العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ

معنى خسارة منيرة فخرو

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

لم أجد في تسمية «المرأة الحديد» التي أُطلقت خلال فترة الحملات الانتخابية على العزيزة منيرة فخرو كمترشحة تملك حظوظاً قوية تقربها أكثر من سواها من النساء والرجال لكرسي البرلمان، لم أجد في تلك التسمية ما يعبر عن منيرة سوى كونها شخصية لا تُكسَر حتى في حال الخسران، وهذا لعمري ليس بقليل. لكنني أزعم - في إطار معرفتي بمنيرة وعن منيرة- أن أكثر ما ينطبق على هذه المرأة من تسمية هو المقدامة صاحبة القرار. أما المقدامة/ المقدام فمن أقدم أي شَجُعَ، وأقدم على الشيء أي اجترأ عليه. تاريخ منيرة فخرو الذي نعرفه يجسد شخصية المرأة المقدامة التي تجترئ على الأمر وتخوض غماره. أما صاحبة القرار فصفة ترتبط بالإقدام وتتداخل معها فلا يمكن أن يتصف شخص بصفة «صاحب قرار» ما لم يكن مقداماً. قدرة منيرة فخرو على اتخاذ القرار مرتبطة بما يميزها من إقدام، وهما صفتان نقرأهما في تاريخها الوطني والعلمي والوظيفي وحتى العائلي.

حينما عادت منيرة في الستينات الماضية من دراستها الجامعية في الخارج لتتولى مهمة التعليم هي وزميلاتها ضمن أول دفعة من المعلمات البحرينيات المتخصصات، تبدّى إقدامها في إتباعها أساليب تدريس غير تقليدية لا تقوم على تقديس الكتاب المدرسي ولا تقيد المتعلمة داخل أطر المقرر الضيقة. أقدمت منيرة على تطبيق دروس تقوم أساساً على الحوار والمناقشة مع المتعلمات وتكليفهن بقراءات وأنشطة خارجية. وكان ذلك قراراً جريئاً في وجه جمود العقليات السائدة لدور الهيئة التعليمية وطرقها التقليدية في التدريس.

ثم بان مظهرٌ آخر من مظاهر إقدام هذه الشخصية حين قررت رفع الوعي السياسي لطالباتها فدخلت مع عديد منهن في حوارات سياسية خارج الإطار المدرسي. وأسفرت جهودها عن اقتناع الكثيرات منهن بأهمية المشاركة السياسية للمرأة، فانخرطن في حقل العمل السياسي الذي كان ممنوعاً ومحفوفاً بالمخاطر.

وحينما هبَّ شعب البحرين في انتفاضة مارس/ آذار 1965 أقدمت منيرة وزميلاتها من المعلمات البحرينيات اللاتي يحملن وعياً وحساً وطنياً على كسر المألوف في التزام المعلم بأوامر الإدارة المدرسية وقررن دعوة طالبات المدرسة إلى المشاركة في دعم حركة الاحتجاجات التي عمت الشارع البحريني. وإن نسِيتُ فلن أنسى تقدم منيرة فخرو وحصة الخميري والمرحومة فائقة الزياني نحو المنصة المواجهة لطابور الطالبات واستحواذهن على المذياع. تمكّنت منيرة وزميلاتها من تحويل الإذاعة الصباحية إلى خطبٍ حماسيةٍ دعين فيها الطالبات إلى ضرورة التضامن مع كل فئات الشعب التي تتحرك خارج أسوار المدرسة. كما لا أنسى لحظتها ردة الفعل الإيجابية للطالبات اللواتي تفاعلن مع خطاب معلماتهن وحولن الطابور الصباحي داخل الحرم المدرسي إلى مظاهرة تهتف للوطن.

ولم تُخضع الحياة العائلية ومقتضياتها منيرة التي كانت طموحاتها إلى تحقيق ذاتها أكبر من حدود العائلة الصغيرة ومن الاسم والجاه والثروة. لذلك وفي خطوة لا تجرؤ الكثيرات - في ذلك الزمن - على الإقدام عليها، اتخذت منيرة قرار مغادرة الأسوار التقليدية المحيطة عائلياً بالمرأة، وانطلقت إلى آفاق العمل والتخصص الأكاديمي. نالت الماجستير والدكتوراه ومعهما كانت تحقق هاجسها الدائم في الحضور على الساحة المجتمعية والمشاركة في كل محفل محلي أو إقليمي أو دولي يتناول قضايا الشأن العام وقضايا المرأة. وبمواقفها وآرائها التي كانت تعلنها بجرأتها المعهودة خلقت منيرة اسمها وغدت شخصية وطنية عامة مرموقة ومعروفة بمواقفها وآرائها الوطنية الشجاعة.

خصائص منيرة المقدامة وسمعتها الوطنية هي التي دفعت لجنة العريضة الشعبية العام 1994 إلى الاتصال بها ودعوتها إلى الانضمام إلى اللجنة والمشاركة في أكثر عمل وطني محفوف بالمخاطر حينها. أقدمت منيرة على اتخاذ قرار المشاركة وسعت إلى تضمين نص العريضة نقاطاً عن المرأة البحرينية، كما اضطلعت بمهمة الترويج للجنة على الصعيد الخارجي والدولي. وفي العام 1995 كانت منيرة ضمن فريق نسائي أطلق العريضة النسائية المتضامنة مع مطالب شعب البحرين وحقوقه ووقعت عليها. وحينما مورست الضغوط على الموقّعات بسحب تواقيعهن، كانت منيرة ضمن القلة اللواتي رفضن ذلك ما عرّضها إلى الفصل من عملها كأستاذة في جامعة البحرين.

بعد الانفراج السياسي وإعلان المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، انضمت منيرة إلى جمعية العمل الوطني الديمقراطي لتفعيل دورها السياسي في العهد الجديد، وتبوأت منصب نائب رئيس أول إدارة للجمعية. ومع التزامها بمواقف الجمعية وقراراتها فقد ظلت منيرة تحتفظ ببعض الآراء والمواقف المستقلة الخاصة بها وتعلنها بما عُرف عنها من جرأة وثقة بالنفس. وحينما قررت «وعد» المشاركة في العملية الانتخابية لعضوية نيابي 2006، أقدمت منيرة بكل تاريخها الناصع المشرّف على الترشح ونالت دعماً كبيراً من جمعيتها ومن كل قوى المعارضة، وأهم من ذلك حصدت دعماً منقطع النظير من الناس.

لكن منيرة فخرو خسرت المقعد النيابي، وعن أسباب خسارتها تدور التكهنات: ربما يعود السبب لمن أسمتهم منيرة «طيور الظلام»، ربما كان اختياراً خاطئاً للدائرة الانتخابية، ربما لم يخدمها تحالف «وعد» مع «الوفاق» في بعض مجمعات الدائرة، ربما يكمن السبب في سقف الخطاب الذي أدارت به «وعد» حملاتها الانتخابية. ليكن أحد تلك الأسباب أو لتكن جميعها، المهم أن خسارة منيرة لم ولن تكسرها أو تفتّ من عزمها، وأحسبها ماضية في الإِقدام على كل ما يحقق مبادئها وطموحاتها ولن تتوانَى عن اتخاذ الخطوات التي تؤكد خيارها الوطني.

منيرة لم تخسر بل نحن جميعاً من خسرنا وجود ودور هذه الشخصية الديمقراطية المقدامة صاحبة القرار في موقع اتخاذه. خسرنا تمثيلها للشعب ودفاعها عن حقوقه ومصالحه، خسرنا وجهاً وطنياً وليبرالياً معتدلاً كان يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تجسيد وتأكيد قيم الديمقراطية والمواطنة ومبادئ الدفاع عن الحريات والحقوق. وإني لأحسب أن أكثر طرفين خسرا بخسارة منيرة هما المرأة البحرينية والسلطة البحرينية. أما المرأة فقد خسرت في منيرة صوتاً مدافعاً عن حقوقها في تشريع القوانين المنصفة للمرأة وإرساء سياسات تمكينها وعقد لجان التحقيق في أي تجاوزات مجتمعية ضدها. وأما السلطة فقد خسرت وجهاً نسائياً معروفاً على الصعيد المحلي والعربي والعالمي يشرّف البحرين ويرفع اسمها. والسلطة خسرت وجهاً نسائياً ذا مكانة عائلية واجتماعية ووطنية مرموقة. والسلطة خسرت وجهاً يجمع بين عضوية الجهة الرسمية المعنية بالمرأة وعضوية البرلمان بما يعنيه ذلك من إضافة إلى رصيد المملكة في مجال التوائم بين الدولة والشعب. والسلطة خسرت وجهاً وطنياً أقرب للقيم والمبادئ الليبرالية منها لليسار.

السلطة الرسمية في البحرين هي الخاسر الأكبر بخسارة منيرة فخرو

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً