السنوات الأربع المقبلة يمكن اعتبارها «فرصةً سانحةً» للدفع باتجاه المزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية... فالبحرين أصبح لديها فائض مالي بسبب ازدياد سعر النفط خلال السنوات الثلاث الماضية، ومن المتوقع ان يستمر الفائض في موازنة الحكومة خلال الفترة البرلمانية المقبلة. وكما هي الحال دائماً عندما يتحسن الدخل بسبب النفط، فإن الدوافع نحو الإصلاحات الجذرية تخفّ، وينشغل الجميع بقضايا جانبية... ولكنهم سرعان ما يفاجأون بعد خمس او عشر سنوات بأن الوضع المميز إنما كان مؤقتاً بسبب طفرة نفطية.
الطفرة النفطية رحمة ونقمة... إنها نقمة لأنها توفر المال الكثير الذي يسهل تبذيره من أجل الاستمرار في الوضع السابق من دون دوافع على الأرض نحو إصلاح مستدام. هذه النقمة هي التي لا نود المرور فيها، ونود أن ندخل جانب الرحمة، بحيث تستخدم فوائض الأموال في تطوير البنية التحتية للبلاد وتطوير التعليم والتدريب وتنشيط قطاعات اقتصادية توفر مدخولاً مناسباً للبحرينيين وفي الحد من الظواهر التي تنخر في ثروات البلاد.
الناتج المحلي ازداد خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل ملحوظ، وانعكس هذا النمو على القطاع المصرفي؛ لأن المال سيدخل بطبيعة الحال المصارف... والمصارف ضخت أموالاً كثيرة في مشروعات عقارية؛ لأن العقارات هي الأسرع ربحاً... وتطور قطاع التجزئة لأن القوة الشرائية تزداد مع توافر الفائض المالي. ولكن كل هذه الطفرات مؤقتة سرعان ما تزول مع انخفاض سعر برميل النفط، ومن ثم نلتفت يمنة ويسرة لنجد أن من استحصل الأرباح السريعة اشترى له المزيد من الفلل والمنازل في عواصم عالمية وأخرج المال من الدورة الاقتصادية المحلية.
النمو الحقيقي يكمن في الاستثمار في القطاعات الصناعية عالية التقنية وفي الخدمات النوعية التي تخلق وظائف بمعاشات مجزية للمواطنين، ومثل هذه المشروعات تحتاج الى تشجيع ورؤية استراتيجية بعيدة المدى، بحيث تتكفل الحكومة بتوفير البنى التحتية ووضع الضوابط، بينما يتكفل القطاع الخاص بإدارة الاقتصاد بالاعتماد على المواطنين الذين يوظفون مقابل معاشات تتناسب مع المستوى المعيشي في البحرين (وليس في بنغلاديش). هذا الكلام يبدو قديماً ومكرراً، وقيل كثيراً في السنوات الخمس الماضية، ولكنه بدأ يختفي من الأجندة العامة في الفترة الأخيرة. فمنذ منتصف العام الماضي والاولويات تتبدل، والصرف يزداد هنا وهناك، ولكن عند التمحيص نجد أن الإصلاحات الجذرية اتخذت موقعاً خلفياً.
الآن ومع دخول كتلة المعارضة البرلمان، يمكن للدولة أن تستعين بالجميع للدفع باتجاه إصلاح حقيقي، يرفع من مستوى المعيشة، ويعتمد على المشاركة في صنع القرار، وإدخال القطاع الخاص ضمن ضوابط اقتصاد السوق ومنع الفساد والاحتكار، وتشجيع الاستثمارات في المشروعات التي يبقى خيرها للمواطن على المديين المتوسط والبعيد. الأمر الجميل أننا نستطيع فعل ذلك الآن مع توافر فائض الدخل وإعلان المعارضين استعدادهم للمشاركة الإيجابية في إنجاح الإصلاحات التي كثر الحديث عنها... ولكن سيكون الأمر مختلفاً إذا التهينا بالفائض المالي لتخدير الوضع او الاستمرار على مسار لا يوصلنا الى تنمية مستدامة ومشاركة سياسية فاعلة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1552 - الثلثاء 05 ديسمبر 2006م الموافق 14 ذي القعدة 1427هـ