لفت نظري وأنا أتصفح صحيفة «الوسط» بتاريخ الثالث من اكتوبر الماضي، شكوى أحد المواطنين المرة من أنه يعيش مع عائلته في أوضاع معيشية مزرية، في مسكنه الآيل للسقوط، وأنه يعاني من ظاهرة انتشار الثعابين والفئران والحشرات. أعان الله هذا المواطن على هذا البلاء المقيم، والله أسأل أن يكشف عنه هذا الضر في القريب العاجل، وصاحبنا كاظم بن رجب من الفعاليات السياحية المعروفة في البحرين يقيم أيضاً في نفس القرية (جبلة حبشي)، التي يقيم فيها المواطن المنكوب، ولكن يبدو أنه يقيم في الطرف الأغر منها! ففي منزله الفخم يستقبل في مجلسه العامر أصدقاءه ومحبيه مرة كل أسبوع. وأحسبه بعيداً عن عالم الثعابين والفئران، وإلاّ لما طاب له المقام في هذه القرية الوادعة التي كانت تقبع في أحضان النخيل الباسقات، التي تراجعت الآن وحلت محلها غابات من المباني الخرسانية.
وكان الناس في سنوات الخمسينات وحتى الستينات، في مدينتي المحرق والمنامة، يعيشون في أحيائهم القديمة ذات الطرق و(الدواعيس) والحواري الضيقة والملتوية. وكانت بيوت الموسرين تنعم ب(أحواش) واسعة تفرش بالرمل البحري وفيه الصبان والأصداف البحرية الصغيرة، حيث تفترشه النساء على بسط المديد أو الحصر المصنوعة من سعف النخيل. وأجمل الساعات هي فترة شاي الضحى، إذ تتبادل النساء أطراف الأحاديث المختلفة، إلى جانب استعمال (المقص) أو (الحش) في أعراض الناس وشؤونهم، وتدخل في باب النميمة والغيبة من أوسع أبوابها.
وكانت الخرائب كثيرة ومنتشرة في أحيائنا الشعبية في معظم مدن البحرين، وتصبح مأوى للفئران والحيات والقطط، ويبدو أن هناك تعايشا سلميا بين الطرفين. فالفئران الكبيرة لا تخاف أو تهاب القطط مهما كبر حجمها، بل يعيش الطرفان في وئام وسلام طالما أن الأرزاق متوافرة للجانبين، وقلما نشهد نحن الأطفال في تلك الأيام الخوالي عراكاً أو شجاراً بينهما، وعندما ينشب العراك تعقبها هدنة هشة لا تدوم طويلاً، وهي أشبه بالهدنة الهشة القائمة بين «إسرائيل» والدول العربية منذ قيامها في 1948.
وحكى لي صديق في الخمسينات ونحن تلاميذ صغار، أن والده الميسور الحال يحرص على إبقاء كمية كبيرة من الحصى البحري في دهليز بيتهم الواسع لاعتقاد لحاجته إليه في البناء أو تقوية بواليع المنزل الكبير والواسع الأرجاء. واتخذ الفئران الحوش الكبير مأوى مكيناً للتكاثر، وتحوّل إلى ساحة مفتوحة أشبه بملعب الكرة. وكانت القطط السمان المترهلة تقف على الحياد طالما أنها ممتلئة البطون، وجرب صاحبنا اصطياد هذه الفئران بالشداخة الحديدية، فأفلح بعض الوقت، إلاّ أن الفئران اكتشفت بذكائها الفطري هذا الطعم المهلك بعد اختفاء العديد منها فقررت الابتعاد عن المصيدة، وفضلت عليه ما تقتات عليه من سقط المتاع!
أما بالنسبة للفئران، فهي ضحية للعنف البشري، وهناك جمعية للرفق بالحيوان قريبة من مدخل صحيفة «الوسط»، ويتم استدراجها إلى (الشداخة) وهي نوع من المصائد الخشبية القوية. ويكون الصيد فأرا واحداً أو اثنين. وحين كنا صبية صغاراً، كنا نأخذ هذه الفئران إلى شاطئ البحر القريب من منازلنا، فنغرقها في مياه البحر الضحلة حتى تسلم الروح ونعود سعداء ظاهرياً، إلاّ أننا مكسورو الخاطر مثبطو الهمم، لأننا أزهقنا أرواحاً بريئة كما يقول دعاة الرفق بالحيوان، وفي مقدمتهم الممثلة الفرنسية الجميلة الذائعة الصيت «بريجيت باردو»، طبعاً في شبابها وليس في شيخوختها اليوم حين بلغت السبعين، وهي سعيدة بقططها لا ترضى عنها بديلاً، إلا انها بدت حيزبونة مثل «أم الحليس» في تراثنا العربي، التي يقول عنها الشاعر:
أم الحليــس لعجـــوز شــهربـــه
ترضى من اللحم بعظم الرقبه
الكاتب المصري المعروف لويس عوض له بالمناسبة زوجة فرنسية مهووسة بتربية القطط مثل بريجيت باردو، كما أن زوجة الكاتب المصري المعروف حسين فوزي فرنسية أيضاً، ولها ولع بتربية القطط، ولله في خلقه شئون
إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"العدد 1549 - السبت 02 ديسمبر 2006م الموافق 11 ذي القعدة 1427هـ