العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ

عندما تعاكس ساتورن وجوبيتر فوق لبنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مع نهاية كل عام ميلادي يبدأ المنجمون اللبنانيون بالظهور على شاشات التلفزة والفضائيات لكشف «أسرار الكون» و»أنباء الفلك». ومع مطلع شهر ديسمبر/ كانون الأول تأخذ التوقعات طريقها إلى النشر حاملة معها أخبار السنة المقبلة.

في العام الماضي عقدت عالمة الفلك المشهورة ماغي فرح جلسة مفتوحة في محطة أرضية/ فضائية لبنانية وبدأت بكشف أنباء سنة 2006. قالت ماغي للحضور ستكون «من أصعب سنوات المخاض». وأضافت «لا أبالغ إذا قلت إن هذه السنة هي الأقسى في هذه الحقبة التاريخية». اندهش الجمهور من كلام ماغي معتبراً أن توقعاتها فيها الكثير من المبالغة لان لبنان مرت عليه أقسى الأيام ومن الصعب توقع الأسوأ منها. ردت ماغي باًن المقبل من الأيام سيكون الأصعب وهذا ليس حدسها فهي ليست منجمة أو عرافة وإنما عالمة في لغة الفلك. وأخبار الفلك تشير إلى وجود نزاعات قوية تشبه تلك التي مر بها لبنان في العامين 1975 أو 1982. ففي 1975 اندلعت الحرب الأهلية وفي 1982 احتلت «إسرائيل» لبنان ودمرته.

اندهش الحاضرون من هذه التوقعات، وخصوصاً أن ماغي وضعت اللبنانيين أمام خيارين: اما الحرب الأهلية أو تكرار العدوان الإسرائيلي.

رد أحد الحاضرين عليها بالقول: هل بإمكان لبنان أن يتحمل المزيد من الاقتتال أو الحروب. فما مرّ عليه لن يعود ولا أمل له بالتكرار.

ردت ماغي بالتأكيد أن هذا ليس رأيها وانما هي أنباء الفلك فهي مجرد ناقل ولا تضيف على الأخبار من عندها. فهي كما ذكرت تتمنى ألا تقع الحوادث ولكن القدر الفلكي لا تستطيع التحكم به. فهذه أخبار الكواكب لا أخبارها.

وبسبب عناد الجمهور ورفضه لتقبل فكرة الكوارث أخذت ماغي بشرح نظريتها الفلكية فأشارت إلى وجود معاكسة بين كوكب ساتورن (زحل) الذي يمثل السلطة والطموح ويحمل تأثيرات (ذبذبات) سلبية وبين كوكب جوبيتر (المشتري) الذي يمثل العدالة والقانون ويحمل تأثيرات (ذبذبات) إيجابية. وحين يواجه ساتورن جوبيتر تبدأ معركة جاذبية (سلبية إيجابية) بينهما تترك تأثيراتها على الكوكب الأرضي فتظهر الخصومات والنزاعات وحالات من العنف ويتوسع التعصب وتنتشر الأمراض والأخطار الكيماوية ويعم الحزن العام والتوتر والثورات والاغتيالات والحروب والعصيان المدني والفيضانات والزلازل وغيرها من شئون وشجون.

اللقاء بين الكوكبين الجبارين يشكل طالعاً فلكياً بحسب فلسفة ماغي يترجم على الأرض «عادة بانقلابات كثيرة» بسبب ذاك التنافر والتجاذب والمواجهة بينهما. فالأول (ساتورن) يدفع باتجاه التحطيم والهدم والثاني (جوبيتر) يدفع باتجاه البناء والثراء وتحت وطأة القوة تتحرك الذبذبات فتولد جاذبية قاهرة يصعب التخلص منها. وبناء على هذه القراءة النظرية قدمت ماغي بعض الأمثلة الحسية للتأكيد على هذه الاحتمالات ، فأشارت إلى أن الأجواء الفلكية التي ستسود العام 2006 تشبه كثيراً تلك التي واجهت لبنان في العام 1975 (اندلاع الحرب الأهلية) أو العام 1982 (العدوان الإسرائيلي).

خرج المحتفلون بنهاية السنة بحال من الإحباط النفسي إذ إن على اللبنانيين أن يختاروا بين عودة الحرب الأهلية أو تكرار العدوان الإسرائيلي. وهذا بالنسبة للشعب اللبناني مسألة قاهرة لا تحتمل بعد كل الكوارث التي حلت به في العامين 2004 و2005.

آنذاك وتحديداً في العام الماضي بدأ اللبنانيون يشعرون بأن الانفراج بات قاب قوسين وأن لبنان خرج من عنق الزجاجة ونال حصته من الصراعات الأهلية والحروب العربية -الإسرائيلية. وتركز رهان اللبنانيين على معادلة سطحية وهي أن هناك ما يشبه التوافق الدولي والإقليمي على تحييده من المواجهات المحتملة. وكذلك ذهبت تحليلاتهم إلى القول إن أميركا وأوروبا والدول العربية لن تسمح للدولة الصهيونية بتكرار عدوانها وتحطيم البنى التحتية التي كلفت المليارات وأوقعت خزينة البلاد في عجز مالي يبلغ المليارات.

خرج الحاضرون من الجلسة العلنية والمكشوفة مع ماغي بين «مصدق» لانباء الفلك و»مكذب» لها في اعتبار ان لبنان بات في وضع سليم ولن يسمح لأحد بالتعرض لأمنه واستقراره.

توافق على الكارثة

أخبار ماغي ليست وحدها في الساحة الفلكية، إذ ذهبت منافستها في علم الفلك في الاتجاه نفسه. فالعالمة كارمن شماس كررت القراءة وأكدت حصول تلك المواجهة الأسطورية بين ساتورن وجوبيتر وتأثيراتها السلبية والإيجابية. فكارمن ترى أن التنافر بين الكوكبين يولد جاذبية تتمثل في «مربعات» و»مثلثات» وهي ستكون كثيرة في العام 2006. فالسنة برأي كارمن «لن تكون سنة سهلة» إذ ستظهر «تحديات كبيرة بين بعض بلدان العالم» وستنشب «أزمات تتطلب حلولاً منصفة وعادلة» وسيشهد العالم حوادث «التعصب الديني والعرقي» مضافة إلى «التمرد والانتفاضة».

كل هذه التوقعات لم تنفع مع اللبنانيين. فهذا الشعب كان يعيش فترة قلق وتوتر ناشئة عن تلك الحوادث المؤلمة التي ضربت البلاد في العامين 2004 و2005. وهذا ما دفع الناس إلى التفاؤل بأن العام 2006 سيكون نهاية المطاف وليس بداية أزمة جديدة تعود به أما إلى العام 1975 أو العام 1982. فالتحليلات السياسية آنذاك كانت تتوقع احتمال حصول مواجهات في المنطقة وربما تحاول الولايات المتحدة التحرش بإيران لجرها إلى حرب وربما تحاول واشنطن استكمال سياسة زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة للعراق. ولكن التحليلات استبعدت أن تشن الولايات المتحدة بالتحالف مع «إسرائيل» عدوانها التدميري على لبنان وتعمد إلى تحطيم بناه السكانية والحجرية وزعزعة أمنه وجرجرته إلى مواجهات سياسية داخلية تقوض اقتصاده وتنهي ما تبقى من آمال وأحلام.

السيناريو الأسوأ كان هو أن ينال لبنان حصته الصغيرة والبسيطة من الضربات المحدودة والمدروسة في حال حصلت مواجهة اقليمية كبرى بين الولايات المتحدة من جهة وإيران وسورية من جهة أخرى. وبسبب هذه التصورات خرج الحاضرون غير مكترثين وبعضهم مال إلى السخرية والابتسام من أخبار الفلك وأنباء النجوم وقصة ذاك الصراع الأسطوري بين الجبارين ساتورن وجوبيتر.

هذا الالتباس بين أخبار الفلك ومعلومات الأرض دفع- كما يبدو- ماغي إلى تأكيد الأنباء في كتابها السنوي إذ ذكرت أن الحرب ستقع وحددت موعدها حين أشارت إلى أن «كل شيء محتمل خلال شهري يونيو/ حزيران ويوليو/ تموز»، ففي هذه الفترة سيأخذ التنافر الفلكي مداه وستسيطر الفوضى وسيخوض «العالم صراعات سياسية ونزاعات مسلحة». وبعدها ستهدأ الأمور ويعود «الأمل» في شهر أغسطس/ آب.

فعلاً غريب أمر هذه المعاكسة الفلكية. فالعدوان الأميركي/ الإسرائيلي بدأ في 12 يوليو وانتهى»المخاض» في 14 أغسطس وأدى إلى ما أدى إليه من دمار وخراب وتحطيم بنى ومدن وتفكيك بشر وذر النسيج الاجتماعي وبعثرته على الأزقة والاحياء والملل والنحل.

وعلى رغم ما حصل يبقى «كذب المنجمون ولو صدقوا». فالمسألة فيها الكثير من الغموض والالتباسات ولكنها في الآن تبعث على الخوف. صحيح أن الفلكيين أشاروا إلى الحوادث من دون تحديد المواضع إلا أن ما حصل سيعزز من قناعاتهم وسيزيد من قدراتهم في التأثير النفسي على الناس وربما تغيير الكثير من قناعات البسطاء وتعديل قراراتهم.

لاشك في أن اللبنانيين كعادتهم ينتظرون بفارغ الصبر توقعات ماغي وكارمن للعام 2007. فهم استمعوا كثيراً في حفل العام الماضي إلى التنافرات والتجاذبات والمواجهات والمعاكسات بين ساتورن وجوبيتر إلا أنهم ترددوا في قبول فكرة أن تلك المعركة الفلكية ستحصل في سماء لبنان وفوق أرضه. فهذا البلد صغير الحجم جغرافياً بينما الكواكب جبارة وضخمة فلماذا يختار الفلك هذه المساحة الجميلة والضيقة مكاناً لممارسة توقعاته حين يتعلق الأمر بالتوترات الأرضية؟

سؤال لا جواب عنه على رغم ما رددته ماغي وكارمن من الكلام عن وجود «مربعات» و»مثلثات» في الأبراج السماوية

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً