إذ إن الانتخابات الرئاسية تقترب شيئاً فشيئاً، فإن على شعب فنزويللا وجيرانهم أن يجروا مقارنة بين سجل هوغو شافيز وبلاغته الخطابية. ففي العام 1998 استغل شافيز الاستياء الشعبي العام ورشح نفسه للرئاسة على أساس برنامج قوي لمكافحة الفساد وتمكن بذلك من هزيمة حاكم ولاية كارابوبو السابق إنريكيه سالاس رومر، الذي كان مديراً في منتهى المقدرة والكفاءة ولكن كان يُنظر إليه بأنه ينتمي إلى الطبقة المتميزة. وبعد مرور ثماني سنوات تظل وعود شافيز غير متحققة وقد تداعت الديمقراطية مفسحة المجال أمام نظام استبدادي جُعل فيه النظام الانتخابي تحت سيطرته التامة.
يسيطر على آلات التصويت شركة اسمها سمارتماتيك، ولها تاريخ ضبابي. ويتألف المجلس الانتخابي من مجلس إدارة يتألف أعضاؤه من مناصري شافيز. سجل الناخبين لا يمكن الاعتماد عليه: 39000 ناخب أعمارهم تزيد على المئة سنة - ويبدو أن سيدة على قائمة المنتخبين يبلغ عمرها 175 - وهنالك 62 شخصاً يتشاركون بنفس الاسم ونفس تاريخ الولادة.
ونتيجة لتجمع مداخيل بترولية غير مسبوقة وأدنى درجة من الشفافية الحكومية، فقد وصل الفساد في فنزويللا إلى ارتفاع قياسي لم يسبق له مثيل. وبتكبد دين داخلي جديد حصل شافيز على ما يقارب 25 مليار دولار في أموال إضافية تم صرفها على ما يناسب أهواءه. تلك الأموال بالإضافة إلى مبيعات النفط وضعت أكثر من 200 بليون دولاراً في خزائن الحكومة، ولكن هناك أقل القليل من الدلائل على حسن استخدام أي منها في مشروعات أشغال عامة أو برامج اجتماعية فعالة.
الغالبية العظمى من ذلك المال لا يعرف مصيره، وقد بُدد القسم الأعظم منه أو استولى عليه البيروقراطيون وعصابات التجار القراصنة. شافيز يبدد المال في الخارج لامتلاك الأسلحة ولتصدير ثورته التي يدفعها العسكريون ضد أميركا، وفي فنزويللا نفسها ينفقها على الدعايات السياسية وعلى ترويج البرامج الاجتماعية الشعبية القائمة على عطايا مباشرة إلى الفقراء.
منذ العام 2003 التهمت الانفاق والالتزامات المالية الخارجية ما يقارب 30 مليار دولار. فقد اشترت فنزويللا أسلحة من روسيا وإسبانيا وغيرهما من البلدان بقيمة 5 بلايين دولار؛ وأكثر من 3 مليارات في سندات من الأرجنتين، كما أنفقت فنزويللا نحو عشرين مليار دولار في دعم المحروقات ومِنح ووعود ببرامج لبلدان أخرى في المنطقة وبالأخص كوبا وبوليفيا.
إن جهود شافيز غير الموفقة للوقوف في وجه نفوذ الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية لم يكن له من أثر سوى تبديد المال الفنزويللي. فمنذ العام 2000 أخذت فنزويللا بتقديم البترول إلى حكومة كوبا بدعم تبلغ كلفه 2.2 مليار دولار سنوياً. كذلك فإن حملة شافيز غير الناجحة للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي كلف فنزويللا أكثر من بليون دولار في التزامات مالية قطعها للحكومات التي طلب مساعدتها للحصول على المقعد. وقد ركز شافيز إنفاقه الداخلي على تعزيز سلطاته السياسية، وأعطت حكومته مبالغ طائلة من خلال برامج اجتماعية، اسمها مسيونيس، تعطي الفنزويليين الشعور الواهم بالرخاء على حساب البرامج الهيكلية المستدامة على المدى الطويل في حقول التعليم والصحة. وقد أساء شافيز استعمال أموال البنك المركزي الفنزويللي، كما قَبِل تمويلاً خارجياً لحملته الانتخابية ومنح عطاءات حكومية غير تنافسية، وترك شركة البترول التي تملكها الحكومة في حالة تراجع.
الفساد يشمل وزراء حكوميين، وقضاة في المحاكم العليا، ومدراء في المجالس الانتخابية، وحُكّام الولايات، ومحامين حكوميين، وضباطاً عسكريين، وأصحاب المصارف، وصناعيين مؤيدين للحكومة. وهنالك اليوم ما لا يقل عن ثلاث موازنات حكومية متوازية جنباً إلى جنب، وواحدة منها فقط تعتبر رسمية وتخضع لـ»التدقيق» من قبل المجلس الوطني، والذي بدوره يتألف كلياً من أتباع شافيز. أما الموازنتان الأخريان فهما تحت الإشراف المباشر لشافيز نفسه. إن فقدان الشفافية والمحاسبة وغياب الرقابة المؤسسية وضعف من يتولون البيروقراطية في المراكز العليا، كل ذلك أدى إلى درجات عالية من تفشي الفساد.
نتائج هذا الوضع المأسوي واضحة، فعلى الرغم من مداخيل البترول الطائلة تقف فنزويللا اليوم في أسفل سُلم الدول في أميركا اللاتينية. والتصنيفات التي وضعتها منظمات دولية مثل مؤشر الفساد الخاص بمنظمة الشفافية العالمية، وتقرير الحرية الاقتصادية في العالم لمعهد فريزر، ومؤشر التنمية الإنسانية للأمم المتحدة، ومنظمة الأغذية والزراعة الدولية، جميعها تُظهر فنزويللا في وضعٍ متردٍّ.
غوستافو كورونيل
ممثل سابق لفنزويلا في منظمة الشفافية العالمية
والمقال ينشر بالتعاون مع «مصباح الحرية
إقرأ أيضا لـ "مصباح الحرية"العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ