تحاول أن تقرأ ما يزيل ويبدد عنك وهْمَ أنك تعرف كل شيء... وما ستقرأه لا يعدو كونه تواطؤاً مع الرتابة التي ربما تحياها وتعاني منها.
تكتب كثيراً. تكتب حد قدرتك على الممارسة ذاتها وأنت غارق في نوم عميق. ولكن ما هي قيمة تلك الكتابة؟ سؤال يبدو تكراراً مثل تكرار فعل وعادة الكتابة تلك. الكتابة التي تدفعك الى النكوص والتراجع. الكتابة التي لا تقول شيئاً. لا تقولك، ولا تقول ما يشعر به الآخرون من حولك، ولا تقول النبوءة التي كثيراً ما تتورط فيها الكتابة.
الكتابة بعدد الهم على القلب... ومع الوقت تجد أن الكتابة ذاتها وقد تراكمت وتحولت الى هم إضافي على القلب. خصوصاً اذا ما جاءت مُفرغةً من كل معنى وجدوى وهدف وموقف.
كل كتابة لا تتحرى مآزق تترصد لها بالجملة، غير جديرة بأن يُلتفت إليها على الاطلاق.
***
تتحول القراءة الى قرص «اسبرين» لا قراءة إلا لكي تضمن أن تنام من دون عقاقير قد تقلب مزاجك الصباحي رأساً على عقب. قراءة كتلك هي مشروع تخدير. مشروع ذهاب الى النسيان ببطاقة من دون رجعة. قراءة ضالعة في العميق والسيئ من الاستغلال. والنتيجة أنك لا تقرأ شيئاً حين يحدث ذلك.
القراءة نادرة، وما يغري على القراءة أكثر ندرة. ربما هو إيقاع الحياة، وإيقاع الزمن والسياسات والاحتياجات والمغريات. كثيرون يجمّلون صورهم بالبذخ الماثل والقائم والمباشر، وحين يفيض بهم ذلك ويسأمون، يعمدون الى القراءة علّها تجمّل شيئاً من القبح في الفراغ المكتنز فيهم. يقرأون لزوم الوجاهة وعدم الشعور بالحرج في حال قادتهم الصدف أو الأمكنة الى أحاديث يعتقدون أنها ضرب من التخرّص والهراء والإسراف على النفس والوقت.
***
الذين لا يقرأون ومازالوا يكتبون يعودون الى الخزائن التي كانت في يوم من الأيام مليئة بالنفائس. ولأنهم اعتادوا على العودة تلك، لن يكفوا عنها حتى وإن تيقنوا أن الخزائن تلك لم تعد مليئة كما كانت. وإن تبدّى لهم أنها فارغة تصرخ في جنباتها الريح. لذلك لن يكون مستغرباً أن تأتي محصلات مايكتبونه فارغة كفراغ تلك الخزائن.
***
الذين صاموا عن الكتابة، ترفّهوا بشكل لائق في قراءة تأخذهم الى عوالم وأمكنة لم ترتدها أبصارهم وبصائرهم. صوم له صفة ومآل الحكمة. ترتيب للداخل باتجاه الخارج. وترتيب للخارج باتجاه الداخل. كلما امتنعت الكتابة عن المجيء كلما كان ذلك محفزاً لقراءة أخرى تستفز المعتم والمخبأ فيك. كلما استعصت عليك، كلما ارتدْت آفاقاً تمنحك من العمر الإضافي ما يجعلك ممتناً له مدى الحياة
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 1527 - الجمعة 10 نوفمبر 2006م الموافق 18 شوال 1427هـ