ما بين المناورات الحربية الأميركية «البحرينية» والمناورات الإيرانية المضادة التي أعقبتها على الفور ثمة أنباء قوية تتردد في أروقة الإعلام والدبلوماسية الإيرانية الخلفية، مفادها أن الخارجية الأميركية تدرس سيناريوهات تسويات محتملة مع طهران قد تبدأ بالإذعان العلني بقبول طهران دولة نووية سلمية مقابل أن تساهم طهران ومعها دمشق بخروج أميركي «مطمئن» من العراق... وقد تتطور «الصفقة» إلى حدود الاقتراب من سيناريو التطبيع الذي اتبع مع كل من الصين وروسيا في العهود الأميركية السابقة!
صحيح أن الأجواء الحالية الأميركية لا يمكن الركون إليها لأنها أجواء مزايدات انتخابية بامتياز نستطيع أن نتفهم في سياقها قول السيد بوش للسيد شيراك إنه «سيتفهم» ضربة إسرائيلية محتملة للمنشآت النووية الإيرانية، كما نتفهم «المصادفة» الديمقراطية التي أطلقتها هيلاري كلينتون من منبر مجلس العلاقات الخارجية الأميركية للتحاور مع كل من طهران ودمشق، وكيف أن حزبها سبق أن بعث جيمس روبين إلى طهران تحت ستار «زيارة عائلية» لجس نبض طهران إلا أن كل ذلك يبقى في «ظهر الغيب» بعدما أطلقت طهران صواريخها الباليستية الحاملة لرؤوس حربية انشطارية تستطيع تهديد كل المواقع الأميركية المتقدمة في جنوب أوروبا ومياه الخليج الدافئة وبحر عمان وصولاً إلى قاعدتها المتقدمة في الدويلة الإسرائيلية التي تستمر في تهديدها ووعيدها لحلفاء طهران في فلسطين ولبنان ولا تنفك من توجيه تهديداتها المباشرة لطهران نفسها!
فما يتردد هنا على خلفية المناورات الإيرانية الأخيرة هو أن طهران تمتلك صواريخ أخرى أكثر تقدما لم تستخدمها في هذه المناورات وأنها تصل إلى ابعد من ثلاثة آلاف كيلومتر، وهي مصنعة محلياً على عكس ما ينفيه أو يشكك فيه خبراء روس في تعليق لهم على المناورات الإيرانية الأخيرة.
وطبقاً لما يتردد في الأروقة الخلفية للمناورات هنا، فإنه في حال أقدمت تل أبيب على مثل هذه الحماقة فإن ما شهدته «فلسطين المحتلة» أيام حرب الـ 33 يوماً ضد لبنان وحزب الله ستصبح بمثابة «ألعاب فيديو» يمكن أن يتذكرها من سيبقى من القادة العسكريين الإسرائيليين للتسلية وقضاء الوقت تخفيفاً للإحباط والكآبة اللذين ستلحقان بهم!
وعليه، فإن المطلعين على بعض خفايا الحرب الدعائية النفسية السياسية والإعلامية الجارية بين واشنطن وطهران في هذه الأيام العصيبة على إدارة بوش والمحافظين الجدد يؤكدون أن القدر المتيقن من سيناريو الصفقة - التسوية المحتملة بين طهران وواشنطن هو إذعان واشنطن بضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات مع طهران عبر القناة الأوروبية لحاجتها الماسة إليها كلاعب أساسي في مستقبل الوضع العراقي الذي يتجه نحو الفوضى، وفي مستقبل لبنان الذي يتجه لتعديل ميزان القوى لصالح حلفاء إيران وسورية قريباً جداً، وكذلك للأحوال التي ستستجد قريباً في أفغانستان على خلفية استعدادات إقليمية ودولية لإعادة رسم موازين القوى هناك لغير صالح واشنطن بالتأكيد.
وفي هذا السياق، فإن مواقف كل من روسيا والصين المعارضة لإصدار عقوبات ضد طهران ولعزل سورية، وكذلك السودان دولياً ليست سوى إشارات إلى وجود تحالف عريض يستعد للنهوض دولياً سيشمل فيما يشمل «محاصرة» أميركا مقدمة لإخراجها من آسيا الوسطى والقوقاز وأفغانستان تباعاً باعتبارها الخطر الاستراتيجي الذي ينبغي أن يتوحد العالم المستقل والممانع في مواجهة طموحاته الامبراطورية المتزايدة.
من هنا يعتقد الكثيرون بأن «الشرق الأوسط الجديد» الذي حاولت كوندوليزا رايس الترويج له أثناء الحرب المتوحشة الأميركية - الإسرائيلية على لبنان سيكون له لون وطابع ومضمون جديد فعلاً ولكن ليس كما حلمت به كوندوليزا رايس و»أخواتها» ممن ساهم في العدوان على لبنان ويعلم اليوم «بالانقضاض» على إيران ويسكت عنه بل إن مضمونه سترسمه معادلة «ما بعد شهاب 3»!
هذه المعادلة التي ستفرض على الحزبين الجمهوري والديمقراطي سلوكاً مختلفاً ليس فقط مع طهران - بعد الانتخابات الأميركية النصفية للكونغرس - بل ومع حزب الله لبنان ومع سورية ومع أفغانستان والعراق فضلاً عن فلسطين والفلسطينيين.
إنها المراهنة التي خسرتها الإدارة الأميركية في حرب الـ 33 يوماً ضد لبنان، ولا يعتقد المراقبون هنا بأنها ستقامر بخسارتها مرة ثانية ضد إيران! فالشرطي الإسرائيلي باعتباره الحامي المتقدم للمصالح الأميركية في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط استنفد مفاعليه الاستراتيجية بعدما شاخ وهرم، ولم يبق امام واشنطن سوى الإذعان للشرق الجديد شرق ما بعد حيفا!
ولن تنفع الإدارة الأميركية محاولات «التغطية» السياسية والنفسية التي تحاول تقديمها للرأي العام الأميركي الداخلي لتبرير «هروبها» المنظم والمطمئن من العراق وتقديمه على أنه بعد «نجاح المهمة»! كما لم ينفع معها الحكم «المستعجل» والمرتبك ضد الطاغية السابق للعراق لإبقاء الجمهوريين مهيمنين على مجلس الكونغرس. فالرأي العام الأميركي «شبع» بما فيه الكفاية من حكاية التبريرات والذرائع التي قادت العالم وسمعة أميركا إلى الحضيض، والعراقيون وصلوا إلى درجة لا بأس بها من الوعي والرشد لادراك واستيعاب دروس التغيير والإصلاح وهم يرون حال «قائدهم» السابق بائساً خلف القضبان لا حيلة له «وقادتهم» الجدد كيف هم لا حيلة لهم ولا قرار في صناعة امن بلادهم واستقرارها ناهيك عن ضبط حدود الوحدة والسيادة والاستقلال الناجز
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ