لم يكن ما حدث في الجولة الثانية من الانتخابات مستغرباً أو غيرَ متوقع، فالشعور السائد في الأوساط الشعبية منذ فترة هو أن أصوات هنا وهناك ستتدخل لنجدة «الحلفاء» والإطاحة بـ «الخصماء».
إذاً... ما حدث لم يكن خارج دائرة التوقّع، فالصورة كانت واضحةً لمتابعي الساحة السياسية، والعارفين باتجاه الأهواء السياسية وحركة المال السياسي، سواءً اتخذت صورة (خياش عيش)، أو «شيكات»، أو «مكيّفات وأجهزة كهربائية» أو... حتى 10 دنانير نقداً!
المعركة الانتخابية انتهت، فوصل من وصل، وخسر من خسر، و«الغالب بالشر مغلوب»، حتى لو وضع على رأسه ألف غطاء، أو تدثر بألف دثار.
المعركة وضعت أوزارها، وعما قليل سيهدأ غبارها، ولكن سيبقى الناس يفرّقون بين من وصل عن طريق نزيه، ومن وصل عن طريق ملتوٍ معوج. فلا يكفي أن تُذَكِّرَ الناس بعد الصلاة بأن الرسول (ص) لعن الراشي والمرتشي، فتلك حجةٌ عليك حين تقبل لنفسك أن تكون طرفاً ثالثاً في حركة الرشوة السياسية، فالغالب بالرشوة أيضاً مغلوب، في ميزان القيم والمبادئ والأخلاق.
وإذا كان الناس مستعدين لينسوا ويتناسوا، فإنهم لن يغفروا لمن استخدم الأساليب الملتوية لتحريف آرائهم ليحصل على كرسي في البرلمان.
الحياة ليست خطباً حماسية تحثّ الناس على الفضائل، ويكون صاحبها أول من يسقط في الامتحان، وإنما هي مواقف، وفي المواقف تُعرف معادن الرجال.
المعركة انتهت، ولم تكن هناك مفاجآت، حتى خروج «وعد» من دون مقعدٍ لم يكن مفاجأةً، فالكل يعرف ذلك، ويعرف لماذا، وكيف تمّ ذلك. كل أبناء الوطن، من أية طائفةٍ أو منطقةٍ وزقاق، يحبّون أن يصل الممثلون الوطنيون إلى البرلمان ليمثلوهم فعلاً وصدقاً، ولكن مادامت المعادلات السياسية تقضي بخلاف ذلك، فالحكم لله.
من ذا الذي يرفض أن يصل إلى البرلمان مناضلٌ صلبٌ في خريف العمر بعد عقودٍ من النفي رفض تسلّم بيت، ويعطي صوته في المقابل لمن حصل على هدايا «مجاناً» في دور الانعقاد الثالث أو الرابع وهو يدّعي الدفاع عن الفقراء؟
«وعد» خرجت من دون مقعد، ولا تقاس قامات الرجال بالمقاعد، كل مقاعد الدنيا لا تطول قامةَ مناضلٍ شريفٍ غير مستعدٍ للبيع ولا للشراء، أو المتاجرة بحقوق الفقراء.
منيرة فخرو، عبدالرحمن النعيمي، إبراهيم شريف... لم يعرفكم الشعب بغير مواقفكم حين كانت تعزّ المواقف ويقل فيها الرجال. كفاكم أنكم أوصلتم صوتكم إلى جموع البسطاء النائمين، رسالتكم وصلت، من القلب إلى القلب، فنحن شعبٌ بسيطٌ طيبٌ، لا يجيد لغة المناورة واللف والدوران.
رسالتكم وصلت بغير حاجةٍ إلى «شيك» أو (خيشة عيش) أو 10 دنانير... فهذا الشعب أشرف وأكرم وأغلى من أن يُباع ويُشترى في سوق الانتخابات.
لقد وقف معكم المواطن الصادق البسيط، محرقياً كان أم منامياً، رجلاً أم امرأةً... حتى أمي التي لم تدخل جامعةً غير جامعة الحياة ولم تزر أي خيمةٍ انتخابية، كانت تسألني قبل أيام: هل يمكن أن يتركوا منيرة فخرو تفوز؟
عاد الآخرون بالكرسي، مثقلي الظهور بأوزار الشتائم والقذف والتخوين والشحن الطائفي... وعدتم نظيفي السيرة واللسان محملين باحترام الناس. هم يراهنون على الماضي، فليكن رهانكم على المستقبل... حين يستيقظ فجراً بقية النيام
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ