ثمة من يسأل...؟ وجه يافا طفلٌ/ هل الشجر الذابل يزهو؟/ هل تدخل الأرضُ في صورة عذراء؟/ مَنْ هناك يرجّ الشرق؟/ جاء العصف الجميل ولم يأت الخراب الجميل/ صوت شريد...
أدونيس
ثمة أشياء لا يجدينا إصلاحها، أو ترميمها. ينتهي مشهدنا وإياها في قناعة أن يكون تخريبها هو الطريق الأمثل لتحرير صيغة الجمال المفقودة/ المختبئة/ المستترة فيها.
نحن لا ندرك «الخراب» إلا من زاوية أنه «ضد العمران»، وفي هذا «الحصر الضد عمراني» سياق من الواحدية في «المعنى» و«التوظيف»، وهو ما يمسك فضاءات الخراب من أن تنطلق بحرية واتساع مطلوب.
هذه الواحدية في «المعنى»، تعطي صفة «العمران» حسبما نفهمها/ ندركها مجملاً إيجابية زائفة، وأفترض أنها إيجابية في مطلقة لا حد لها، بمعنى أن يكون كل عمران «جميلاً».
يجوز لي أن أعتبر هذه الإيجابية المطلقة في العمران لا تتلاءم مع «سلبية» مستترة قد ينتجها العمران نفسه، فلماذا ننتصر للعمران في مشهد مطلق، على رغم أن من العمران ما بث الخراب في الإنسانية حد الاكتفاء. ولعلي أزعم أن هذا العمران - الذي يحيط بعضه بنا - ليس سوى صورة من صور «السلبية». وعليه، كان الخراب ضد السلبية، أي ضد «العمران السلبي» جميلاً كما أتصوره، وأسعى إلى أن أنتصر له.
فيما هو موجود بين ظهرانينا، عمران زائف، من الثقافة والسياسة والنظم الاجتماعية التي تُصور وتُوجد عبر أوهام كبرى منها: «الأسرة الواحدة، والهدف المشترك الواحد، والبيت الواحد».
أفرز هذا العمران السلبي قشرية حضارية يصورها السطحي منا أننا بها نقفز على المدنية ونتخطاها، في أخطر صورة من الإنسانية المخادعة والزائفة. وأعتقد، وأنتصر إلى أن مجمل هذه الزائفية في الثقافة وما بعدها تحتاج منا إلى نوع من التخريب الإيجابي، فحين يحاصرنا العمران «الفاسد» لابد أن تكون لدينا فضاءات من «الخراب الجميل»، ولو اقتضى ذلك منا، أن نُعَرَفَ من لدن البعض بأننا تخريبيون.
الخراب الذي انتصر له هو خراب هذه «الفوضى» من النظام المستقطع/ الملفق/ المخلوط من تجارب الإنسانية... هو خراب هذه التوليفة من الثقافة التي تقتصر على العرض والإصدار، من دون أن يكون ثمة ما هو ضد العرض وضد الإصدار معاً.
مستويات العمران «السلبي» بين ظهرانينا تعاني حالاً من «التخمة» على مستوى النتائج. هذه التخمة ما لم نفعل خرابنا عليها، سيكون لها أن تكتمل هرماً من التجاوزات التي سيكون من الصعب علينا المساس بها أو تحريكها. هذه الانتقالات السريعة من «الثقافة» بوصفها عملية متحركة إلى «الأسطورة» بوصفها جموداً تأويلياً دائم الظهور top of mind تمثل مكمن الخطر في أن نهمل الانتصار لهذا الخراب، فنفقد بوصلة العمران نفسه، حينها يكون عمراننا ليس أكثر من عمليات تخريب مبتكرة
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1553 - الأربعاء 06 ديسمبر 2006م الموافق 15 ذي القعدة 1427هـ