ما يجري في العراق من قتل وانتقام متبادل بين السنة والشيعة، وما يحصل الآن من تفاعل متسارع الوتيرة في لبنان وما حدث قبل فترة في فلسطين من خلاف وصل إلى حد استخدام السلاح بين حماس وفتح، والتوتر الذي لايزال قائماً بين الطرفين، يثير أكثر من شك وريبة بشأن دور بعض الدوائر الدولية فيما يجري حالياً في المنطقة. وتأتي تصريحات العاهل الأردني الملك عبدالله الذي نقلته الصحف بتاريخ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بشأن احتمال حدوث ثلاثة حروب أهلية في العراق ولبنان وفلسطين لتعزز بقوة التوجسات والشكوك. وقبل الملك الأردني، أشار الشيخ التسخيري بتاريخ 13 سبتمبر/ ايلول الماضي إلى ما أسماه «المؤامرة الكبرى»، التي تهدف إلى إثارة الفتنة بين الشيعة والسنة، ودعا المسئولين الإيرانيين والدول العربية إلى إجهاض هذه الفتنة الجارية في العراق حالياً.
المثير للتساؤل موقف بعض شيوخ الدين من الاحتلال الأميركي للعراق، وخصوصاً في بعض البلدان المجاورة، فبالأمس كانت المنابر تصدح بخطب الجهاد في أفغانستان، حينما كانت تحت نير الاحتلال السوفياتي الشيوعي، وأبواب الجهاد مشرّعة لمن أراد الذهاب لمحاربة الشيوعيين، وصناديق التبرعات لا تفتأ تجمع المال ليل نهار من أجل الجهاد هناك. أما الآن وفي ظل الاحتلال الأميركي، فقد خرست كل هذه الأصوات، فلم يعد يوجد حماسٌ في الدعوة إلى الجهاد في أفغانستان، وتدانت همة أئمة الجماعة في هذه الدول عن دعم حركة طالبان التي سبق أن نالت من الدعم والمساندة الشيء الكثير حينما كانت معاركها منحصرة مع الداخل الأفغاني. هؤلاء الشيوخ الذين لم يسأموا التصدي للاحتلال الشيوعي في الثمانينات، لم يعد مسموحاً لهم دعم حركة طالبان المحسوبة عليهم، وتركوهم لمصيرهم في مواجهة آلة الحرب الأميركية.
لقد حوّل هؤلاء الشيوخ أعينهم المصابة بالحول، والتي لا ترى سوى اتجاها واحدا إلى جهة العراق، فالجهاد في العراق لا يقتصر فقط على الأميركان، بل يشمل حتى الحكومة المنتخبة، لأنها في نظر هؤلاء عميلة للأميركان، ونسي هؤلاء أن رؤيتهم هذه تنطبق بصورة أقوى على حكومة قرضاي في أفغانستان، وقد تنطبق على بعض الحكومات التي يعيش في كنفها هؤلاء، فلماذا يقتصرون في الدعوة إلى الجهاد على العراق دون أفغانستان؟
لا يمكن استبعاد وجود ضوء أخضر لهؤلاء الشيوخ بصورة من الصور من قبل دوائر دولية، لتصدير دعاوى الجهاد في العراق على شاكلة تفجير الأجساد الملغومة في الأسواق وبين تجمعات الفقراء من عمال البناء والعاملين في الأسواق. ولا بأس لدى هذه الدوائر الدولية من التغاضي عن دور هؤلاء مادام مقابل كل مئة عراقي يقتل أميركي واحد فقط، فالصفقة تستحق التصديق عليها لأنهم إذا ما نجحوا في إثارة الفتنة الطائفية، فسيحققون ما عجز الأعداء عن تحقيقه بالحرب والسياسة، والحوادث الأخيرة من تفجيرات همجية وردات فعل اتسمت بالقسوة والعنف، كلها تنذر بأنهم أنجزوا جزءًا من المهمة الصعبة.
كذلك، يوجد غض طرف رسمي في بعض البلدان المجاورة للعراق عن خطابات بعض هؤلاء المشايخ سواء في المساجد أو من خلال مواقعهم الإلكترونية، وهذا مثار للعجب، وخصوصاً أنهم في الوقت الذي يمتدحون جرائم المقبور أبي مصعب الزرقاوي وبقايا أنصار «القاعدة» في العراق علناً، ويترحّمون عليهم، ولا تخلو مقالاتهم والأدبيات التي ينشرونها من تمجيد لممارسات «القاعدة في بلاد الرافدين»، في الوقت نفسه يحرّمون ما تقوم به «القاعدة» في بلدانهم الثرية، ويعتبرون ذلك خروجاً على «ولاة الأمر». أما فلسطين فلا تنال منهم سوى النزر القليل، فلا دعوة إلى الجهاد ولا دعوة إلى جمع المال، والحديث عنها نادر كندرة العقيق الأحمر، بل كثير من هؤلاء وفي مرحلة سابقة وقبل أن يتم اجتياح العراق، حرّموا العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون، واعتبروها إرهاباً مرة، وقتلاً للنفس ورميها في التهلكة مرة أخرى، حتى جلب موقفهم هذا حقد الفلسطينيين عليهم ونقمتهم الشديدة. يبقى أن السؤال الذي قد يقود للإجابة عما يجري، هو: من المستفيد الأول؟ المؤشرات أكثرها تقول إن «إسرائيل» هي المستفيدة الكبرى مما يجري من احتراب وتقطيع لأوصال البلاد، وحوادث ستبعد العراق لمدة طويلة جداً عن تهديد دولة «إسرائيل»
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1551 - الإثنين 04 ديسمبر 2006م الموافق 13 ذي القعدة 1427هـ