العدد 1553 - الأربعاء 06 ديسمبر 2006م الموافق 15 ذي القعدة 1427هـ

«حكاية بحرينية» تختصر قصة جيل عاش لحظات حلم

نبيل عبدالكريم comments [at] alwasatnews.com

.

«حكاية بحرينية» فيلم من إخراج بسام الذواذي وباكورة انتاج “الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي” يعرض الأن في سينما السيف. والشريط الذي يتحدث عن محطة زمنية في تاريخ البلد يعتبر بالمقاييس الفنية نقلة نوعية سواء على مستوى الإنتاج والإخراج والتمثيل والدراما.

يتناول الفيلم قصة حب مغلقة بين شاب تقدمي وفتاة تضج بالحياة وتعيش حلم الزواج من رفيق عمرها. وبسبب التقاليد المتعارف عليها آنذاك تجبر على الزواج من رجل متزوج ولا تحبه ويتعامل معها بقسوة تصل أحياناً إلى حد الوحشية.

الشاب التقدمي (اليساري) يعيش إلى جانب قصة حبه التي قضي عليها قصة نضال مجموعة رفاق يطمحون ببناء غد جميل يتناسب مع الإنسان وحقوقه.

وفي موازاة الشاب والفتاة تتوالى مجموعة قصص في تلك «الحكاية». فهناك الأم المظلومة التي تعيش حياة قهر يومي مع زوج شرس مع أسرته. وهناك الحياة العامة التي يحاول المخرج نقل بعض صورها عن قهوة الحي الشعبي وتجمع الناس بها للاستماع إلى الأغاني والأخبار التي تبثها إذاعة «صوت العرب» من القاهرة.

وهناك السينما التي تعرض الأفلام الهندية وخلافها في صالة تنعدم فيها كل الشروط ولكنها كافية لإثارة المشكلات مع أولاد يريدون دخولها من دون دفع الفلوس. وهناك العلاقة مع البحر وتربية الحمام والتجمعات الأهلية وحفلات الزواج وخلافها.

حاول الفيلم تقديم صورة مصغرة عن حياة عامة كانت تعيشها البحرين في تلك الأيام. واختار المخرج لضبط سياق «الحكاية» ان تكون الفترة بين هزيمة يونيو /حزيران 1967 وسبتمبر /أيلول 1970 حين أعلن عن وفاة الزعيم والقائد جمال عبدالناصر.

اختيار هذه الفترة المحدودة (ثلاث سنوات) جاء موفقاً لأنه يختزل الكثير من تلك التحولات المتسارعة التي شهدها ذاك الجيل الطموح وانكسر فجأة أمام هول الهزيمة وغياب الرمز.

دراما الفيلم ربطت بين السياسة والاجتماع، وبين الحياة اليومية التي تتحكم في لحظاتها مجموعة صور قاسية عن علاقة الرجل بالمرأة والزوج بالزوجة والأب بالابن أو بالبنت وبين تلك الامتدادات الوهمية المتصلة بالخارج من خلال المذياع.

وهذا التفاوت بين الحلم الناصري العربي الكبير الذي دخل كل بيت بحريني من خلال المذياع وبين الحياة القاسية اليومية في بيوت العائلات وعلاقات أهالي الحي يكشف عن تلك المسافة التي تفصل حلم الإنسان عن واقعه. فالواقع انذاك في أسوأ حالاته: مخبرون يسربون الأخبار عن نشاطات القوى التقدمية واليسارية والعروبية. وقوى طموحة تناضل سراً وتعمل على تأسيس اتحاد نقابات لحماية العمال من الفصل والطرد التعسفي. وهذه المطاردة تنتهي بمقتل أحد الشباب وفرار آخر إلى دولة خليجية وفرار الثالث للزواج سراً من حبيبته في القاهرة بعد أن رفض والدها تزويجها بسبب طائفته.

«الحكاية» لا تتحدث عن قصة حب، ولا عن بؤس اجتماعي، ولا عن علاقة الرجل بالمرأة، ولا عن موضوع نضال سياسي وإنما تحاول تقديم لمحة بصرية عن فترة تاريخية تقع بين هزيمة بطل ورحيل رمز. وضمن تلك الأيام تقع الكثير من فصول الحكاية بدءاً من إقدام الزوجة على حرق نفسها وانتهاء بهرب الفتاة من منزل والدها خوفاً على ضياع حبها كما حصل مع شقيقتها.

الشريط قاس في رؤيته لعلاقة الرجل بالمرأة وشقاء الزوجة أو ربة المنزل في تلك الأيام. القساوة فعلاً تشكل نقطة قوة للفيلم ولكنها لا تعطي فكرة حقيقية عن وأقع متشعب في علاقاته الاجتماعية والإنسانية. فظلم الأب أو الزوج أو الرجل عموماً مقابل ضعف المرأة وخوفها وترددها بين القبول بالواقع أو رفضه لا يختصر النموذج وإنما يختزله إلى درجة انعدام وجود الرجل الصالح باستثناء أولئك الشبان الذين يعيشون الحلم أكثر من الواقع.

«حكاية بحرينية» من الأفلام التي تؤكد وجود سينما حقيقية وواعدة. فاختيار المخرج للفترة الزمنية كان موفقاً لأنه أعطى فرصة للدخول في تفصيلات الحياة اليومية للأحياء الشعبية وطرائفها وللسيدات وأدوارهن وللعائلات والشقاء الذي كانت تمر به طبقات اجتماعية فقيرة أو متوسطة الحال، مضافاً إليها تلك اللقطات المضحكة التي ادخلها المخرج في سياق الدراما ليعطي فكرة أخرى عن حياة متعبة ومؤلمة ولكنها تستحق التضحية من اجل تطويرها وخصوصاً عندما ظهر البطل /الرمز من القاهرة ووعد الناس بعهد جديد وغد مشرق. هذا الوعد الذي انتقل إلى كل منزل بالصوت (المذياع) والصورة (صور جمال عبدالناصر) انكسر لحظة الهزيمة وغاب مع رحيل القائد.

ذهاب الحلم شكل العنصر الطارد لتلك الحياة التي كان يعيشها ذاك الجيل. فالام تمردت على الزوج بمساعدة شقيقها. والابنة تمردت على الأب حين رفض تزويجها من الشاب الذي تحب. والشاب التقدمي قرر المغادرة بعد أن أقدمت حبيبته على حرق نفسها. انها قصص في «حكاية بحرينية» وهي في الأخير تتحدث عن جيل عاش لحظات حلم من خلال المخيلة بينما الواقع كان في غاية القساوة بدءاً من العلاقات العامة إلى تفاصيل الحياة

العدد 1553 - الأربعاء 06 ديسمبر 2006م الموافق 15 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً