العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ

لبنان بين «العرقنة» والتدويل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

انتقل الآن ميزان التقابل اللبناني من التوازن السلبي إلى التضاد، الأمر الذي يفتح الأزمة على اتجاهات مختلفة. فالقوى المتخاصمة على الدستور وجدت نفسها في مواقع التجاذب (الأهلي المذهبي الطائفي والمناطقي) المعطوف على توترات إقليمية ودولية تحيط بالأزمة وتغذيها بعناصر القوة. وهذا ما دفع بالناس إلى النزول إلى الشارع واستخدامه للضغط لتعديل ميزان التقابل.

قرار النزول إلى الشارع نقل الأزمة إلى مكان آخر وباتت الاطراف تتقابل على موازين قوى مختلفة يرجح أن تضطرب ميدانياً في حال فشلت الاتصالات العربية والدولية في احتواء التفاعلات السلبية.

الأزمة اذاً مفتوحة على أكثر من احتمال وكل السيناريوهات تشير إلى غلبة السلبيات على الايجابيات وخصوصاً بعد صدور ردود فعل دولية وعربية بشأن المستجدات. السعودية مثلاً كررت دعمها لحكومة فؤاد السنيورة معتبرة أن إسقاطها بالقوة تجاوز للخطوط الحمر. مصر أيضاً كررت الموقف نفسه ووجدت في تحريك الشارع خطأ لأنه يستدرج الشارع الآخر للنزول. سورية أخذت الموقف المضاد حين أعلنت تأييدها لمطالب المعارضة ودعمها لتشكيل حكومة وحدة وطنية. أما الدول الكبرى فإنها أشارت إلى دعمها للشرعية اللبنانية وحذرت من الفوضى وزعزعة الاستقرار وتمسكت بتصريحاتها الاعلامية المؤيدة للسيادة والاستقلال.

حتى الآن لم ترتسم معالم الأزمة في شكلها النهائي في اعتبار أن قرار النزول إلى الشارع مضى عليه نحو أربعة أيام وهذا ليس كافياً لرصد التوقعات وتحديد الاحتمالات، ولكن الأيام الأربعة يمكن اعتبارها عينة صغيرة للبناء عليها وتصور مجموعة سيناريوهات بسيطة ومركبة.

السيناريوهات البسيطة تفترض أن يستمر المتظاهرون في اعتصامهم مدة طويلة وكافية لاسقاط حكومة السنيورة سلمياً والبدء في الاستشارات النيابية لتكليف رئيس جديد لتأليف الحكومة. هذا جانب من المربع. الجانب الثاني هو أن يتوقف المتظاهرون عن اعتصامهم بعد فترة وتبدأ الأطراف بالعودة إلى طاولة الحوار للبحث في تشكيل تفاهم على مخرج دستوري للأزمة.

الجانب المقابل عليه أن يتكيف مع الواقع أو يتحرك. وهذا يتطلب منه الاجابة عن الاسئلة وكيف سيتعامل معها وما يفرضه الأمر الواقع ميدانياً من مستجدات. فالحكومة فعلياً أصبحت الآن أمام خيارات دقيقة للخروج من المربع فهي إما أن تستمر على مواقفها المعلنة وتكرار القبول بالشراكة من دون «الثلث المعطل»، وإما الاستقالة وترك الأمور تأخذ مجراها الدستوري وإما الرد على الشارع بالشارع.

الرد على الشارع بالشارع مسألة خطرة ولكنها تعتبر من الاحتمالات الواردة إذا استمر ميزان التقابل يتأرجح بين السلبيات والايجابيات. والاحتمال المذكور أشار إليه الرئيس حسني مبارك وحذر منه لأنه - كما قال - قد يؤدي الى نقطتين: الأولى الفوضى الأمنية وجرجرة لبنان إلى اضطرابات طائفية ومذهبية تسهم في حرقه وتدميره. والثانية تدويل الأزمة اللبنانية ونقلها من إطارها العربي - الاقليمي إلى سياق دولي.

سيناريوهات مركبة

من هذا المعطى النظري يمكن وضع تصورات لسيناريوهات مركبة؛ فهذه السيناريوهات تعتبر الطور الأعلى من الأزمة في حال فشلت الأطراف في التوصل إلى صيغ محلية بسيطة. وكما يبدو من ردود الفعل المعلنة أن القوى المحلية غير مستعدة للتراجع ظناً منها أن كل خطوة إلى الوراء تعتبر في ميزان التعادل هزيمة. ما يسمى بتحالف «8 آذار» يصر على إسقاط الحكومة أو ترحيلها أو استبدالها أو تعديلها وفق صيغة «الثلث المعطل» وبالتالي لا تراجع عن الشارع في حال لم يحقق مطلبه. التراجع عن قرار النزول إلى الشارع يعتبره تحالف «8 آذار» نكسة وهو ليس في وارد القبول بها. في المقابل، تتمسك ما يسمى بقوى «14 آذار» بحقها الدستوري في قيادة الدولة استناداً إلى مجلس النواب وموازين القوى فيه. وبسبب هذا الحق الدستوري رفضت التجاوب سلماً مع الضغوط وبالتالي فمن المستبعد أن تتجاوب مع المطالب بالقوة ومن طريق الشارع.

التوازن السلبي هذا في حال استمر على ما هو عليه سيدفع بالسيناريوهات نحو الانتقال من الصيغ البسيطة إلى الصيغ المركبة. والصيغ المركبة خطرة في كل الحالات والاتجاهات. هناك أولاً فرضية أن ينتقل تحالف «8 آذار» من التحرك السلمي الى التحرك العنيف، وفي حال حصول ذلك يحتمل أن يؤدي إلى توسيع المجابهات وربما اقتحام المرافق والمؤسسات العامة. وهناك ثانياً فرضية أن ينتقل تحالف «14 آذار» من الاستيعاب السلبي للاحتجاجات إلى تحريك الشارع المضاد لتأسيس نوع من التوازن الأهلي الذي يسمح بإعادة التفاوض مع المعارضة.

المسألة في حال وصولها إلى هذا الطور من التقابل ستفتح الأزمة على آفاق خطرة. فاللجوء إلى القوة من طرف «8 آذار» يعني أن هناك صدامات عنيفة ستحصل مع المؤسسة العسكرية المولجة بحماية المرافق العامة، فإذا قررت القوات المسلحة التدخل لممارسة مهماتها فإنها تصبح معرضة للاهتزاز الداخلي بسبب تركيبها الطائفي/ المذهبي وإذا قررت الوقوف على الحياد، فمعنى ذلك أنها فتحت الطريق للشارع المضاد بالنزول بقصد الدفاع والحماية. وهكذا تصبح الأمور عرضة للانقسام نتيجة التجاذبات الأهلية التي أخذت تولد شرارات عنف طائفي/ مذهبي من هنا وهناك.

حتى الآن تبدو الأمور تحت السيطرة ولكن تداعيات الساحة في حال فشلت الاتصالات والوساطات العربية ترجح أن تنزلق القوى البشرية نحو استقطابات سياسية تعتمد على توازنات طائفية ومذهبية موزعة على المحافظات. والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام تشير إلى ظهور تشنجات مضادة في الكثير من المناطق والاحياء. وهذا في حال تفاقم سيولد شرارات لا يستبعد أن تقود البلد إلى توترات خطيرة ذكرها الرئيس مبارك في تصريحه اللافت. فالرئيس المصري حذر من احتمالين: الأول فوضى أمنية تقوض البلد وتحرقه. والثاني استقطابات أهلية محلية وإقليمية قد تؤدي إلى تطييف الحرب وتدويلها.

موضوع التدويل يعتبر أهم إشارة ذكرها الرئيس مبارك في تصريحه. وهذا الأمر خطر ولكنه ليس مستبعداً في حال استقرت العلاقات الأهلية على فوضى أمنية عارمة. ولكن التدويل درجة عليا من التأزم ولا يمكن الوصول إليها من دون مقدمات أهلية وإقليمية تشكل ذريعة كافية للتدخل الدولي على غرار ما حصل في تسعينات القرن الماضي في البوسنة وكوسوفو وصربيا وكرواتيا (يوغسلافيا سابقاً).

لبنان إذاً في وضع خطير للغاية والمسألة تجاوزت حدود تشكيل حكومة وطنية والتمسك بالصيغة الحالية للحكومة. فما يحصل أكبر من لبنان وأوسع من حجمه الجغرافي. وهذا البلد بات الآن محكوماً بخيار من اثنين: إعادة تأسيس دولة ضمن شروط ديمغرافية (سكانية) ثقافية جديدة، أو تركه ساحة مفتوحة ومكشوفة تستقطب كل الصراعات الدولية والاقليمية الموجودة في المنطقة.

الحال الأولى تتطلب سلسلة تدخلات إقليمية مدعومة دولياً للضغط على التحالفات (8 و14 آذار) لإعادة تركيب دولة متجانسة مع التوازنات الأهلية.

والحال الثانية تفترض ترك لبنان ساحة مفتوحة تجذب إلى داخلها القوى المتصادمة دولياً من الأقاليم المجاورة إلى البلد الصغير والجميل لتتقاتل على أرضه وصولاً إلى نجاح طرف في فرض شروطه على الآخر.

ميزان التقابل اللبناني انتقل الآن من التوازن السلبي إلى التضاد المفتوح على احتمالات مختلفة منها يعتمد الحلول الداخلية البسيطة ومنها يدفع باتجاه حلول تتراوح بين الاقتتال الأهلي (نموذج العرقنة) أو التدويل المصحوب بتدخلات إقليمية خارجية وعربية (نموذج يوغسلافيا). وقبل أن نصل إلى هذه الاحتمالات المرجحة لا بأس من مراقبة الشارع وتحركه بين تشنجات مضادة ومؤسسة عسكرية لاتزال حتى الآن تلتزم سياسة الحياد والتفرج

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1550 - الأحد 03 ديسمبر 2006م الموافق 12 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً