تسود سوق الهواتف النقالة معركة ضارية من أجل إعادة اقتسام الحصص. وينعكس ذلك على الخدمات التي باتت متوافرة في الهواتف التي وصل بعضها إلى منافسة تلك المتوافرة في الحواسيب الدفترية، وأصبحنا نسمع بالهواتف الذكية، وتلك المنظمة للأنشطة الفردية (PDA).
تحمل كل شركة من هذه الشركات العملاقة والمتنافسة من أمثال نوكيا وأركسون قصصاً طريفة تروي تاريخ تطورها ونجاحاتها.
فلو أخذنا شركة نوكيا على سبيل المثال، سنجد أنها تأسست في العام 1865م، على يد المهندس الفنلندي فريدريك إيدستام على ضفاف نهر نوكيا في فنلندا، إذ اتخذ من هذا النهر اسماً لشركته، التي كانت تصنع الأخشاب والمناديل الورقية.
بعد نحو مئة عام اتحدت هذه الشركة مع شركتين أخريين اتخذتا مكاناً قريباً من مكان شركة نوكيا مقراً لأعمالهما، الأولى كانت «شركة المطاط الفنلندية»، التي ابتدأت أعمالها في العام 1898م، وكانت عبارة عن مصنع ضبانات مطاطية للأحذية، طورت أعمالها لاحقاً لتصنع الأحذية المطاطية وعجلات السيارات، وكل ما يتعلق بالصناعات المطاطية المختلفة، من كرات ولوازم السيارات والمعاطف وغيرها.
أما الشركة الثانية فكانت «الشركة الفنلندية للكيبلات» والتي أسسها في العام 1912م المهندس بيرون ويسترليند، والتي طورت أعمالها لاحقاً بعد اكتشاف الطاقة الكهربائية بشكل واسع، لتعمل في مجال التلغراف والهاتف. وقد أسس ويسترليند في شركته قسماً للإلكترونيات، واتخذ من أجهزة الاتصال مشروعاً لعمله المستقبلي.
في العام 1967م اتفقت الشركات الثلاث على الاتحاد فيما بينها. حملت هذه الشركة الثلاثية اسم «مجموعة شركات نوكيا»، وتم الاتفاق على اختيار بيرون ويسترليند ليكون رئيساً للمجموعة.
واليوم تمتلك «نوكيا» مصانع في أكثر من 12 دولة، ويأتي تصنيفها الثالثة بين أكبر الشركات العالمية، وتبيع منتجاتها في أكثر من 130 دولة حول العالم. تنقسم أعمال الشركة إلى ثلاثة أنشطة مختلفة هي: أجهزة الاتصالات وأنظمتها، أجهزة الهواتف النقالة، وأجهزة الحاسب الآلي ومتفرعاته.
تميزت نوكيا منذ بداياتها الأولى بتركيزها على دوائر البحث والتطوير، والاستثمار في العقول والمواهب، حيث يقال بأن واحداً من كل أربعة موظفين لديها يعمل في الأبحاث والدراسات والتطوير، وكانت تتيح المجال أمام طلبة المدارس للتدرب لديها، وتوظف من ترى فيه نبوغاً. واليوم تمتلك 54 مركزاً متخصصاً للأبحاث والتطوير، تتوزع في 14 بلداً، منتشرة في القارات الأربع، ويعمل فيها أكثر من 20،000 شخص، كما أنها تخصص للبحث والتطوير نسبة تصل إلى نحو 9.6 في المئة من مبيعاتها.
خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، شهدت التكنولوجيا تطوراً هائلاً، وأصاب العالم ركود اقتصادي أصاب كل أنواع الصناعات، ما دفع «نوكيا» إلى تبديل خططها لتواكب هذا التطور، وتتجاوز الأزمة، فكانت أجهزة الهاتف المتحرك هي العصب الأساس والداعم الذي دفع الشركة لتجاوز الأزمة والخروج منها بأرباح جيدة على عكس التوقعات، وفي أيار / مايو من العام 1992م، صنعت نوكيا جهاز 2100 وهو أول جهاز محمول للاتصال عبر الأقمار الاصطناعية. وفي العام الذي تلاه، وضع أول مركز لخدمة الرسائل القصيرة قيد الاستعمال التجاري في شبكات نوكيا الأوروبية، وفي العام نفسه طورت الشركة أول بطاقة مودم في العالم بحجم البطاقة الائتمانية، وبعد سنة وضعت «نوكيا» خططاً لتتمكن من بيع 500 ألف جهاز هاتف.
وفي العام 2004م أعلنت الشركة عن هيكلية تنظيمية جديدة لأعمالها ضمن أربع مجموعات عمل هي: الهواتف المتحركة، الوسائل الإعلامية المتعددة، حلول المؤسسات، والشبكات. كما شمل الهيكل التنظيمي للشركة مجموعتين أفقيتين: عمليات المستهلكين والأسواق، والبرامج التقنية.
وكان للهواتف المتحركة التي أنتجتها الشركة ذات الشاشات الملونة والمزودة بكاميرا فضل كبير في تعزيز نمو أسواق الهواتف المتحركة خلال هذا العام، خصوصاً مع أسعارها التي جاءت في متناول الجميع، وجاء حجم نمو سوق الشركة بنسبة 100 في المئة في أميركا اللاتينية، 33 في المئة في أوروبا والشرق الأوسط وافريقيا، 32 في المئة في الصين، 22 في المئة في أميركا الشمالية و15 في المئة في منطقة آسيا الباسيفيك، مقارنة بالعام 2003م. بفضل تحالفاتها التي نسجتها بذكاء وحكمة تحولت نوكيا، خلال 150 سنة، من مجرد شركة واحدة لصناعة الأخشاب، إلى أكبر شركة في صناعة الهواتف النقالة المتطورة. ونجحت الشركة الثلاثية عبور أوعر الطرق، وتجاوز أشد المنافسات، بفضل جذورها الثلاثية التي أمدتها بالخبرة والقدرة على الصمود
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1553 - الأربعاء 06 ديسمبر 2006م الموافق 15 ذي القعدة 1427هـ