عرفت البحرين على امتداد السنوات الثلاث الماضية حوارات ساخنة ذات علاقة بالدور السياسي الذي بوسع المرأة البحرينية أن تمارسه. وتمحورت تلك النقاشات، في مراحل لاحقة، حول دور المرأة في البرلمان. أشعل فتيل النقاشات ترشيح مجموعة من السيدات أنفسهن للمجلس النيابي، وسكب الزيت على نار تلك النقاشات، النتائج التي أدت إلى فشل أي منهن، باستثناء حالة يتيمة واحدة، إلى قبة البرلمان. اعتبر البعض ذلك بمثابة إهانة لمستوى التطور الاجتماعي الذي يفترض أن تكون البحرين قد وصلت إليه، ورأى فيه البعض الآخر شكلاً من أشكال التمييز الاجتماعي نحو المرأة، ذلك إذا استثنينا الجوانب السياسية التي أثارتها بعض المترشحات، إذ ألقت باللوم على السلطة واعتبرتها المسئولة الأولى عن ذلك الفشل.
من النقاشات الجانبية التي أثيرت على هامش تلك النتائج كانت إجراء بعض المقارنات بين وضع النساء في البحرين وأوضاعهن في دول أخرى. ولعل المعلومات الواردة هنا تلقي بعض الأضواء على واقع النساء في بلدان أخرى غير البحرين على أمل أن تساعد في اغناء تلك النقاشات وتوسيع آفاقها.
في البدء لابد لنا من الاعتراف أن واقع المرأة غير المنصف بالنسبة إلى الرجل ليس ظاهرة بحرينية محضة، ففي 12 من مايو/ أيار الماضي أطلقت منظمة العمل الدولية صيحة فزع ضد بروز مظاهر تمييز جديدة في مواقع العمل على رغم تراجع بعضها في الكثير من بلدان العالم. وحذر تقرير جديد للمنظمة نُشر في جنيف حينها من الأشكال الجديدة للتمييز بين العاملين التي أضحت تشمل السن والوضع الصحي والديانة.
وإلى وقت قريب جداً، كانت التقارير والدراسات الصادرة عن منظمة العمل الدولية تشدّد على أن “الجنس هو السبب السائد لعدم المساواة في سوق العمل”. فالنساء يشكّلن بحسب الأرقام المتوافرة “غالبية العمال غير المأجورين أو غير المألوفين أو المحبطين”.
وتبين الأرقام الحديثة المقدمة من منظمة العمل الدولية في “تقرير العمالة في العالم، 1998-1999” أن معدلات بطالة الرجال أعلى من معدلات بطالة النساء في 22 فقط من 70 بلداً توجد بشأنها أرقام مصنّفة على أساس الجنس.
وربما يستغرب البعض حين نعرف أن سويسرا متأخرة في مجال المساواة بين الجنسين، بما يفوق ما هو موجود في جامايكا أو في جنوب إفريقيا، حسبما أظهرت دراسة مقارنة صنفت سويسرا في المرتبة الـ 25 من بين 115 بلداً.
فقد أظهرت الدراسة، التي سهر على إعدادها المنتدى الاقتصادي العالمي (مقره جنيف)، بان الإمكانات الاقتصادية التي تتوافر لدى السويسريات ليست كافية لتحسين موقعهن في الترتيب.
وإلقاء نظرة أكثر قرباً على أرقام تلك الدراسة، يثير التساؤل الآتي: “هل أوضاع المساواة بين الرجل والمرأة أحسن بكثير في جنوب إفريقيا مما هو عليه الحال في سويسرا؟”.
إذا كانت سويسرا على مستوى الحقوق ومستوى المعيشة وفي مجال الوصول إلى وسائل العلاج والتعليم ليست بأقل مما تعرفه جنوب إفريقيا، فإن سعدية زاهيدي، وهي إحدى اللواتي ساهمن في إعداد تقرير “الهوة في المساواة بين الجنسين”، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي ترى بالمفهوم المطلق أنه “إذا ما قارنا الفرص المتاحة أمام الرجال مع ما هو متاح بالنسبة إلى النساء، فإننا نجد بأن الفرق لديكم أكبر بكثير مما هو في جنوب إفريقيا”.
وقد شملت الدراسة، التي سهر على إعدادها المنتدى الاقتصادي العالمي، بالتعاون مع كل من جامعة “هارفارد” و”لندن بيزنس سكول”، الأوضاع في عدد من الدول تشتمل على نحو 5 مليارات نسمة. وقد تم تطبيق معايير التقييم استناداً إلى معطيات واردة كلها من مصدر وحيد هو الأمم المتحدة.
ومن القطاعات التي تم فيها العثور على فوارق كبيرة في مجال المساواة بين الجنسين، قطاع المشاركة السياسية والفرص المتاحة للجنسين في القطاع الاقتصادي، مثل الأجور والمناصب ذات الكفاءة والمسئولية العالية.
ويضاف إلى هذه القطاعات، قطاع التعليم والتكوين المتوسط والعالي والصحة. اما في ميدان المشاركة السياسية، فيتعلق الأمر بالتمثيل في الإدارة وفي المجالس التشريعية.
فقد احتلت السويد (في سلم تقييم يمتد من 0 كحد أدنى مستوى للمساواة إلى 10 كسقف أعلى لها) المرتبة الأولى، مع العلم أن نسبة المساواة فيها لم تتجاوز 80 في المئة، وهذه النتيجة تظهر جلياً بأن حتى أول بلد في العالم من حيث الحرص على تحقيق المساواة بين الجنسين، لم يتمكن من الوصول إلى مساواة فعلية كاملة. ومع ذلك، لم يمنع من اتخاذ السويد كمثال يقتدى به في هذا المجال.
وقد احتلت عدة دول أوروبية ومعها نيوزيلندا والفلبين، المراتب العشرة الأولى، ولم تتبوأ سويسرا سوى المرتبة الخامسة والعشرين بعيدا وراء عدد من الدول المجاورة، مثل ألمانيا التي احتلت المرتبة الخامسة أو قبل دول مثل فرنسا وإيطاليا اللتين احتلتا على التوالي المرتبة 70 و77، والسبب الذي أثر سلباً في هذا الترتيب، يعود إلى سوء تمثيل المرأة في الميدان السياسي والاقتصادي.
اما تركيا، المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها تأتي في مرتبة تبعد بكثير عن آخر بلد أوروبي في ترتيب منتدى دافوس الاقتصادي العالمي.
وترى سعدية زاهيدي أنه “من أجل ردم الهوة القائمة في هذا المجال، يجب ان تصل نسبة المساواة بين الجنسين إلى 90 في المئة في مجالات التعليم والصحة”، ولكن على النقيض من ذلك، ترى الباحثة أنه في ميداني السياسة والاقتصاد، مازالت النساء أقل تمثيلاً، بحيث لا تتعدى النسبة 50 في المئة.
ولا تمثل سويسرا استثناء في هذا المجال، بحيث مازالت النساء تعاني من قلة التمثيل في المؤسسات السياسية، مثل البرلمان والسلطة التنفيذية على مستويات كثيرة.
ويسلط التقرير حول المساواة بين الجنسين الضوء على خاصية سويسرية، وهي أن عدد الطالبات المسجلات في الجامعات والمعاهد العليا السويسرية أقل بكثير مما هو عليه الحال في دول متقدمة أخرى.
لكن مع ذلك، تبقى العراقيل التي تعترض تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة كثيرة. فإذا كان بلد مثل الولايات المتحدة (المرتبة 22)، يقدم للنساء فرصاً اقتصادية واجتماعية كثيرة، فإن باب المجال السياسي يبقى مغلقاً إلى حد كبير في وجوههن، كما أن أحسن ترتيب في أميركا الشمالية، حققته كندا التي احتلت المرتبة الـ 14 في التقرير.
لم يعثر محققو المنتدى الاقتصادي العالمي في كامل القارة الأميركية اللاتينية سوى على فوارق نسبية في المساواة بين الجنسين في مجالي الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليم.
ولكن، عندما نأخذ في الاعتبار كل بلد على حدة، فإن الفوارق تأخذ أبعاداً أخرى. فالأرجنتين تعتبر البلد الذي يعرف أكبر فارق في الأجور بين الرجال والنساء في العالم، إذ لا تحصل المرأة هناك إلا على ثلث ما يحصل عليه الرجل بالنسبة إلى العمل.
أما فيما يتعلق بالبلدان العربية، فإن التقرير يشدد على أن العقود الأخيرة شهدت تسجيل تقدم مهم في مجال السماح للمرأة بالوصول إلى خدمات القطاع الصحي والتعليم.
ولكن مستوى التقدم البشري للنساء العربيات يبقى ضعيفاً والإمكانات لتطويره تبقى غير مستغلة في العالم العربي، على رغم استفادة الكثير من النساء من تحسين استقلالهن في مجال الموارد المالية.
ويصل معدو التقرير في خاتمة تقريرهم إلى التعبير عن الأسف لهذه الوضعية، لأنهم يعتبرون أنه “بتحسين أوضاع المرأة، سنعمل على تحسين أوضاع البلد بأكمله”.
وقبل أن نصل إلى نهاية المقال، تجدر إيراد أرقام دراسة خاصة باللامساواة في سويسرا، قام بها المكتب الفيدرالي السويسري للإحصاء توضح تلك الأرقام، أن النساء مازلن يعانين من التمييز في عدد من المجالات على رغم التقدم الذي تم تحقيقه في الكنفدرالية على مستوى المساواة بين الجنسين.
وأشار المكتب في بيان صدر عنه في مقره بمدينة نوشاتيل يوم 8 مارس/ آذار الماضي أنه منذ اعتماد مبدأ المساواة السياسية بين الجنسين في العام 1971، اكتسبت النساء بعض المساحة على مستوى البلديات، إذ يشغلن حالياً ربع مقاعد الهيئات التنفيذية في المدن و31 في المئة من مقاعد المجالس المسيرة للمدن. لكن 12 في المئة فقط يشغلن منصب “عميدة المدينة”.
وفي برلمانات الكانتونات، تناهز نسبة النساء 25 في المئة، أي ما يعادل تقريباً معدلهن في البرلمان الوطني. ويذكر أن سويسرا تحتل المرتبة الـ 27 في قائمة “نساء البرلمان” لاتحاد البرلمانات الدولي. وتحتل صدارة الترتيب روندا والدول الاسكندينافية إذ تتراوح نسبة النساء في البرلمان بين 40 و50 في المئة.
أما على مستوى التكوين، فقد تداركت النساء السويسريات تأخيرهن، إذ إن قرابة 22 في المئة من الإناث يتابعن حالياً في الثانويات الشعبة المؤدية للجامعة، مقابل 16 في المئة من الذكور.
لكن على مستوى الأجور، تظل النساء في أسفل السلم، إذ إن تمثيلهن يرتفع عندما يتعلق الأمر بالوظائف التي لا يتجاوز راتبها 4000 فرنك، علماً بأنهن يمثلن في قطاعات مثل الفندقة والمطاعم والملابس ما بين 56 و78 في المئة من مجموع الموظفين.
أخيراً، تتحمل 80 في المئة من النساء اللاتي يعشن مع أزواجهن ولديهن أطفال دون سن 15 عاماً العبء لوحدهن عندما يتعلق الأمر بمعظم الأعمال المنزلية.
لا تعني تلك الأرقام أن على المرأة البحرينية أن تنتظر قرناً زمنياً آخر كي تتجاوز نظيرتها السويسرية. لكن منطق الأمور يدعونا إلى إعادة النظر فيما ندعو، أو نطمح إليه، بعد قراءة متمعنة للأرقام البحرينية إن ملكنا حق الوصول لها
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1547 - الخميس 30 نوفمبر 2006م الموافق 09 ذي القعدة 1427هـ