ذات مساء، قبيل الانتخابات الأخيرة كنت حاضراً في ندوة حاشدة نظمها أحد المجالس الشهيرة في المحرق، وكانت ندوة ذلك المساء الحار تضم كوكبة من رموز المعارضة من عمائمها إلى أفنديتها... وبعضهم دخل المجلس الجديد وآخرون يريدون اللحاق بهم اليوم، وفريق ثالث لم يسعفه حظه للمشاركة. وفي خضم نقاشات معمقة استغرقت ساعتين من الزمن أو يزيد، ما شد انتباهي فقط من هذا الحوار الساخن نصيحة من شيخ وقور طاعن في السن عايش تجارب طويلة، إذ وجه نصيحة صادقة وجريئة في آن إلى تلك الرموز الجالسة فوق المنصة: «... يبه لا تضنون أحنا مو موجودين... لا يشترونكم مثل ما شرو غيركم»! مع كبير الأسف لم يعر أحد من الجالسين فوق المنصة العريضة التفافة لتلك النصيحة الصادقة المنطلقة من ضمير وطني حي... هذا الشيخ الذي حنكته التجارب، وجه تحذيراً إلى رموز المعارضة، وأخذ يذكّرهم بأن الكثير من أسلافهم تركوا ساحة النضال من أجل الناس وانتقلوا إلى ساحات أخرى للنضال من أجل مغريات مادية شهية... وأحسبه كان يلمح إلى قادة كانوا يتصدّرون المسيرات الشعبية يوماً ما. من يقرأ نصيحة الشيخ بتمعن يستطيع أن يلمس منها خوفاً من بوادر لتحجيم دور الناس في عملية التغيير بخلاف الدور المؤثر الذي لعبته الجماهير في كل محطة من محطات النضال الوطني، عندما كانت الجماهير سبّاقة للتغيير أحيانا حتى قادتها ونخبها... فكان ذلك صحيحاً في العشرينات حين قرّر الغواصة التغيير؛ وكان ذلك صحيحاً في الأربعينات حين قرّر العمال أن يختاروا التغيير؛ وكان ذلك صحيحاً في خمسينات الاتحاد الوطني؛ وكان ذلك صحيحاً في كل المحطات حين كانت السلطة تستيقظ في كل مرة على وقع دوي شعبي كبير يقود التغيير من أجل وطن أكثر عدالة وأكثر إنصافاً.
أخشى ما أخشاه أن يكون النواب قد دخلوا غرفة مغلقة، يفصلهم عن الجماهير سور عازل، وحينها ستضرب الحركة الوطنية في مقتل، إذ لا يمكن لأي تغيير حقيقي أن يكون بلا شراكة مع الجماهير، وهو أمر أحرج كثيراً بعض «نواب الفرصة» في 2002 وشعروا أنهم معزولون عن الناس، لأن الغالبية العظمى من الناس لم توصلهم، وهو أمر سيكون علامة تحدٍ لنواب 2006 ولكن من اتجاه معاكس! ثمة حقيقة يجب أن يضعها النواب الجدد نصب أعينهم، ولتكن نبراساً لهم في حركتهم وسكونهم، وهي ان البرلمان البعيد عن الناس لن يكون برلماناً حقيقياً، والبرلمان البعيد عن الناس لا يمكن أن يكون حراً، ولا يمكن أن يكون برلمان التغيير الذي ينتظره الجميع... ولن يكون سوى سجن كبير خانق لمن دخله، وسجان لمن هم خارجه، فعلى المشاركين أن يبنوا جسراً متيناً بين الشارع والمجلس، ليتذوّق الناس ثمرة عقود طويلة من النضال والمعاناة والتضحيات، وهم الذي أوصلوكم إلى حيث أنتم
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ