العدد 1528 - السبت 11 نوفمبر 2006م الموافق 19 شوال 1427هـ

ما تبقى من صحافة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

أن تقوم للأسف بعض الصحف المحلية التي تصنف نفسها ضمن أعرق المدارس الصحافية المهنية في الوطن العربي، بعمل دعايات مجانية للمناضل الوطني عبدالرحمن النعيمي من خلال تخصيص مقالات قذف واستعداء بحقه من تأليف عدد من أبطال كوبونات الفضيحة، والشيكات السياسية من دون رصيد كالـ «الناشط السياسي» وعميد المصابين بالزهري السياسي، وغيرهم من أدوات تحفل بالتردي السياسي المثير للشفقة، فذلك أمر غير مستغرب من صحيفة تضحي بمهنيتها وسمعتها وخطها «القومي» في سبيل مافيا «الغونغو»،ونخب المال السياسي المدفوع، وهو الذي سيجعل من الصعب التفريق بين هذه الصحافة وأية بقالة أو متجر للأواني المنزلية! وإن كنا لا ننكر الدور الإيجابي الذي لعبته تلك الدعايات الموجهة لصالح النعيمي بنشر المقالات ذات الفقر الإملائي والأسلوبي. فهي أثبتت أن النعيمي شخص غير مرغوب بوصوله أبداً إلى البرلمان، ولا يمكن السماح بذلك على رغم كونه مواطناً بحرينياً من الدرجة الأولى، كما أنها أشعلت صراحة النعيمي في آفاق الفقر والعوز المترسخ في هذا البلد بفعل «السياسات الرشيدة للدولة» في توزيع الثروة الوطنية.

وصول النعيمي إلى البرلمان، أصبح حسب تلك الصحيفة «القومية» أكثر خطورة من البرنامج النووي الصهيوني، لذلك فلا بد من مواصلة الحملة من خلال نشر البيانات والمبايعات التي يوجهها نفر أو نفران من «أولاد» الحكومة إلى منافسي النعيمي ومنافسي غيره من الشخصيات الوطنية. شخصياً لا مانع لدينا من أن يستلذ أحدهم «لعق» أحذية أسياده عبر الصحافة عسى أن يرمي له عظمةً أو فتات لحم، أو قسيمة إسكانية، أو سداداً لديونه المتراكمة على أنفاس الحركة المصرفية،فبإمكاننا أن نعتبرها لأجله حرية شخصية وممارسة لحق دستوري في التوسل لا التسول، ولكن ليفعل «اللاعقون» ذلك خلف الجدار احتراماً للذوق العام، ولما تبقى من صحافة ومن مهنية وموضوعية، وقبلها قيمية ومبدئية! لا يضير السيد المناضل أبداً فزعة بعض العبيد والخدم و«طنغرتهم» عليه! وفي جهة أخرى أكثر اقتراباً تقوم صحيفة أخرى ضالعة في كبرى فضائح العصر الديمقراطي بنشر ملحق موسع وملون لما يشبه إعلان سباق لنتائج الانتخابات النهائية عن فوز مرشحين من «الأحباب» وأولاد الحلال في محافظة المحرق، والغالبية العظمى من هؤلاء المرشحين محسوبون على تيار الإسلام السياسي الموالي، وبعضهم سبق وأن فاز بعضوية مجلس النواب أو المجلس (اللي ما سوى شي)، وهو ما يمثل انحيازاً صارخاً متدثراً بمسوح من المؤشرات والأرقام والجداول التي أتت من جهة بحثية فقدت صدقيتها لتورطها في فضيحة كبرى لا يجهلها أحد. كان بإمكان صحيفة الكوبونات أن تصدر قائمة كبرى تسميها باسمها، لتضم ما تتمنى هذه الصحيفة من وجوه تصل إلى البرلمان، ولن يمكن حينئذ لأحد أن ينكر عليها حقها في الحلم والتمني والانحياز الفاجع، من دون أن يكون ذلك بمثابة إعلان نهائي عن نتائج الانتخابات البرلمانية في محافظة المحرق أو محافظة الحسم التي تتجه صوبها جميع الأنظار، نظراً لدورها الجوهري في تحديد تشكيلة البرلمان المقبل، بالإضافة إلى رمزيتها المتألقة في الذاكرة الوطنية البحرينية! وقد يقول أحد المدافعين عن «الملحق» إن بعض نتائج التصويت المنشورة هي النتائج مضافاً إليها أصوات الـثمانية آلاف ناخب جوال في ربوع المملكة بلا هوية أو عنوان، أو هي أصوات الناخبين والناخبات الأحياء منهم والأموات، فسنقول إن ذلك لا يعني بالمرة أن تعلن هذه الصحيفة عن نفسها في ما يشبه أنها المقر الرئيسي للجنة الإشرافية العليا للانتخابات! وهو أمر مؤسف للغاية، ويدل على تلبك وارتباك مؤسساتي واختلاط في الأدوار والمهمات،من دون أن يعني بالمرة تكريماً لصحافة «تحترم نفسها»، كان يكفيها أن تمارس ما اعتادت ممارسته من صقل وتلميع يقتضي اللجوء إلى سوائل التنظيف الاصطناعية! كما لا يمكن لأحد أن ينكر سلبية هذا الدور الذي اضطلعت به الصحيفة من خلال الملحق للتأثير نفسياًَ على النواب الآخرين، والذين قد يقفون خارج السياق العام لأجندتها المرسومة، أكانوا نواب معارضة أم نواب موالاة ومسايرة. وبالتالي كان من المتوقع أن يكون هنالك تأثير نفسي سلبي على عدد لا بأس به الناخبين عبر إبعادهم عن المراهنة على وصول نائب خاسر حتماً إلى البرلمان، بالإضافة إلى التسليم القسري بتلك النتائج، أخذاً بما تبقى من صدقية لهذه الصحيفة، والانحياز إلى المرشح صاحب الغالبية الصوتية في الدائرة بحسب تصنيف الملحق! علماً بأنه وما أن تم نشر الملحق حتى أقدم بعض «الفائزين» حسب الصحيفة على التكفل بالتوزيع المجاني لهذا الملحق على جميع ناخبي دائرته باعتباره أمراً وارداً في المنافسة السياسية والدعاية الذاتية والإعلانية المشروعة!

كما دفع ذلك الكثير من المترشحين إلى الانتخابات النيابية إلى إصدار بيان إدانة واستنكار لما أقدمت عليه الصحيفة من مسارعة إلى إعلان للنتائج النهائية للانتخابات النيابية، ومحاولة التأثير على الحظوظ الانتخابية بطريق غير مباشر ولكنه مفضوح، كما دفع بآخرين إلى التفكير ملياً برفع شكوى إلى القضاء ضد الصحيفة. ولا عجب في ذلك أبداً، فإن كنا - يا صاحبي- نعيش عصر «الحرية» و «الإصلاح»... فإننا نعيش أيضاً عهد «الصحافة الريعية» والتلميع الاصطناعي، والمهنية برغبة، والموضوعية بمزاج

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1528 - السبت 11 نوفمبر 2006م الموافق 19 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً