تأملاً في نتائج الانتخابات النيابية بهيمنة إسلامية - سياسية في شقيها السني (الموالي) والشيعي (المعارض)، وبغياب أو ربما «تغييب» أي حضور حقيقي وفاعل لفوز مترشحات في الحصول على مقعد برلماني عدا مقعد وحيد بالتزكية لصالح لطيفة القعود عن إحدى دوائر المحافظة الجنوبية، فقد أمكن الرجوع إلى المربع الأول في طرح الكثير من الأسئلة بشأن الدواعي الحقيقية والأسباب الواقفة خلف خسارة المرأة لأصوات الناخبين في أية دائرة من الدوائر الانتخابية بحكم الأمر الواقع، وذلك على رغم مما تتمتع به المترشحات من كفاءات وخبرات ومسيرة كريمة، تحفل بشواهد النضال السياسي الوطني والبذل والعطاء الاجتماعي مثل منيرة فخرو ومريم الرويعي وغيرهما من نماذج مشرقة تشرف المرأة البحرينية، إلاّ أن كل ذلك الإشراق لم يكن كافياً للأسف لتتويج المرأة البحرينية على عرش المنافسة الحقيقية بأماليد الثقة الانتخابية!
وكالعادة، ما ان ألقت نتائج الانتخابات بأثقالها على هشيم الأحلام الواقفة في هضاب الطموح الوطني، حتى تمّ على الفور استحضار أزمة الوعي الاجتماعي العام بدور المرأة كشريك إنتاجي أولاً ولاعب سياسي ثانياً، والتي تشكل بحسب سيل الرأي والإعلام الموجه العام العائق الرئيسي أمام وصول البحرينية إلى البرلمان بجدارة واستحقاق، شأنها شأن سائر المترشحين.
لذلك بات الحديث عن هيمنة ذكورية لا تزال شرسة على المجتمع البحريني عقلاً وقالباً وجودياَ هو أمر وارد في كل المناسبات التي يتم فيها استعراض إخفاقات وصول المرأة للبرلمان، كما أنه مادة محدثة، بل وهي قبلاً محببة إلى النفس في إلقاء اللوم كله على «الوعي المجتمعي المتدني» في إحباط وصول المرأة والحيلولة دون تمكينها تمكيناَ حقيقياً في شتى المناصب العامة، والخشية كل الخشية من أن يستحيل مثل هذا التعويل والتوكيل لأزمة الوعي كعامل رئيسي مفترض ومتهم في كونه يجعل من هذه الأزمة بمثابة الملهاة الأزلية، أو ربما حداثة التجربة وحداثة النبتة الديمقراطية في الروح البحرينية التي يفترض أن تكون صافية من شتى شوائب الحقد الطائفي والعنصري والسياسي. والأنكى من ذلك أن يكون طرح أزمة الوعي المجتمعي المزمنة في الثقة بدور المرأة بمثابة نوع من أنواع التنويمات والتهويمات التي لابد منها لتغييب بعض الأسباب الحقيقية في الواقع الميداني، والتي ربما لا يختلف عليها اثنان، أو ربما هي أشبه بما يعطى للطفل الرضيع لشغله عن جوعه وعطشه وتلهيته لبعض الوقت!
في اعتقادي الشخصي وبناء على ملاحظاتي للواقع السياسي والميداني الذي تظل فيه المرأة متألمة من إخفاقاتها المتعددة في الوصول إلى سدة البرلمان بإرادة شعبية، وكما أننا لا ننكر الجهود الكريمة التي يبذلها المجلس الأعلى للمرأة وغيره من جهات محلية ودولية معنية بنهوض المرأة وتمكينها، فإننا لا ننكر أن المسئول الأول في عدم فوز المرأة بإرادة شعبية في الوصول إلى برلمان 2002 أو2006 كان هو عقلية التعامل مع البرلمان كتهديد قادم أو ربما قائم في حد ذاته يستهدف مصالح الأوساط والقوى المتنفذة، وهي حال معاشة غير سوية بالطبع، وذلك بدلاً من أن يكون البرلمان سنداً وشريكاً في إدارة الدولة تشريعاً ورقابة!
ومع التسليم بعقلية التعامل مع البرلمان كتهديد وطوفان جارف مكتسح باعتبارها منبعاً أساسياً يقف أما وصول المرأة إلى البرلمان، يمكن الانتقال بعدها لما جرى ميدانياً من منافسة شرسة بين عدد من النساء المؤهلات اللاتي كن يتوقع وصولهن إلى البرلمان في قبالة عدد من مترشحي تيار الإسلام السياسي، والمحسوبين على عدد من الأوساط والجهات الموالية المتنفذة، والتي لم تتردّد في استغلال ما تتمتع به من امتيازات استثنائية تضعها في مأمن من الرقابة والمساءلة، لتضخ هبات مالية ومساعدات خيالية للمترشحين المحسوبين عليها من أصحاب الفضيلة الانتخابية بشكل تعدى بأشواط ما تحصل عليه المرأة من دعم، سواءً كانت مستقلة أو منتمية لجمعية سياسية، أو حتى محسوبة على الجهات الرسمية ذاتها!
وبالإضافة إلى المساعدات المالية وسائر أنواع الهبات الأخرى وأشكال الدعم الممنوحة إلى أصحاب الفضيلة الانتخابية في مواجهة وجوه نسائية معروفة وجديرة بالفوز، لا يمكننا أيضاً أن نغفل عن العمى الوظيفي وربما السلوكي (نرجو حتى هذه اللحظة أن يكون عمى) الذي أصاب الجهات المعنية بالرقابة والإشراف على المساجد والمنابر الدينية حتى أصبحت تتغاضى وتسكت عن التحيزات الاستثنائية الممنوحة لعدد من رجال الدين وبعضهم مترشحون نيابيون والآخرون نواب، ظلوا يمارسون ويتفننون في ممارسة مختلف أشكال الاستغلال الديني والفضح والتشهير بخصومهم رجالاً أم نساءً، وهو الأمر الذي لم تسلم منه عدد من المترشّحات القويات التي راهن العديد على دخولهن البرلمان بإرادة شعبية ساحقة.
فمثل هذا التدهور السلوكي والأخلاقي كشف عن حقيقة معادن بعض أصحاب الفضيلة الانتخابية، ومن يقف معهم ويمالئهم في مواجهة مترشحين أكفأ وأصلح لخدمة الوطن، كما كشف الموقف المتواطئ تستراً على هؤلاء من قبل بعض الجهات، والذي يفضل أن يظل محصوراً في نطاق لعبة سياسية غير بريئة، فيما يشبه أنها تستهدف إيصال أشخاص بأعينهم من أصحاب الفضيلة الانتخابية للبرلمان على حساب التضحية بملف تمكين المرأة، الذي أصبح في خبر كان، وقبله ملفات الجدارة والكفاءة والاستحقاق ذاته، الأمر الذي سينعكس سلباً على الإصلاح. والسؤال: هل تحترم هذه الجهات وتحت أحضانها خطباء وأئمة مساجد ومترشحون متورطون... هل يحترمون جميعاً سلطة القانون التي تتنافى مع ما تتم ممارسته من تجاوزات، أم أن النسخة القانونية التي في حوزتهم تختلف عن القانون الذي يعرفه الجميع وهو من دون شك أمر خطير ويثير البلبلة. وطالما لم تكن الجهات المعنية تحترم القانون لا يحق لها بالتالي أن تفرضه على الجميع ليحترموه وهذا هو عين المنطق، على وزن «من لا يحترم نفسه لا يحق له أن يطلب من الغير الاحترام»!
أما السؤال الأخير بشأن الجدية في مساعي تمكين المرأة فإننا نقول إلى متى سيظل هذا الملف معلقاً على قائمة الانتظار من أجل عيون من لا يصلحوا ليكونوا بوابين؟ وإلى متى سيجري استهبال المواطنين في عصر المعرفة والتكنولوجيا؟
لو ظل الحال كما هو عليه، فإن المتضرر الأول من ذلك سيكون من أنيطت به مهمة تمكين المرأة والنهوض بها سياسياً، حيث سيفقد الجميع الثقة في جهوده ناحية تمكين المرأة، وهو ما يشكل إجحافاً كبيراً في حقه، وقد يبدو مبرراَ بسبب الصمت والتواطؤ العام على التضحية بملف تمكين المرأة في هذه الانتخابات والانتخابات التي قبلها وإخراجه من سياق الأولويات، وهو ما لا نتمناه أبداً
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ