ولربما يلفت سرد تاريخ تصنيع هذه المعدات الثقيلة، التي لا يتوقف زئيرها على مدى الـ 24 ساعة، نظرنا إلى إجراء نوع من المقاربة أو المقارنة التاريخية بين مستوى الطفرة العمرانية التي نشهدها اليوم، وتلك التي عرفتها أوروبا في مطلع هذا القرن. ومن الطبيعي أن ينعكس العمران والتشييد، أو بالأحرى يعكس، شيئاً من الواقع الثقافي والحضاري التي تمر به منطقة ما.
لكن عودة إلى الحاضر، سنجد أن دولة الإمارات المتحدة، أو بالأحرى إمارة دبي، تستقطب باعتبارها أحد أهم الأسواق الواعدة في قطاع البناء والتشييد، عدداً من المعارض والمؤتمرات التي تجمع أقطاب هذه الصناعة للاطلاع على أحدث التقنيات والمعدات المطروحة في هذا المجال، والخطط المستقبلية لتطوير المعدات، إضافة إلى التحديات التي تفرضها الطفرة العمرانية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً دول الخليج.
وتسعى الشركات الإقليمية والدولية الكبرى لضمان حصتها من الأموال الضخمة التي يجري استثمارها من خلال الحصول على عقود تطوير أحد المشروعات أو تزويدها بالمعدات. ومن أهم المعارض في هذا المجال، معرض الخمسة الكبار، الذي يضم خمسة معارض، ويستقطب سنوياً أكثر من 2000 شركة من 50 دولة مختلفة. ويتزامن مع المعرض عقد مؤتمر الإنشاء الخليجي السنوي، والذي يشمل عدداً من الندوات تتناول المستجدات التقنية وأفضل الممارسات والاتجاهات المستقبلية لقطاعات الألمنيوم والزجاج والعزل الحراري وتقنية الخرسانة والحماية من التآكل والتدفئة والتهوية وتكييف الهواء والحديد. كما يعد معرض «جلف بيد»، والذي يقام في البحرين، من المعارض المهمة في قطاع البناء، حيث يجمع بين أجنحته أكثر معدات البناء تطوراً من حيث القوة والتقنية والأمان.
غير أن هذه السوق لم تعد حكراً على الدول الصناعية المعروفة: أوروبا، الولايات المتحدة واليابان، يقول رئيس مجموعة الواسط للمعدات عبدالقادر محمد العلي: «في مطلع الثمانينات دخلت اليابان إلى سوق إنتاج المعدات الثقيلة، وتلتها الكورية في مطلع التسعينات، والصينية في نهاية التسعينات» أما عن جودة هذه المعدات فيقول العلي: «إن أهم شيء في المعدات هي المكونات، ولقد قامت الشركات الآسيوية بشراء هذه المكونات من الشركات الأوروبية، وصنعت معدات ذات جودة عالية»، ولكن إذا كانت المكونات تصنع في أوروبا فكيف تستطيع الشركات الكورية والصينية المنافسة في الأسعار؟ يقول العلي: «فروق الأسعار ناتجة عن فروق الكلفة، فالشركات الكورية مثلاً استطاعت أن تحافظ على حجم إنتاج كبير، ما قلل من الكلفة، ومشكلة الشركات الأوروبية الحالية هي الكلفة الناتجة عن أجور العمال، ما مكن الشركات الآسيوية من الاستحواذ على أكثر من نصف سوق المعدات».
وسواء أكانت هذه المعدات أوروبية أم أميركية أو آسيوية، فإنها تشهد أفضل أيامها في الوقت الراهن، وسيتواصل هذا الازدهار خلال السنوات المقبلة، كما أن المعدات الهندسية الثقيلة، وعلى رغم ثمنها الذي يعد مرتفعاً في بعض الحالات، تعتبر الجانب الأكثر ضماناً بالنسبة إلى المقاولين، لأنها لا تتأثر بالتذبذبات اليومية لأسعار السوق، كما هو الأمر مع مواد البناء مثل الاسمنت، ولا يتم شراؤها بشكل يومي، لأن عمرها الافتراضي يمتد لعشرات السنين.
وفي زحمة البناء والتعميير وتدوير النقد السائل بشكل أفقي وفي دورة رأس مالية قصيرة، من أجل تحقيق ربح هامشي محدود، تغيب، أو نغيب نحن بشكل واع، عن أذهاننا حقيقة أنه باستثناء ملكية النقد المتحصل من بيع النفط الخام والعقار المشيد والأرض التي تحتضن العقار، لا يملك المواطن الخليجي أياً من عناصر تلك الطفرة: فالنفط تحدد أسعاره الأسواق العالمية، والمعدات نستوردها من الخارج، وبعضها نستأجره، والمواد الخام، بما في ذلك بعض أنواع الأسمنت ترد إلينا من الخارج، وكذلك سائقو تلك المعدات ومشغلوها يفدون إلينا من دول أجنبية. ونكتفي من كل ذلك بدفع الفواتير.
فهل نحن أمام طفرة عمرانية عملاقة تحملها أقدام صلصالية هشة
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1552 - الثلثاء 05 ديسمبر 2006م الموافق 14 ذي القعدة 1427هـ