تحتفي الأمم المتحدة في 9 ديسمبر/كانون الأول من كل عام بـ «اليوم العالمي لمكافحة الفساد»، و هو يوم تستذكر فيه الدول والمجتمعات والهيئات المعنية ملفات الفساد، تلك الملفات التي طويت في طي التاريخ، وتلك التي لاتزال تستنزف من الشعوب أموالها وحقوقها... وفي هذا اليوم، لاتزال مؤسسات المجتمع المدني والمواطنون يلحون بأسئلة كثيرة: هل هناك فساد مستشر في الدوائر الحكومية؟ أين وصل الفساد؟ وكيف كان أداء مجلس النواب (السابق) في ضبطه؟، وكيف سيتعامل المجلس (الجديد) مع الملف؟ وإذا صح وجود الفساد، فأين يوجد بالضبط ومن المسئول عنه؟ ولربما تكون الإجابة على بعض الأسئلة التي تطرح بقوة بعيدة المنال في الوقت الحاضر، فمن منا يعرف المتنفذين الذين صادروا السواحل والأراضي العامة؟ ومن منا يعرف ما يجري من هدر للأموال العامة في بعض المؤسسات الرسمية؟ ومن منا يمتلك معلومة عن توزيع الثروة الوطنية وأين تذهب؟... لكيلا نذهب بعيدا عن الحدث والحديث، دعونا نستطلع آراء سياسيين ونشطاء سياسيين ونواب.
لعل ما يشغل خلد بعض الساسة والنشطاء الحديث عن المعايير العالمية لتصنيف الدول على قائمة الدول الأكثر فساداً، أو بعبارة أكثر رقة قياس مستوى الفساد إن وجد، وفي هذا السياق يشير النائب السابق محمد آل الشيخ إلى أن هناك معايير عالمية يتم الاعتماد عليها في تصنيف الدول على قائمة الفساد، مشيراً إلى أن «المقاييس تعتمد على الشفافية والمعلومات المتداولة ومصادر هذه البيانات، فهل هي بيانات حكومية فقط أم أنها تعتمد على مؤسسات المجتمع المدني والدراسات؟، وهذه المقاييس هي التي يمكن من خلالها أن نستشف موقع الدولة من مواقع الفساد والضبابية».
نحو تحسين وسائل نشر المعلومة
وعن مكانة البحرين بين قائمة الدول الأكثر فساداً، يرى آل الشيخ «بحسب هذه المقاييس، فالبحرين في رقم متقدم جداً في مقياس الفساد، وكلما حصلت الدولة على رقم متقدم في مراتب الفساد، حصلت تلقائياً على درجة متأخرة جدا في مراتب الضبابية. ولعل هذا يضع على البحرين مسئولية كبيرة أما شعبها، ومسئولية دولية، ومن المفترض على البحرين أن تحسن طرق نشر المعلومات».
ويقول آل الشيخ: «ليدنا حزمة قوانين تعرف بقوانين الشفافية، من ضمنها قانون حق المواطن في الحصول على المعلومة، فمن حق كل مواطن أن يعرف ما يجري، والقانون الآخر هو الرد على خطابات المواطنين في فترة ثلاثة أسابيع أو شهر في أسوأ الحالات.
وهذا القانون حظي بموافقة اللجنة المختصة ولم يرفع إلى الحكومة نظرا لانتهاء دور الانعقاد الأخير، ونتمنى من الإخوة النواب الجدد طرحه في دور الانعقاد الجديد، كما أن هناك قانون حماية من يقرع الجرس، ونعني به حماية المواطن الذي يقوم بالإدلاء بمعلومات حساسة وخطيرة عن المسئولين والمتنفذين... هذه التوليفة تعرف بمنظومة الشفافية، بالتالي على البحرين والسلطة التشريعية معا التأكيد على إصدار هذه التشريعات، واستكمال البنية التشريعية التي يجب على البحرين التصديق عليها، ومن أهمها اتفاق الأمم المتحدة لمكافحة الفساد».
المشروع الإصلاحي كشف الفساد
على الضفة الأخرى، يطرح المحامي محمد المطوع رأيه في مستوى الفساد في مملكة البحرين إذ يقول: «لا يوجد إحصاء دقيق، يمكن من خلاله أن نضع البحرين على مؤشر معين من بين الدول المصنفة على قائمة الفساد، إلا أن مجيء مشروع جلالة الملك الإصلاحي كشف عن وجود فساد كبير مستشر في الدوائر الرسمية».
ويعرج المطوع على دور البرلمان في مراقبة وكشف الفساد، معلقاً «للأسف، البرلمان السابق لم يستطع معالجة هذا الفساد، وهناك أسباب كثيرة نحن لسنا بصدد ذكرها في هذا المقام، ولكن الفساد الذي نتحدث عنه فساد في مواقع حساسة جداً في الدولة، فلدينا التجنيس الذي لا نمتلك بشأنه أرقاماً دقيقة، ولدينا تأشيرات العمال التي تصرف من دون وثائق...».
ويواصل «ونظراً إلى كون مملكة البحرين بلدا صغيرا من حيث المساحة الجغرافية، فإن الفساد الموجود وبهذا الحجم يضع البحرين في رقم متقدم على قائمة الفساد. وإذا تحدثنا عن الطريقة المثلى للتصدي للفساد، فإن مجلس النواب هو الطريق الأنجع لذلك، وهذا يعني أن يكون البرلمان قوي ولديه من الصلاحيات ما يخوله مواجهة الفساد، وذلك يعني وجود برلمان يمثل الشعب ويحمي مكتسباته ويصون حقوقه، لا برلمان يحابي السلطة ويمرر مشروعاتها».
أوجه الفساد المستشري لم تكشف بعد!
ويتطرق المطوع إلى دور البرلمان المقبل في كشف الفساد وضبطه، قائلاً: «إن مجلس النواب المقبل أمامه مسئوليات جسام، فعليه أن يتخذ قرارات مصيرية بشأن الفساد، فلم نعهد في البرلمان السابقة محاسبة الوزراء، صحيح أن البرلمان استجوب الوزراء ووجه لهم الأسئلة، لكن هل تم سحب الثقة من أحدهم أو جرم بالفساد الموجود في دائرته أو وزارته، ونعود مرة أخرى ونؤكد أن ما حدث في المجلس السابق دليل واضح وقاطع على وجود فساد كبير لم يكشف النقاب عنه حتى يومنا هذا، فإذا استطاع برلمان مقيد ذو أغلبية تحابي السلطة أن يتطرق إلى جوانب الفساد فما بالكم ببرلمان قوي ذي سلطة واستقلالية».
وينوه إلى ضرورة إعطاء البرلمان حقه في الرقابة المالية «على اعتبار أن الرقابة المالية هي أحد أهم قنوات الرقابة لدى مجلس النواب، إن لم تكن الأهم، وإذا أبعدنا الرقابة المالية عن البرلمان أبعدنا كثير من المسئولين عن المحاسبة... الرقابة المالية لابد أن تعود إلى البرلمان، فلا يعقل أن تكون السلطة التنفيذية هي الرقيب والمنفذ في الوقت نفسه، والكل يعلم أن أصابع الاتهام كانت موجهة إلى الدوائر الحكومية، فكيف بالسلطة التنفيذية تسحب بساط الرقابة المالية من تحت أقدام النواب؟، وإذا كان هناك تعليل لهذا فهو أن السلطة تريد أن تتكتم على مكامن للفساد لم يكشف عنها بعد، ونحن ندعو مجلس النواب المقبل إلى تحمل المسئولية والاضطلاع بكل أدواره الوطنية ومراقبة الفساد بشتى أنواعه لاسيما الفساد المالي والإداري لحفظ وصون المال العام».
البحرين من أفضل الدول
ويختلف النائب السابق فريد غازي مع المطوع وآل الشيخ، إذ يعتبر أن البحرين أفضل بكثير من غيرها من الدول سواء على مستوى الخليج أو حتى على المستوى العربي، مشيراً إلى أن البحرين تسمح بالحديث عن الفساد المالي والذي يعتبر من المحرمات!
ويقول: «لا توجد دولة في العالم لا يوجد فيها فساد مالي وإداري، هناك فساد مالي في أبسط صوره في الدول الاسكندنافية على سبيل المثال، وذلك لوجود ضمانات عبر أجهزة رقابية متنوعة داخل المؤسسات الحكومية نفسها، ولذلك تتم مراقبة المال العام مراقبة دقيقة».
ويضيف غازي «الرقابة في البحرين تتم عبر وجهتين، السلطة التشريعية، وديوان الرقابة المالية، وإذا ما تحدثنا عن أداء ديوان الرقابة المالية فإن أداءه يعتبر أداءً ممتازاً مقارنة بعمره الزمني ومازال يفتقر إلى بعض الخبرة، وبالتالي لا نستطيع أن نقول إن مستوى الفساد في البحرين هو مستوى عال، نظراً إلى وجود السلطة التشريعية وديوان الرقابة المالية، هذا إذا ما أضفنا ديوان الرقابة الإدارية».
ويعرج على السلطة التشريعية «لقد مارست هذه السلطة دورها من خلال لجان التحقيق، والأسئلة والاستجوابات، ورقابتها للموازنة العامة للدولة... كل أوجه الرقابة لابد من تطويرها لنضمن تقليل الفساد الإداري والمالي. وأعتقد أن كل دولة لها أوجه فساد مختلفة، فهناك دول تسرق فيها مشروعاتها الدولة، وأخرى تسرق فيها أموالا من الخزانة العامة، وهناك دول تسرق فيها أراضيها من قبل متنفذين».
وهل هناك دليل أكبر من ملف سرقة الأراضي؟
ينتقل آل الشيخ في حديثه إلى بعض أوجه الفساد الموجود في أروقة الإدارات والمؤسسات الحكومية وغيرها، قائلاً: «هناك الكثير من أوجه الفساد، وهي موجودة ولا يمكن لأي كان أن ينكرها، وهل هناك دليل أكبر من ملف سرقة الأراضي في البحرين؟ هذه الأرض التي لا تتجاوز في مساحتها 700 كيلومتر مربع، ومعظم أراضيها أملاك خاصة، والغريب أن الكثير من هذه الأراضي من دون وثائق حقيقة، في الوقت نفسه، هناك عدد قليل من المتنفذين يمتلكون هذه الأراضي، حصلوا عليها بطرق ملتوية وغير شرعية».
ويواصل «من الواجب الكشف عن أسماء هؤلاء وإعادة الأراضي للمصلحة العامة، ومن بين هذه الأراضي السواحل العامة التي اختفت من على خريطة البحرين، مع العلم أن القانون المدني يجرم استملاك السواحل... هناك الملف المتعلق بالعمالة السائبة والمسرحة، فعلى رغم محدودية أرض البحرين في مساحتها، فإن هناك ما بين 250 إلى 300 عامل آسيوي من مختلف الجنسيات يسكنون فيها، وهؤلاء نكن لهم كل الاحترام لأنهم قدموا للبحرين للعمل، لكن معظم هذا العدد من دون ترخيص عمل، وهذا الملف يطرح نفسه بقوة، ويمكن أن نحصل فيه على معلومات عن وجود متنفذين في البلاد يمتلكون هذه الأيدي العاملة، كما أن ملف العمالة السائبة يضع اسئلة حتى على الجهات المسئولة، منها وزارة العمل والجهات المسئولة عن إصدار التراخيص».
توزيع الثروة الوطنية... علامة استفهام!
ويتطرق في ثنايا حديثه إلى ما أسماه الفساد في توزيع الثروة الوطنية، منوها بأن البحرين التي لا يتجاوز عدد سكناها 300 ألف نسمة، في الوقت الذي تشهد فيه إقامة مشروعات تجارية، ناهيك عن وجود الثروة النفطية، إلا أن أكثر من نصف السكان يقبعون تحت خط الفقر الذي حدده مركز البحرين للدراسات والبحوث بـ 350 ديناراً لكي يتمكن المواطن من الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات الحياة، وهذا يمثل غياباً كاملاً للاستراتيجيات، ووجود فساد كبير.
في كل بقعة من الأرض، هناك فساد ومفسدون، فهي سليقة البشرية من الأزل، وهو الحظ العاثر الذي يلاحق المستضعفين في الأرض أينما حلوا وذهبوا... هكذا يقول التاريخ، وهذا ما يؤكده الواقع، ولكن يبقى أن تتحرك السلطة التشريعية في اتجاه إيجاد توليفة من القوانين التي تحمي المال العام وتبعده عن مطامع الطامعين الذين وجدوا فيه لقمة سائغة في أيام غياب القانون وسيادة قانون أشبه بقانون الغاب... وعلى السلطة التنفيذية أن تتيح المجال إلى التشريعية لكي تمارس دورها الطبيعي والحقيقي.
ما هو مفهوم الفساد؟
هناك توجهات متنوعة في تعريف الفساد فهناك من يعرفه بأنه وهو خروج عن القانون والنظام (عدم الالتزام بهما) أو استغلال غيابهما من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. وهناك اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته «منظمة الشفافية الدولية» بأنه « كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته «.
وبشكل عام وبالنتيجة فإن الفساد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
ما مظاهر الفساد ؟
تتجلى ظاهرة الفساد بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولون المناصب العامة، وعلى رغم التشابه أحيانا والتداخل فيما بينها إلا انه يمكن إجمالها كما يلي:
- الرشوة (Bribery): أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل او الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للاصول.
- المحسوبية (Nepotism): أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقة…الخ، من دون أن يكونوا مستحقين لها.
-المحاباة (Favoritism): أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة.
-الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لاسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفؤ أو مستحق
- نهب المال العام: أي الحصول على أموال الدولة والتصرف بها من غير وجه حق تحت مسميات مختلفة.
-الابتزاز (Black mailins): أي الحصول على أموال من طرف معين في المجتمع مقابل تنفيذ مصالح مرتبطة بوظيفة الشخص المتصف بالفساد.
ما أسباب تفشي ظاهرة الفساد؟
تتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات بالرغم من وجود شبه إجماع على كون هذه الظاهرة سلوك إنساني سلبي تحركه المصلحة الذاتية، ويمكن إجمال مجموعة من الأسباب العامة لهذه الظاهرة .
وبشكل عام يمكن إجمال هذه الأسباب كمايلي:
- انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة.
- عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية في النظام السياسي وطغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية وهو ما يؤدي إلى الإخلال بمبدأ الرقابة المتبادلة, كما أن ضعف الجهاز القضائي وغياب استقلاليته ونزاهته يعتبر سبباً مشجعاً على الفساد.
- ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها.
- تزداد الفرص لممارسة الفساد في المراحل الانتقالية والفترات التي تشهد تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية ويساعد على ذلك حداثة أو عدم اكتمال البناء المؤسسي والإطار القانوني التي توفر بيئة مناسبة للفاسدين مستغلين ضعف الجهاز الرقابي على الوظائف العامة في هذه المراحل.
- ضعف الإرادة لدى القيادة السياسية لمكافحة الفساد، وذلك بعدم اتخاذ أية إجراءات وقائية أو عقابية جادة بحق عناصر الفساد بسبب انغماسها نفسها او بعض اطرافها في الفساد.
- ضعف وانحسار المرافق والخدمات والمؤسسات العامة التي تخدم المواطنين، مما يشجع على التنافس بين العامة للحصول عليها ويعزز من استعدادهم لسلوك طرق مستقيمة للحصول عليها ويشجع بعض المتمكنين من ممارسة الواسطة والمحسوبية والمحاباة وتقبل الرشوة.
- تدني رواتب العاملين في القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة مما يشكل بيئة ملائمة لقيام بعض العاملين بالبحث عن مصادر مالية أخرى حتى لو كان من خلال الرشوة.
- غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والأهلي والخاص، وهو ما يفتح المجال لممارسة الفساد.
- غياب حرية الأعلام وعدم السماح لها أو للمواطنين بالوصول إلى المعلومات والسجلات العامة، ما يحول دون ممارستهم لدورهم الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة.
- ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها.
- غياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد وتفرض العقوبات على مرتكبيه.
- الأسباب الخارجية للفساد، وهي تنتج عن وجود مصالح وعلاقات تجارية مع شركاء خارجيين أو منتجين من دول اخرى، واستخدام وسائل غير قانونية من قبل شركات خارجية للحصول على امتيازات واحتكارات داخل الدولة، أو قيامها بتصريف بضائع فاسدة
العدد 1555 - الجمعة 08 ديسمبر 2006م الموافق 17 ذي القعدة 1427هـ