في الوقت الذي شهدت بيروت مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف من اللبنانيين لإسقاط حكومة السنيورة المدعومة من أميركا وبريطانيا وفرنسا، نقل تقرير لوكالة «رويترز» أمس جانباً من المشهد اللبناني العجيب، إذ قدّمت الفنانة فيروز العرض الأول من مسرحيتها «صح النوم».
المسرحية عرضت على مسرح «البيال» وسط بيروت، وحضرها نحو خمسة آلاف متفرج، ومع أنها لا ترتبط بحقبةٍ معينةٍ من تاريخ لبنان، إلا أنها لم تخلُ من إسقاطات سياسية معاصرة، فالوالي يردّد السيمفونية العربية الخالدة، حين يردّ على الاحتجاجات وهو يفتل شاربه بقوله: «الشعب له الحق في فتح فمه... والدولة لها الحق أن تقفل أذنيها»!
المسرحية تأجّل عرضها على المدرّجات الرومانية التاريخية في مدينة بعلبك بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان في يوليو/ تموز الماضي، ولكن المشرف على المسرحية أعلن أنها لن تؤجل هذه المرة «إلاّ بإنزالٍ إسرائيلي على مسرح البيال»!
فيروز التي تعتبر فنانة الوطن التي يبث أغانيها مختلف الفرقاء اللبنانيين (ربما باستثناء «المنار»)، غابت عن المسرح لأكثر من ثلاثين عاماً، ولكنها عادت أمس لتطلق صرخةً في وجه الظلم والبيروقراطية والفساد الإداري، ضمن قالبٍ مسرحي يحمل نقداً سياسياً للحاكم المستبد في الشرق.
التقرير أشار إلى أن عدداً قليلاً من المقاعد كانت فارغة، ومن بينها مقاعد خصصت لوزراء ومسئولين سياسيين، ربما كانوا محاصرين في السراي الكبير مع الرئيس السنيورة.
الصحف اللبنانية تناولت الحدث كلٌ من زاويتها الخاصة، فكتبت صحيفة «الأخبار» (حزب الله) المعارضة في صفحتها الأولى «فيروز تصرخ مع المعتصمين: يا سيد الولاية فليت وتركتنا»، بينما قالت «الديار»: «فيروز في البيال هزمت بصوتها الحاكم المستبد». أما «النهار» (المؤيّدة للحكومة الحالية) فذهبت من جانبها إلى القول إن «فيروز خرقت حصار المدينة»... بينما عنونت «السفير»: «صح النوم مع فيروز رغم الأزمة».
«السفير» طبعاً لها منزلة خاصة، لما تمثله من «ضمير العروبة» في لبنان، فكلما مرّ لبنان بعاصفةٍ أو هزّةٍ أو زلزال، يتطلّع القارئ العربي إلى ما ستطرحه من رأي. وعن مظاهرات الجمعة، التي عكست انشقاقاً داخلياً كبيراً في لبنان، كتبت على الصفحة الأولى «المعارضة تحاصر بجماهيرها حكومة الأزمة». وتحدّث طلال سلمان عن «المشهد الديمقراطي في مواجهة الدول»، أشار فيه إلى المفارقة المفزعة بدلالاتها «في مشهد الحشد الشعبي الأسطوري الذي فاضت به ساحات بيروت وشوارعها، من طوفان جماهيري لم يسبق للبنان أن عرف له مثيلاً، رافعاً شعار تغيير الحكومة البتراء التي باتت عنواناً للأزمة».
وأشار سلمان إلى أنه «بموازاة هذا المشهد الديمقراطي كانت (الدول) جميعاً، تتحرك تحت قيادة الإدارة الأميركية لحماية (الحكومة الدستورية) والرئيس السنيورة بوصفه (رجل الدولة) وحارس الشرعية والدستور في لبنان». وأضاف أن اللبنانيين لا ينتظرون من الإدارة الأميركية إلا تحريض بعضهم على بعض، فهم يحفظون دورها المباشر في الحرب الإسرائيلية على بلدهم، وما جرى من محاولة لسحب جماعة 14 آذار بعيداً عن المقاومة وتحريضهم عليها.
العرب يراقبون المشهد اللبناني المتحرّك عن بعد، الشعوب تراقب ويدها على قلبها خوفاً على لبنان، أما «الدول» العربية فتتدخّل على طريقة الوالي الذي لا يجلس لحل مشكلات الناس إلاّ مرةً في الشهر: «الدولة لها الحق أن تقفل أذنيها»، بينما فيروز التي عادت إلى المسرح بعد ثلاثين عاماً لتطلق صرخةً ضد الظلم والفساد، فقد حسمت أمرها مع خيار الشعب، إذ تقول «إن حب الناس يحرس الناس»... فهل سنرى فيروز بعد اليوم على «المنار»؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ