العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ

الحب الذي نصنعه لنبكي

يرن الهاتف مرات ومرات، لا يرد "قيس"... وتبكي "ليلى"...

قتلة هادئون، طيبون، لا تعوزهم الحيلة، حضاريون جداً في البدء، متحررون جداً عند اقتياد الضحية، بارعون في الكلام والمراوحة، لكنهم بعد ذلك يهربون، إلى أين؟. لا يهم. ضحية أخرى عند الشارع الآخر... تنتظر.

وإذ اشترطت لعبة "الحب" في الشرق أن يكون تداول الناس لمسرح الجريمة "فضيحة"، كان "السر" وحده القادر على مداواة الجرح، مسرح من أروع المسارح لهواة القتل، المسرح "محرم"، و"الستر" أولى من إفشاء السر.

هذا الحب الذي يَقتُل، كان حين بدأ وسيلةً للحياة، وسيلة للتصالح مع الطبيعة والإنسانية وكل عقد الطفولة والحرمان. لكنه اليوم "مجرم" يختبئ خلف "السر"، وليس من مصلحة الجرح أن يخرج "السر" فيهتك "الستر"، لما تتوقف عن هذه الأرض عادات الجاهلية، مازالت إناثها يتوسدن التراب وينمن في ذلك القبر. إنه "سر" بوزن "قبر". و"السر" يبقى في الذاكرة، أي ذاكرة هذه التي تملكها المرأة؟، أي ذاكرة هذه التي لا تأتي إلا في ساعات الإرهاق عند المساء، ذاكرة مريضة لا تتذكر إلا ما يؤلم.

لكن، أي نسيان ذلك الذي يجيد صناعته "الرجل"؟، لا أدري لم لا تطالب هذه الأنثى بحقوقها في النسيان.

باسم الحب تبدأ ابتسامات اللقاء الأول، مكانه مجمع، مقهى، جامعة، أو شاشة إنترنت في محادثة، أي مكان مهما كان هو قادر على صناعة المأساة مهما صغر أو كبر. المكان لا يهم، المهم هو التأهب من كلا الطرفين.

اللقاءات الأولى، تُخرج فيها قنينة الحكايا أسرارها، يقول قيس: يا عزيزتي، هو الحب، لا تعريف له، لا عنوان له، لا تفسير أو تعليل له، والأهم من هذا وذاك هو أن لا حد له.

وتقول ليلى: يا حبيبي، بك أدرك الأشياء، وأفهمها. مذ أحببتك بدأت أعرف ذاتي، قبلك لا لون، وبعدك الألوان كلها. لك مني كل شيء وأي شيء.

حين تعد المرأة بالكثير، يقتلها "الرجل" أكثر. قلب المرأة في لسانها مفتوح لا يمسكه شيء، هو الخجل يمسكها عن الكلام، وفي الكلام مقتلها التي تستحي منه، ولا تخافه.

تُخرج الفتاة قلبها، وما أسرع أن تهدي الأنثى قلبها، مرهف الحس هذا الكائن، دقيق الشعور، رقيق، يحسب قلبه حين ينسى أن أي التفاتة للذئب هي "حب"، البكاء "حب"، الضحك "حب"، الخروج الأول للفضاءات المغلقة في المقاهي "حب"، الهاتف "حب"، الثقافة "حب"، الاشتياق بالكلمات "حب"، وأخيراً، تبدو أحاديث الجسد والجنس والهواتف الليلية "حب".

المرأة كائن يمسك قلبه في راحة يديه، يرميه لمن يخال أنه سيلتقطه بعد عذابات السقوط، وما خاف هذا الكائن من أن يسقطه من احتضنه، فيداها منذ البدء كانتا محرجة فيه، ويكاد يسقط، حين تُقتل الأنثى، تقتل مرتين.

ويخرج حديث الحب خارج الحدود، في قاعدة مفادها "أن حباً له حدود لا يعول عليه"، وكل نساء الأرض يؤمن بذلك، وإن أنكرن وبالغن في الممانعة.

الخروج من حب "الرومانسيات الكبرى" للحب "العملي الطبيعي" له ضريبة، الأنثى تستعد هنا للقتل، تُهيأ نفسها ما استطاعت لذلك، إن تاه "الذئب" ذات يوم عن مسرح الجريمة ترشوه مكان "العودة"، الأنثى تجيد لعب دور الضحية، تحب ألمها، تحترمه، تقدسه، وتسعى إليه، يغريها في ختام قصص "الحب" أن تبكي، وأن تبكي حد الاختطاف، مختطفة تدبر عملية اختطافها وترسمها بدقة، يبدو الحب في ماهيته ليس أكثر من "لعبة".

الخروج من شرنقة "الكلام" لابد أن ينتهي، إن للأجساد حديثها، وإن للشفاه منافع أخرى. الدخول لعالم الأجساد يحتاج أن نتصالح من أشياء كثيرة، على المرأة إذاً أن تتصالح مع التاريخ، مع الأب والأم وإرثهما من الطفولة الباكرة، وأن تتصالح مع جسدها "المحرم"، وأن تتجاوز قشعريرة اللقاء الأول وعثرة اللسان، قبل هذا وذاك.

تلك ليلى "الخائفة"... بدأت تكسر حواجزها ومتاريس قصرها.

بدأت ليلى تتنفس الهواء.

أما الرجل، فهو المؤسسة الكبرى للكذب، سيكون في هذه المرحلة رجل الحرية والتضحية، رجل التطور والمعرفة، رجل "الغرب" لا رجل "الشرق"، رجل الخروج على "النص"، رجل الحرية الأول وسيدها المطلق. حاول قدر استطاعتك أن تؤدي دورك بدقة متناهية، ومسرح العملية واسع، معجم اللغة العربية زاخر بالكلام، والوعود في حدود الكلام "كلام"، لم الخوف، اكذب أكثر، ستصدقك ليلى أكثر وأكثر.

يحتاج الرجل في مثل هذه الأوقات إلى تفعيل مكنة "الوعود"، و"الوعود" في الشرق "عهود". وعلى رغم أن العهود لطالما استبيحت وأهدر دمها، فإن الأنثى تبقى هي "الأنثى" ذاتها، ولا أروع عندها من لعب دور "المخدوع" "الموجوع".

يومان، ثلاثة، شهر أو شهران. يحدث اللقاء، تنتهي قشعريرة الأجساد على حقيقة بسيطة، وضعيفة.

يكتشف المحبون حينها أنهما كانا يبالغان جدا في الحديث عن الحب، وأن التقاط سيمياء الوجوه مخادع ماكر، الخروج من الفكرة وآفاقها، إلى واقع الطبيعة.

يرن الهاتف، لا يرد "قيس"، وتبكي "ليلى"... انتهى

العدد 1548 - الجمعة 01 ديسمبر 2006م الموافق 10 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً