من حق السادة النواب أن يبرروا تمريرهم قانونا يوفر مزايا لا يحلم بها أي مواطن لا يتجاوز راتبه 200 دينار، وهم كثرٌ في هذا البلد، ولن يعاتبهم أحد على نشاطهم غير المسبوق وصولاتهم وجولاتهم الماراثونية هذه الأيام في المنتديات والندوات والمحاضرات للبحث عمن يستعطفونه لمؤازرتهم في صناديق الاقتراع، ولكن عليهم أن يتذكروا حقيقة خذلانهم لشريحة واسعة من كبار السن ممن تفتت عظامهم وذبلت أجسادهم ولم يجدوا بعد أن تقدم بهم العمر سوى المرارة والحسرة والنسيان.
30 و35 و40 عاما، أرقام يبدو أنهم لم يتذكروها وهم يضغطون على زر الموافقة طواعية ومن دون إملاءات أو ضغوط، لأن من بينهم في الواقع من لم يقض هذه المدة يكابد ويصارع لتوفير لقمة العيش التي بات الحصول عليها عسيرا جدا في هذا الزمان.
لن نجادلهم في الأسباب ولن نحسدهم على ما هم فيه من خير، فهناك كما برّروا دول ديمقراطية عريقة تسبغ من فيض كرمها على اللوردات وأعضاء مجالس العموم، ولكن أين المواطن الكادح الذي يفارق أسرته منذ الصباح ولا يعود إليها إلا بعد توغل الظلام من معادلاتهم الحسابية؟ ألا تكفيهم 7 سنوات للاطلاع على حجم المعاناة التي يعيش تفاصيلها أولئك الذين يجدون أنفسهم مضطرين للاستدانة مع بداية كل شهر؟ ولماذا تمرر كل المشروعات والتشريعات التي تخصهم بلمح البصر فيما تترك قضايا من انتخبوهم في دهاليز التسويف والمماطلة والانشغال في النزاعات التي لا تخلو من روائح فئوية وطائفية؟
أين هي الشعارات الرنانة التي اهتزت لها الجدران إبان الحملات الانتخابية قبل 3 سنوات؟ هل جفت رطوبتها من مكبرات الصوت أو تلاشى حبرها من الأوراق؟ وأين الوعود بالقضاء على البطالة وتوظيف الجامعيين وزحزحة الأزمة الإسكانية خلال 4 سنوات؟ وماذا عن مصير التطمينات بتحسين المستوى المعيشي وتوفير العيش الكريم؟
إذا لم تكن لديهم إجابات كافية تشبع فضول المتصبرين على قهرهم وسخطهم، فمن الأفضل أن يتراجعوا عن تقديم أنفسهم كممثلين عن القواعد الشعبية المتعففة بزهد الحياة، إذ إن رفضهم زيادة رواتبهم تمنعا واستحياء لن يشفع لهم ترك مصير الآلاف على محك فصل تشريعي وحيد، ربما يمضي كالفصول الخريفية الأخرى في أتون الصراعات والتجاذبات التي لا تغني ولا تسمن من جوع.
وليتذكروا في كل يوم يمضي من عطلة رخائهم واستجمامهم، أنهم عندما أصروا على تضمين علاوة الغلاء في الموازنة العامة للدولة، ومارسوا ضغوطا على الحكومة لرصد اعتماد للعامين 2009 و2010، التف حولهم الناس ولم يكن يفصلهم عن الرفع فوق الأكتاف سوى مبادرات أخرى حقيقية تجسد بجلاء الهم الوطني العام المتمثل في تدني مستوى الأجور، وتوسع الفجوة الطبقية، وتفاقم الأزمة الإسكانية.
أما اليوم وهم آمنون مطمئنون على مستقبلهم متناسين كل ما أطلقوه من وعود، عليهم أن يتقبلوا تلقي سهام النقد بجرأة غير اعتيادية، فقد تصيبهم في مواقع غير محصنة ليس لها مصل لتطبيبها أو مصدات دفاعية للحد من تأثيرها، وليبحثوا في معاجم الأعذار ومراجع الإقناع عن عبارات قابلة للترديد على أسماع المقهورين من ضنك العيش.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 2475 - الثلثاء 16 يونيو 2009م الموافق 22 جمادى الآخرة 1430هـ