على رغم التظاهرات الشعبية الهادرة والرفض شبه الرسمي لزيارة بابا الفاتيكان إلى تركيا، أصر بندكيت السادس عشر (79 عاماً) على المجيء إلى هذا البلد في الموعد الذي حدد من قبل. وعلى رغم أن الزيارة تعتبر في ظاهرها خطوة جيدة نحو التواصل بين الشعوب والزعماء الدينيين إلا أنها في الواقع غير كافية لإخماد نقمة المسلمين بعد الجدل العنيف الذي نتج عن اقتباسات البابا التي أدلى بها في ألمانيا أخيرا وأساء من خلالها للإسلام. ولذلك ذهب متشددون أتراك إلى أبعد من التظاهر حينما احتلوا متحف أياصوفيا في اسطنبول وهو في الأصل كاتدرائية شيدت في القرن السادس ثم تحولت إلى مسجد ثم صارت متحف العام 1935. وبناء على هذه التهديدات قرر البابا ارتداء قميص واق ضد الرصاص، لكنه لم يتعرض لسوء من قبل المسلمين. فصحيح أنهم غاضبون ولكن عبروا عن مشاعرهم بالاحتجاج فقط إذ إنهم في نهاية المطاف يحترمون قادة الدين المسيحي عموما وذلك امتثالا لتعليمات دينهم «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن»... الآية. والتسامح في مثل هذا المقام ضروري لاستئناف الحوار بين الأديان. وحسنا فعل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان حينما تراجع عن قراره عدم لقاء البابا فاستقبله في المطار على رغم انشغاله بالسفر للمشاركة في قمة حلف شمال الأطلسي في ريغا. وكان لزاماً على الأتراك أيضا توخي الحذر من الزيارة فربما تستغل الاستخبارات الغربية هذا التوتر وتدبر عملية اغتيال لـ «الحبر الأعظم» ثم ترمي بها المسلمين الأبرياء الذين طالما وصفوا بممارسة الإرهاب وحينئذ ستصدق نبوءة الجنرال الأميركي جون أبي زيد بأن المتشددين الإسلاميين سيتسببون في اندلاع حرب عالمية ثالثة.
ومع هذا كله يظل السؤال العالق في الأذهان لماذا أصر البابا على زيارة تركيا الغاضبة التي استقبلته بوجه عابس وكالح؟. إن الهدف من الزيارة في الحقيقة هو انجاز مصالحة تاريخية بين الكنيستين الكاثوليكية التي يتزعمها البابا والكنيسة الأرثوذوكسية الشرقية في اسطنبول والتي يتبعها نحو 240 مليون مسيحي وبالتالي يضمن بندكيت السادس عشر سيطرة كاملة على أوروبا مجدداً عبر توحيد الكنيستين في مواجهة «خطر الإسلام» المتنامي في العالم
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 1547 - الخميس 30 نوفمبر 2006م الموافق 09 ذي القعدة 1427هـ