العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ

الزواج على الطريقة اللبنانية

محمد غانم الرميحي comments [at] alwasatnews.com

يبدو أن اللبنانيين قد سنوا طرقاً جديدة في مراسيم الطلاق والزواج غير مسبوقة، وخصوصاً إذا تدخلت السياسية... هذا إذا تذكرنا القول المشهور لرئيس البرلمان اللبناني نبيه بري قبل أيام وهو في طهران، إذ قال تعليقاً على الفراق بين القوى التي كانت تشكل الحكومة، وخصوصاً فريقه السياسي (أمل) المتحالف مع (حزب الله): «إن الطلاق قد حصل». وفي السياسة لا بد أن نضيف: يحدث طلاق المتحالفين عندما تختلف المصالح، وذلك شيء مقبول ومعقول. إلا أن المشكلة ليست هنا، المشكلة أن الفريق الذي اختار الطلاق (أساسه حزب الله ومن تبعه من أمل أو المحلل المسيحي الجنرال ميشيل عون) أقام تظاهرة كبيرة يوم الجمعة الماضي، وكان المطلب الظاهر لكل هذا الحشد هو «إقامة حكومة وحدة وطنية». يعني بكلام رمزي كما استخدمه رئيس البرلمان هناك رغبة في الزواج من جديد، على أن تكون العصمة هذه المرة في يد الزوجة.

كيف يحدث ذلك؟ الزوجة لها مطالب قد لا تكون مقبولة من الزوج، فالمعارضة ترغب أن تكون هي الأقلية المتحكمة في شأن كل الأمور العامة للدولة، وترغب في تمييع قضية المحكمة الدولية، وترغب بعد ذلك كله أن تقرر من يأتي إلى قصر بعبدا، مقر رئيس الجمهورية، وهو مربط الخيل وأساس كل الشرور. فساكن قصر بعبدا بدأت به المشكلات كلها، عندما جدد للرئيس الحالي الجنرال اميل لحود في أواخر العام 2004 وبعدها كرت سبحة الاغتيالات من جهة في الجانب المعارض لذلك التمديد ظاهراً أو باطناً، وكان على رأس تلك الاغتيالات اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبقية القصة معروفة. فقد دخل لبنان في نفق طويل من الأزمات، كان آخرها الحرب التي علقت بين حزب الله وبين «إسرائيل»، ووقفت الحكومة اللبنانية مدهشة أمام التدمير الضخم الذي حل بلبنان، أرضاً وإنساناً واقتصاداً. قضية التمديد لرئيس الجمهورية اللبنانية في تاريخ لبنان كله، هي قضية كثيراً ما أثارت صراعاً طويلاً بين عشاق الكراسي ومناصريهم، إلى درجة أنه قيل «كل سياسي ماروني يحلم بالرئاسة». وبعض هذا الصراع أدى إلى حروب قصيرة أو طويلة بين اللبنانيين، إلاّ أن الوضع في الحال التي نرصدها هو أكبر وأعمق، يشكل الوضع الراسي رأس الجبل وليس الجبل نفسه. رواسي الجبل في مكان آخر ربما في دمشق وربما في طهران. لو قررت الأكثرية اللبنانية اليوم، أية جماعة المستقبل (الحريري وحلفاؤه من المسحيين والدروز) أن توعز للرئيس السنيورة بالاستقالة، هل تأتي المعارضة لتقول لهذا الفريق: عليكم أن تنضموا إلينا بشروطنا في الحكومة الجديدة؟ وإن رفض هذا الفريق ذلك، تتعطل الدولة اللبنانية ويضيع ما يسميه اللبنانيون الاستقلال الثاني، أما أن يُنصب الجنرال عون، كما يرغب بلهفة في الُسدة الرئاسية الأولى فإن عشمه أقرب ان عشم إبليس في دخول الجنة. لا لأن المعارضة له تأتي من مخالفيه السياسيين، بل تأتي من أطراف أكثرها من حلفائه الحاليين اليوم.

على كل حال، يبدو أن الجنرال قد أدمن الخسارة منذ أن طرد من قصر الرئاسة في العام 1990 بعد تحالفه مع صدام حسين. هو فقط يُستخدم الآن سياسياً، وهو استخدام يرضي غرور العسكري فيه، الذي يريد أن يلعب في السياسة على طريقة التكتيك الحربي.

القضية أبعد كثيراً من كل ذلك، تعطيل المحكمة الدولية هدف يحقق الكثير لأكثر من طرف في لبنان وخارج لبنان، فإنشاء وتفعيل تلك المحكمة يعني أن القوى العالمية وصلت إلى الشرق الأوسط من أجل وضع «قواعد جديدة للعبة»، وهي قواعد لا تناسب كثيرين في المنطقة، أولاً لاحتمال استدعائها مباشرة للوقوف أمام تلك المحكمة الدولية، أو استدعاء عناصر قريبة منها.

وثانياً أن ذلك يخلق سابقة، إذا أضيف إليها سابقة محاكمة أول رئيس عربي هو صدام حسين على ما ارتكبه من جرائم، فإن «ثقافة المحاكمات» يمكن أن تتوسع في المستقبل، وهو أمر سيدفع المتضررين بكل قواهم الواضحة والمستترة من أجل منعها. على الجانب الآخر، فإن عدم خلق بلبلة عميقة في الساحة اللبنانية قد يؤدي إلى أن بعض القوى اللبنانية ان تفرغت إلى الشأن العام، أن تسأل من هو مسبب الدمار والخراب في الحرب الأخيرة، من المسئول عن تلك الخسارة الفادحة؟ فمهمة تغيير الأجندة عن تلك الموضوعات هي مهمة ترتفع في أولويات أجندة المتسببين، وصرف النظر عنها لا تتحقق إلاّ بوضع أجندة أقوى منها وتطغى عليها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد وجد المراقبون سيدة تتحدث على التلفاز اللبناني بعد ظهر يوم الجمعة الماضية، تقول وهي سيدة كبيرة في السن من الجنوب، إن هذه الحكومة (حكومة السنيورة) هي التي هدمت منازلنا في الجنوب، وشتتت رجالنا وحرمتنا من العيش الكريم! من سمع تلك السيدة، وهي بالتأكيد مُصدّقة لما قيل لها، يتبين الأجندة الخفية في الإطاحة بالسؤال الأكبر وهو: من المسئول عن الحرب المدمرة تلك؟ قول السيدة وأمثالها تجعلك تشك في أن من شن الحرب على لبنان هو فؤاد السنيورة وطائراته الحديثة! إذا دخلت الأجندة الخارجية، فإن الصورة تتضح أكثر، فلاشك في أن التحرك جاء بعد لقاء بين رئيس الحكومة العراقية وبين الرئيس الأميركي ليس بعيداً عن بيروت، في عمّان بالأردن، كما أن وزراء خارجية الدول الثماني ومعهم عدد كبير من وزراء خارجية دول شرق أوسطية، اجتمعوا للنظر في ما يعرف بـ «نادي المستقبل»، وهو تجمع من أجل التنمية الديمقراطية، وفي جو سياسي عام يقول إن الولايات المتحدة ليست بصدد الحديث، كما أشيع، مع سورية أو إيران، لبحث أوضاع الإقليم المتفجرة. فليس أفضل من الساحة اللبنانية لإحداث ضجيج كبير يلفت الأنظار إلى قوة وفاعلية اللاعبين الإقليميين. وأن يكون هذا الضجيج باسم «حكومة وحدة وطنية» يشكل فيه بعض الطيف اللبناني المسيحي القشرة، في هذه الحال عون وفرنجية، ليظهر الأمر أن القوى اللبنانية كلها متوافقة مع تلك المطالب. والحقيقة التي يعرفها الجميع أنه بإزالة القشرة تلك، يظهر أن جميع اللب من طيف واحد غالب عليه لون حزبي واحد لا غير. حفلة الزواج اللبنانية إذاً يحضرها عرسان كثيرون، إلاّ أنهم لا يحضرون في صالة الاحتفال بأنفسهم. هم يتابعون الحفلة من بعيد، مباركين للزوجة طلبها العصمة، مصرين عليها أن تفعل ذلك وحتى إن فسد العرس نفسه، إنها بحق حفلة عرس لبنانية بامتياز

إقرأ أيضا لـ "محمد غانم الرميحي"

العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً