنقل بالبطاقة بين دول المجلس عدا المملكة العربية والسعودية، وايجاد قناة برية للتواصل بين كل دول المجلس عبر جسر الملك فهد، وبعض قرارات غير منظمة تتعلق بانتقال العمالة ومعاملة الخليجيين بالمثل، وبعيداً عن نظام المخالفات المشترك، تبقى الآمال قائمة لا تموت.
فمن وجهة نظره، يعتقد الباحث الأكاديمي يوسف عبدالرحمن المالكي، أن دول الخليج تسير وفق وتيرة بطيئة فيما يتعلق بالمشروعات المشتركة، ولذلك، فإن الكثير منها يتعرض للتجميد، واذا نظرت الى الطموح فستجده كبيراً ومنه الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والمشروعات ذات الطابع التكاملي الاستراتيجي مثل مشروعات الربط الكهربائي والمائي وانشاء سكك حديد، لكن قدم لي مثالاً حياً، هنا... ستجد صعوبة في إثبات ذلك.
زمن الكيانات القوية
ولا يختلف رأي المنسق الإداري بالمحافظة الشمالية سيدجعفر سيدسلمان الحلاي عن الرأي القائل إن منظومة مجلس التعاون هي في الأساس فكرة محورية لإيجاد تكتل قوي في زمن لا تبقى فيها الا الكيانات القوية على الخريطة السياسية، ويعتقد أن البحرين كعضو في مجلس التعاون، ساهمت بفعالية في ضخ أفكار ريادية طوال سنوات المجلس الماضية، ولعلها بذلك تعكس اهتمام القيادة البحرينية وايمانها بدعم هذا الكيان المهم.
ويشير الحلاي أيضاً الى آلية عمل اللجان الوزارية التي تعتبر متقدمة نوعاً ما ويمكن أن نضرب مثلاً باجتماعات لجنة التعاون الأمني ومجلس الدفاع المشترك ونتائج اللجان الوزارية والمختصة ومرئيات الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون بشأن موضوعي المواطنة الخليجية والشراكة الاقتصادية مع دول الجوار.
ويختتم بالقول إن التطلعات المستقبلية قائمة وخصوصاً أن هناك تقريرا شاملا عن مسيرة العمل الخليجي المشترك يركز علي متابعة ما تم انجازه من قرارات بشأن الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي والمشروعات ذات الطابع التكاملي الاستراتيجي مثل مشروعات الربط الكهربائي والمائي وانشاء سكك حديد اضافة الي نتائج اجتماعات لجنة التعاون الامني ومجلس الدفاع المشترك ونتائج اللجان الوزارية والمختصة ومرئيات الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون عن موضوعي المواطنة الخليجية والشراكة الاقتصادية مع دول الجوار الي جانب تطوير التعليم ومناهج التربية الاسلامية والضمان الاجتماعي وقضايا البيئة.
والأهم من ذلك، كما يرى الحلاي، هو السعي لتحقيق المزيد من المشروعات التي ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحياة اليومية للمواطن الخليجي، فلعلنا اليوم من أفضل مناطق العالم من ناحية الأسواق التنافسية وانتاج الغذاء والدواء والسلع الرئيسية وتوفير فرص أكبر لمستويات متقدمة من التعليم والصحة والعلاج والأجور المرتفعة مقابل انخفاض أسعار السلع في الأسواق.
فائض موازنات دول المجلس
في البداية كان طموح المواطنين كبيرا في مجلس التعاون الخليجي، هكذا يرى حسين الماجد (موظف حكومي)... فمنذ أن تأسس سمعنا عن مشاريع لتطوير العلاقات على مستوى الاقتصاد ولكن لم تتحقق هذه الأحلام إذ ظلت كل دولة تغني على ليلاها بمفردها. ويقول الماجد:» بدأت الآمال تتلاشى، ولم نعد نتوقع من مجلس التعاون الخليجي أي شيء، ويبدو أن هذا المجلس لم يكن إلا مسمى تحمله الدول وتنشره في لافتات حين تعقد قمم الخليج وبعد أن يخرج المؤتمرون وهم لا يتفقون على أبسط النقاط يرفع الشعار إلى أجل غير مسمى».
ويواصل «أبسط الطموح الذي يحمله كل مواطن بحريني، هو تحسين الظروف المعيشية، والفرصة مواتية لتحقيق هذا الطموح لأنه بمقدور دول المجلس أن تبرم اتفاقات فيما بينها لتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، وبإمكان هذا المجلس أن يوازن بين تلك الدول التي تشهد فائضا في موازناتها وبين الدول الأقل حظا في الموازنة، وكان بالإمكان إبرام اتفاقات بشأن افتتاح المصانع والمؤسسات الاستثمارية في مختلف الدول الخليجية للقضاء على مشكلات البطالة ورفع معدل الأجور وغيرها من الأمور التي يعاني منها المواطنون».
ويستطرد الماجد «أبسط الطموحات التي كانت مطروحة على الورق هي توحيد العملة الخليجية، وديناميكية تحرك أبناء الخليج في دولهم، ونحن نسمع عن تغيير مسمى المجلس إلى الاتحاد وإن حدث ذلك فإنه لن يغير من أي شيء وستبقى الأوضاع على حالها».
مجلس لا يمتلك الصلاحيات
ويتفق خليل إبراهيم ياسين تماما مع الماجد، ويطلق على مجلس التعاون مسمى «المجلس المعوق» لأنه على حسبه مجلس لا يتمكن من تحقيق أبسط الأمور البديهية، حتى أنه لم يتمكن من عمل أي شيء إبان العدوان على الكويت لولا تدخل الولايات المتحدة لحسم الموضوع. ويقول: «ما نسمع عنه من مشروعات لا يمكن لها أن تتحقق في ظل وجود العقلية المهيمنة على المجلس، لأنه مجلس مقيد لا يمتلك من الصلاحيات إلا الشكليات».
ويؤكد أن «مجلس التعاون الخليجي سيبقى على حاله ولن يتغير، كنا نمني النفس بتوحيد العملة الخليجية، وكنا مجلس تعاون قبل نشوء الاتحاد الأوروبي ولكن الاتحاد الأوروبي استطاع تجاوز الزمان وقفز قفزات نوعية ونحن باقون في محلنا من دون أن نتحرك خطوات إلى الأمام، ربما تحركنا للوراء».
ويشير ياسين إلى أن المواطن العادي كان يطمح إلى تحسين وضعه المعيشي ولكن المجلس خيب الآمال... «نتمنى أن نرى يوما خليجا موحدا تحكمه قوانين واحدة، نشعر فيه على الأقل بأننا أبناء خليج واحد لا يميز فيه بين أبناء تلك الدولة وتلك، فهل يعقل أن يسمى أبناء البحرين بـ (هنود الخليج)»!
ويقول: «دعونا لا نفقد الأمل، فربما نرى هذا الطموح ماثلا أمام عيوننا، ومن يدري ربما نرى اتحاداً مشابهاً إلى الاتحاد الأوروبي في الخليج العربي لأن العوامل في هذه الأرض متوفرة أكثر مما هي متوافرة في الاتحاد الأوروبي».
وينوه ياسين «وقبل كل شيء، لابد أن نتجاوز عقد الحدود والمشكلات الإقليمية، فالغرب خرج بزعمه من الخليج، ولكنه خلّف مشكلة الحدود التي لاتزال قائمة إلى يومنا هذا، فهل سيأتي اليوم الذي نتخلص فيه من هذه العقدة؟»
العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ