بعد أن هدأ غبار الانتخابات، حان وقت مراجعة الحسابات، وخصوصاً لمن لم يتمكن من حجز مقعدٍ له في البرلمان، باعتباره موقعاً لتمثيل فئات الشعب المختلفة. من بين هؤلاء المرأة، لها قضايا وهموم كبيرة، لكن أين من يتمكن من حمل كل هذه القضايا والأثقال؟
قبل أشهر، كتبت متحفظاً على موضوع المترشّحات، ليس تشكيكاً في المرأة وقدراتها، وإنما لمعرفةٍ بالواقع السياسي وخلفيات المجتمع الثقافية، وإيماناً بأن المرأة البحرينية تستحق مترشحاتٍ أكثر واقعيةً وقرباً للمرأة من كثير من المتقدّمات، ليمثلنها تمثيلاً حقيقياً، وهو ما يُقال أيضاً عن أكثر المترشّحين الرجال. فالبحرينية هي أول خليجيةٍ سافرت إلى الخارج لتلقّي التعليم العالي منذ أكثر من نصف قرن، وتحتل اليوم نسبةً كبيرةً من الوظائف في القطاع العام والخاص، فلم يكن النقاش في أصل مسألة الترشّح وإنما من يتقدم لأداء هذه المهمة. فلا يكفي عقد دوراتٍ تدريبيةٍ لـ «تمكين المرأة» حتى تتمكّن المرأة فعلاً من إقناع الجمهور. فمثل هذه الفكرة كانت وراء إحباط الكثيرات، حتى قالت إحداهن: «سقطت الأقنعة... فقد كنت حسنة الظن بمجتمعنا لكن ظني خاب»... وهو ما ينم عن عدم معرفةٍ بالمجتمع الذي تريد تمثيله.
بدايةً لابد من تأكيد أن شعب البحرين لا يعيش عقدةً «جندريةً» كما ذهبت بعض الكتابات، كما أن الشارع البحريني المعروف تاريخياً بتسامحه وانفتاحه، لا يعيش عقدة السفور والحجاب، بدليل التأييد الشعبي الكبير لمترشحة «وعد» حتى من ربّات البيوت... فابحثوا عن الأسباب الحقيقية للفشل بدل الجري وراء الأوهام.
طبعاً هناك أطرافٌ دعت إلى عدم التصويت للنساء، وهناك إشاعاتٌ ورسائل نصية ومنشوراتٌ طعنت في أهليتهن، لكن ليس هذا إلاّ أحد أعراض «الحمّى الانتخابية»، بدليل استخدامها أيضاً ضد المنافسين الرجال.
كان من المتوقع أن يكون رد الفعل بعد ظهور النتائج الأولى عاطفياً، وأسهل طرق الهروب إلقاء اللوم على «العقل الذكوري»، أو اعتبار دخول رجال الدين السبب الوحيد لخسارة المرأة. التحليل الأقرب للصواب أن عدم دخول النساء في تحالفاتٍ سياسيةٍ أسهم في خسارتهن، كما قالت منيرة فخرو، وهو ما حدث للرجال أيضاً، بدليل أن رجال الدين الذين دعمتهم الجمعيات فازوا، بينما فشل من لم يتلقوا دعم الجمعيات.
إحدى إشكالات المترشّحات اعتمادهن الكبير جداً على الدعم والمباركة الرسمية، وهو عاملٌ لا يكفل تأييد الجمهور، إن لم يكن العكس أحياناً. أما الإشكال الآخر فهو أن بعضهن طارئاتٌ على ساحة العمل السياسي العام، وفتح «مجلس» مؤقت للالتقاء بأهالي الدائرة خلال الشهر الأخير لا يعني التأهل إلى دخول معترك السياسة من بابه الأوسع (البرلمان). وهو إشكالٌ - للإنصاف - نجده أيضاً عند الكثير من الرجال «الطارئين» و«المتطفلين».
التأهل الطبيعي للكوادر في التجارب السياسية الناضجة، يتم عن طريق المؤسسات والهياكل الحزبية، إذ يتدرّج الفرد إلى المواقع التمثيلية العليا، وهي عمليةٌ غيرُ مرغوبٍ فيها حتى الآن في بلادنا. وبالمقابل أردنا أن نؤهّل «بعض النساء» لتمثيل «كل النساء» عن طريق «كورسات» سريعة أعدت على عجل.
الدرس الأهم أن البرامج «السريعة» كثيراً ما تفشل في تحقيق الهدف، والدليل هو هذا الفشل الكبير لـ «حركة ترشيح المرأة»، إذ لم تصعد سيدةٌ واحدةٌ إلى الدور الثاني، أما في الدور الأول فكانت نسب «النجاح» تتراوح بين 0.87 و3 و6 بالمئة من الأصوات، والنسبة الأعلى (باستثناء فخرو) لم تتجاوز 35! وهو فشلٌ انعكس على نفسيات الكثيرات، إحباطاً وتذمراً وشكوى مريرة من المجتمع الذي «خيّب» ظنونهن... كأن المطلوب من مجتمع «مسيّس» حتى النخاع، أن يعطي صوته مجاناً من دون سؤال
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ